مكافحة التهرب من الضرائب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/مارس/٢٠١٨ ٠٥:١١ ص
مكافحة التهرب من الضرائب

خوسيه أنطونيو أوكامبو

على مدار السنوات القليلة الفائتة، كشفت تسريبات وثائق مثل «أوراق بنما» و»أوراق الفردوس» عن الجانب المظلم للعولمة، واستفزت تصريحات الاستنكار والإدانة الغاضبة إزاء التهرب الضريبي من قِبَل الناس في مختلف أنحاء العالَم. لا يملك العمال العاديون أي اختيار غير سداد الضرائب المستحقة عليهم. ولكن من الواضح أن الشركات المتعددة الجنسيات والأفراد الأثرياء يمكنهم الإفلات دون أن يدفعوا أي شيء تقريبا.

السِمة الأكثر إثارة للذهول في مخططات التهرب الضريبية من قِبَل الشركات اليوم هي أنها قانونية. فعندما تنشئ الشركات المتعددة الجنسيات شركات تابعة، فإن هذه الكيانات تعتبر شركات مستقلة قانونياً. ويُصبِح بوسع الشركة الأم أن تحدد أسعار المعاملات بين شركاتها التابعة لتسجيل أرباحها في دول منخفضة الضرائب، بدلاً من تسجيلها حيث يجري النشاط الاقتصادي الأصلي بالفعل.وقد تسبب هذا النظام القائم على «التسعير التحويلي» في تأجيج المنافسة بين الدول لخفض معدل الضريبة على الشركات. والآن بعد أن خفضت الولايات المتحدة معدلها من 35% إلى 21%، فمن المرجح أن تزداد حدة السباق العالمي إلى القاع. والواقع أن الساسة في الهند والمكسيك والبرازيل ودول أخرى نامية يدعون بالفعل إلى خفض الضرائب، لكي تظل دولهم قادرة على المنافسة، واجتذاب الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص العمل أو الإبقاء عليها.كل الدول لديها الحق في ضمان القدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي. وبوسعها أن تفعل ذلك بالاستعانة بطرق مختلفة، مثل الاستثمار في التعليم، وتمويل البحث العلمي والتكنولوجي، وتشييد بنية أساسية فعّالة. والمنافسة الضريبية ليست الطريقة المثلى لتحقيق هذه الغاية، خاصة وأنها تقلل من العائدات اللازمة لتنفيذ مثل هذه الاستثمارات، وخاصة في الدول النامية، التي تخسر، وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في العام 2015، أكثر من 200 بليون دولار سنوياً بسبب التهرب الضريبي من قِبَل الشركات المتعددة الجنسيات.

عندما تنشئ الدول أنظمة ضريبية مصممة فعلياً لسرقة الإيرادات الضريبية من آخرين، فإن النتيجة هي أيضاً أموال أقل للتعليم، والرعاية الصحية، وبرامج الحد من الفقر، وتدابير معالجة تغير المناخ. لا ينبغي لنا أن نسمح بهذا، ويتعين على الشركات المتعددة الجنسيات أن تكف عن الإضافة إلى المشكلة عن طريق التهديد بالرحيل عن البلدان ما لم تخفض الضرائب. فمن الواضح أن المبدأ الأساسي في المسؤولية الاجتماعية للشركات هو أن الشركات يجب أن تدفع تصيبها العادل في الضرائب أينما كانت تزاول أعمالها.يمر السبيل الوحيد لوقف السباق إلى القاع عبر التعاون العالمي. قبل ثلاث سنوات، اتخذت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين خطوة في الاتجاه الصحيح، من خلال الكشف عن حزمة من الإصلاحات معروفة باسم مشروع تآكل القاعدة وتحويل الأرباح. استحدثت هذه المبادرة نظاماً للإبلاغ عن أرباح الشركات والضرائب المدفوعة على أساس كل دولة على حِدة، وتسهيل تبادل المعلومات بين البلدان.لكن برنامج تآكل القاعدة وتحويل الأرباح أثبت كونه غير كاف، وخاصة من منظور الدول النامية، لأنه فشل في معالجة المشكلة الأساسية: نظام تسعير التحويل. ويظل من المسموح للشركات المتعددة الجنسيات أن تضع أرباحها جانباً في المناطق الضريبية الشديدة الانخفاض.قامت اللجنة المستقلة لإصلاح ضرائب الشركات الدولية، والتي أتولى رئاستها، بتقييم مقترحات بديلة لإصلاح النظام الحالي. وفي تقرير حديث، وجدنا أن الطريقة الأكثر عدالة وفعالية لتخصيص أرباح الشركات وفرض الضرائب عليها تتلخص في التعامل مع الشركات المتعددة الجنسيات باعتبارها شركات منفردة تنفذ أعمالها عبر حدود دولية. وبالتالي تُفرَض الضريبة على إجمالي الأرباح العالمية للشركة وفقا لعوامل مثل المبيعات، وتشغيل القوى العاملة، واستخدام الموارد ــ وكل هذا يعكس النشاط الاقتصادي الحقيقي ــ في كل منطقة. وقد تصادف أن الاتحاد الأوروبي يفكر حاليا في اقتراح مماثل، والذي بموجبه يتعامل مع كل الشركات المتعددة الجنسيات العاملة داخل حدوده كشركات منفردة.في ظل هذا النظام، ستظل الشركات تتنافس على الاستثمار وعمليات الشركات من خلال خفض معدلات الضريبة على الشركات. ولهذا السبب نقترح أن تتفق كل الدول على حد أدنى للضريبة على الشركات لا يقل عن 15% إلى 25%.ولكن إلى أن يحدث هذا، لا ينبغي للدول النامية أن تتخذ موقفا سلبيا. بل يتعين عليها أن تفرض التغيير فرضا، بدءا من الحد الأدنى المتفق عليه من معدلات ضريبة الشركات على المستوى الإقليمي. ومن الممكن أن تستفيد أيضا من نظام ــ معمول به بالفعل في البرازيل ــ يعين حدا أدنى للدخل الخاضع للضريبة للشركات التابعة المحلية، استنادا إلى الهوامش الكلية لأنماط مختلفة من المعاملات.
بالنظر إلى المستقبل، نستطيع أن نقول إن الوقت حان لتتناول الأمم المتحدة هذه القضية. فمن خلال جهد تعاوني عالمي حقاً يصبح من الممكن إصلاح نظام معيب وإنهاء السباق الضريبي المدمر إلى القاع إلى الأبد.

عضو مجلس إدارة البنك المركزي الكولومبي