المسؤولون عن مكافحة الفساد

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/مارس/٢٠١٨ ٠٥:١٠ ص
المسؤولون عن مكافحة الفساد

فريد أحمد حسن

في المجمل يمكن القول بأن الفساد الإداري والمالي تعاني منه كل بلدان العالم، لكن الأكيد هو أن هذه الظاهرة تتوفر بسخاء في البلدان النامية، وهو أمر يهدد التنمية الاقتصادية وعملية البناء ويؤدي بالضرورة إلى عجز الدولة عن مواجهة تحديات الإعمار أو إعادة الإعمار، حيث الفساد يعني ببساطة وصول الأموال إلى جيوب أفراد أو مؤسسات بطرق غير مشروعة وهذا يؤدي بالضرورة إلى تعطل المشاريع التي رصدت الدولة لها تلك الأموال. هذا ما يقوله كل المختصين في موضوع الفساد الذين يقولون أيضاً إنه ينبغي محاربته كي لا يتضرر الاقتصاد وتتعطل الحياة. ولأن الفساد ليس ظاهرة جديدة لذا فإن تراكم الخبرات جعل من المفسدين أساتذة في هذا المجال وتمكنوا من تطوير أدواتهم ومن الاستفادة من القانون أيما استفادة، وهذا صعّب من مهمة الجهات المعنية بمكافحة الفساد.

حسب الدارسين فإن الفساد يمكن أن يكون موجوداً في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة وفي كل تنظيم «يكون فيه للشخص قوة مسيطرة أو قوة احتكار على سلعة أو خدمة أو صاحب قرار وتكون هناك حرية في تحديد الأفراد الذين يستلمون الخدمة أو السلعة أو تمرير القرار لفئة دون الأخرى». هؤلاء يقسمون الفساد إلى ثلاثة أنواع أساسية؛ الفساد السياسي، الفساد الإداري، الفساد المالي. أما السياسي فيرون أنه يتمثل في «الانحراف عن النهج المحدد لأدبيات التكتل أو الحزب أو المنظمة السياسية نتيجة الشعور بالأزلية أو كونه الأوحد أو الأعظم أو المنظر، أو بيع المبادئ الموضوعة في أدبيات المنظمة للكتل الدولية أو الإقليمية القومية لسبب أو أكثر كالخيانة والتواطؤ والتغافل والإذعان والجهل والضغط... وغيرها»، وأما الإداري فيتعلق «بمظاهر الفساد والانحراف الإداري أو الوظيفي من خلال المنظمة والتي تصدر من الموظف العام أثناء تأدية العمل بمخالفة التشريع القانوني وضوابط القيم الفردية، أي استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحياتهم للحصول على مكاسب ومنافع بطرق غير مشروعة»، أما الفساد المالي فيتمثل في «الانحرافات المالية ومخالفة الأحكام والقواعد المعتمدة في تنظيمات الدولة ومؤسساتها مع مخالفة ضوابط وتعليمات الرقابة المالية». الدارسون يضيفون إلى الأنواع الثلاثة هذه الفساد الأخلاقي والذي يتمثل «بالانحرافات الأخلاقية وسلوك الفرد وتصرفاته غير المنضبطة بدين أو تقاليد أو عرف اجتماعي مقبول».

الباحثون يعرّفون الفساد بأنه «سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح خاصة» وكذلك «خروج عن القانون والنظام العام وعدم الالتزام بهما من أجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للفرد أو لجماعة معينة». لكن الأهم من تعريف الفساد وأنواعه هو محاربته، فهل تستطيع الدول النامية محاربة الفساد ؟
المثير أن كل الدول النامية التي تعاني من الفساد تقول بأنه يمكن محاربة الفساد ووضع حد له وأنه يمكن القضاء عليه قضاء مبرماً، لكنها كلها تظل تعاني منه ولا تتمكن من القضاء عليه، وهو ما يجعل الكثيرين يعتقدون بعدم جدية الحكومات في محاربة الفساد أو عدم تمكنهم من ذلك بسبب تورط بعض من يصعب توجيه الاتهام إليهم فيه وعدم إمكانية تقديمهم للمحاكمة بسبب نفوذهم. ورغم أنه يصعب توجيه مثل هذا الاتهام للدول أو لبعضها على الأقل إلا أنه يصعب أيضا تقبل فكرة أنها لا تتمكن من وضع حد للفساد والقضاء عليه.
هذا لا يعني أن الدول غير المنتمية إلى مجموعة الدول النامية لا تعاني من قضايا فساد، لكنها بالتأكيد تظل قليلة ولا تؤثر على الاقتصاد، فوجود القانون وتطبيقه على الجميع من دون استثناء يمنع من انتشار هذه الظاهرة ويجعل المفسد يتردد ألف مرة قبل أن يقدم على ممارسة أي نوع من أنواع الفساد، وهو ما يصعب تطبيقه حتى الآن في الكثير من الدول النامية.
في مختلف دول مجلس التعاون تم ويتم تقديم متورطين في قضايا فساد إلى النيابة العامة والمحاكم، وواقعا ينفذ حالياً العديد من الأشخاص الذين ثبتت عليهم التهم الأحكام التي صدرت ضدهم، لكن استمرار ظاهرة الفساد في هذه الدول يدفع إلى الاعتقاد بأن التشريعات والقوانين لا تزال دون القدرة على جعل المقدمين على الفساد يتراجعون ويفكرون ألف مرة قبل أن يمدوا أيديهم إلى غير صحونهم، وعلى الاعتقاد بأن القانون يطبق على فئة دون أخرى، وأن العلاقات الخاصة تفعل فعلها فتخرج بعض المتورطين في هذه القضايا مثلما تخرج «الشعرة من العجين».
لا يمكن التعميم ولكن لا يمكن أيضا نفي وجود مثل هذا الأمر، فلولا وجوده لما وجد فاسدون ولأغلق هذا الملف بشكل نهائي. وهذا يعني أنه ينبغي من المجالس النيابية والشورية المعنية بالتشريع أن تعمل على سن التشريعات وإقرار القوانين التي تخلو من الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها ناهبو الثروات، وينبغي من الجهات المعنية بتطبيق القانون تطبيقه على الجميع من دون استثناء حيث التمييز في التطبيق يؤدي بالضرورة إلى تعطيل القوانين وإفسادها.
ولأن الفساد يضر بكل المجتمع وكل أفراده من دون استثناء لذا فإن مسئولية مواجهته تقع على الجميع من دون استثناء أيضا، فهذه المهمة ليست مهمة الحكومة وحدها ولكنها مهمة الحكومة والشعب معا، وهذا يعني أن على الأفراد دوراً لا يستهان به في الكشف عن المتورطين في قضايا الفساد، فعندما تتوفر المعلومة الصحيحة ويتوفر الدليل على تورط الشخص أو الأشخاص فإن إبلاغ الجهات المعنية يعتبر واجباً وطنياً وعملاً مهماً.

· كاتب بحريني