وطن بلا تدخين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/مارس/٢٠١٨ ٠٥:٣٩ ص
وطن بلا تدخين

علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com

كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة فتح محلات لبيع الدخان والتبغ بدون الانصياع لشروط وزارة الصحة في هذا الشأن، فإذا ألقينا نظرة موضوعية على عدد المصابين بأمراض مختلفة وعلى رأسها السرطان نتيجة للتدخين، وإذا نظرنا لعدد المرضى الأبرياء وغير المدخنين الذين يستنشـــقون الدخان السام رغما عن إرادتهم، إذ نظرنا لكل ذلك ووضعناه في خضم دراســـــة عملية لنستخلص منها العبر والدروس، الخسائر والأرباح، سنجد بالقطع أن المجتمع والوطن قد دفع ويدفع فاتورة باهظة للغاية نتيجة لتفشي الظاهرة.

بداية فإن فاتورة علاج المصابين من الأمراض القاتلة التي يسببها التبغ والتدخين بكافة أشكاله وضروبه وصنوفه وأنواعه هي فاتورة باهظة، ثم نجد أنفسنا مضطرين لتسديدها، وفي ذات الوقت كان من الممكن تمزيق الفاتورة لو أننا اتّبعنا ما يجب أن يكون وهو تحريم وتجريم الظاهرة. صحيح أن هناك من يقول بأن التدخين هو، بداية ونهاية، قرار شخصي يعود ضرره على المدخن لوحده. نظريا قد يبدو ذلك صحيحا ولكن وعبر إعادة البصر كرة أخرى للواقعة نجد أنها حقيقة سطحية تماما.

فالشخصي سينقلب بعدئذ إلى عمومي وهذا ما هو واقع وقائم الآن؛ فالدولة تدفع فاتورة العلاج، والدولة من ناحية أخرى تفقد عناصر بشرية أقعدها المرض وبالتالي أمست بعيدة عن دائرة الإنتاج، وعن دائرة المساهمة الإيجابية في البناء.
بذلك يتحوّل الخاص إلى عام، هنا فإن نظرية الحرية الشخصية التي يجاهر بها البعض في إطار الدفاع عن الظاهرة ستسقط من تلقاء ذاتها لعدم وجود ما يشد من عضدها.
على ذلك فإن هناك دورا تاريخيا مهما مُلقى على عاتق السلطة التشريعية بالبلاد بالتضامن مع وزارة الصحة الموقرة وهو العمل بروح الفريق الواحد لسن الــــــقوانين والتشريعات التي تحد من الظاهرة هذا إن لم نقل تمنعها بتاتا بقوة القانون.
نقول ذلك بعد أن فشلت كل التحذيرات التي أملتها منظمة الصحة العالمية على شركات التبغ بضرورة كتابة تحذيرات على عبوات التبغ والسجائر.
كل تلك التحذيرات فشلت في إيقاف الظاهرة، والتبغ ماض في طريقه غير عابئ بما يُقال عنه وفيه، ويوميا نشهد المزيد من الشباب وهم ينضمون طوعا للركب الميمم وجهه شطر الموت.
إذن فإن الانتقال للمرحلة الثانية من منظومة المكافحة غدت فرض عين، وهي سن القوانين وإنزال العقوبات، وقد نسمع آراءً تقول إن هذه التوجه مُعادٍ لحرية الفرد في الاختيار وفي حريته في اختيار الطريقة التي يموت بها، منطق كهذا كان سيغدو وجيها لو لم يكن هذا الاختيار يلامس وبنحو مباشر الوطن برمته، فالوطن أمانة في أعناقنا جميعا، وبما إن الأمر كذلك فإن سلامة وصحة مواطنيه هي أيضا أمانة في عنق الوطن، ومن حق الوطن في هكذا وضع أن ينتفض.
نأمل أن نرى تلك القوانين المقترحة وقد رأت النور، وفي ذات الوقت نتطلع بشوق لرؤية بلادنا ولم يعد فيها مدخن واحد، حلم نسأل الله أن يجعله حقا.