من هم أبطال قصتنا اليوم؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/مارس/٢٠١٨ ٠٥:٢٦ ص
من هم أبطال قصتنا اليوم؟

لميس ضيف

لتفهموا كيف تُدار المؤامرات في العالم، وكيف تُخندق الجماهير في صفوف وتُحقن في الوريد بكراهية هذا، بوصفه عدوا، والولاء لذاك بزعم أنه صديق، ولتعلموا كيف تتم برمجة الجماهير وتشويشها ودفعها للتشنج والعته عندما يتعلّق الأمر بالخصوم، عليكم فقط أن تقرأوا لجورج أورويل روايته التي حملت عنوان (1984) وكل ما عليكم فعله هو تغيير أسماء الأبطال وفقا لما نعيشه اليوم لتكتشفوا أن دستور السلطات كان دوما «واحدا» منذ أن خط أورويل الرواية في 1949 وصولا ليومنا هذا.

تقع أحدث الرواية في أوشينا، واحدة من ثلاث دول تقاسمت العالم بعد حرب ضروس، كل شيء مراقب، وكل نوايا التمرّد مجرّمة، رئيس الحزب يدعو الناس للتضحية لحماية الدولة، ووزارة السلام هي المسؤولة عن تأجيج الحرب. ووزارة الحقيقة هي المفوضة بتزييف الحقائق لتتناسب مع رؤية الحزب الحاكم. أما وزارة الوفرة فهي المسؤولة عن إقناع الناس بالتقشف لتوفير ما يلزم لحماية أوشينا من الدولتين العدوتين اللتين تحملان ذات الفكر واقعا -إنما- بمسميات أخرى ويحرص المسؤولون عن وزارة الحقيقة أن تظل الجماهير على جهلها كي تبقى جذوة كراهيتها مستعرة ضد الأيديولوجيات الأخرى.
يتوظف ونستون سميث، بطل الرواية، كموظف في وزارة الحقيقة وكانت وظيفته تزييف كل شيء، بما في ذلك التاريخ، بحيث يتوافق مع رؤية النظام. وعليه مسؤولية محو «اللاأشخاص» من التاريخ إن كانوا في القائمة السوداء. يعترف سرا لعشيقته جوليا بكرهه للحزب. وتفعل هي المثل. ولكنهما يريان أن الوضع يجب ألا يتزعزع لأن «غولدشتاين» -عدو الدولة الذي تجتمع الجماهير والنظام على قلب واحد مخافة خططه الشريرة- سيستغل غياب النظام للقضاء على الدولة وتسليمها لإحدى الدول المعادية.
يتقرّب «أوبراين» وهو عضو في الحزب الحاكم من ونستون ويعطيه نسخة من كتاب «غولدشتاين» مدّعيا أنه مؤمن بأفكاره فيعترف له ونستون بأنه وجوليا حانقان على النظام رافضان لزيفه وهنا يتم القبض على ونستون وجوليا ويتعرّضان لأشد أنواع التعذيب. وعندما يصل ونستون لغرفة الرعب حيث يُوضع وجهه في قفص حيث الفئران الجائعة، يخون حبه لجوليا ويطلب تعذيبها عوضا عنه!
تعرف في نهاية القصة أن «غولدشتاين» شخصية وهمية مختلقة من النظام. وأن الكتاب هو من تأليف وزارة السلام وشارك أوبراين الواشي في لجنة تأليفه. وترى بين السطور كيف تصبح الجماهير ألعوبة في يد الدعاية. وتصبح أكثر حقدا على «الأعداء» المحتملين من أعضاء الحزب نفسه.

لو لم تكن الرواية قد كُتبت في 1949 لظننا أنها تُلمّح لشخصيات حقيقة ولاعبين أساسيين بيننا اليوم، يُديرون صراعاتهم بسلاح الخوف والتزييف والتضليل، فيما ننساق نحن بلا عقل لنكون بيادق في لعبة نحن ضحاياها وأدواتها لا أكثر.