الدم اليمني.. والسلام المُعطل !

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/مارس/٢٠١٨ ٠٥:١٤ ص
الدم اليمني.. والسلام المُعطل !

علي ناجي الرعوي

مضت ثلاث سنوات بكامل أيامها وساعاتها على الحرب باليمن دمرت خلالها مدن وشرد الملايين وقتل عشرات الألوف ومسحت قرى خرج بعض أطفالها مقوسي الظهور بعد أن التصقت جلودهم بعظامهم من أثر الجوع والفقر والمرض.. مع ذلك فإن هذه الصورة المخلة بإنسانيتنا والتي تتمدد يوما بعد آخر على خارطة البلاد ظلت لسوء حظ أصحابها يحجبها غبار الحرب عن رؤية أولئك المتقاتلين والمتصارعين في الميدان وحلفائهم في الإقليم والذين يتخندق كل منهم في جهة ليبرهن على أنه الأكثر عزماً وشكيمة على مواصلة الحرب من غيره.وفي الخندق المقابل وبسبب ادعاء كل طرف الحق المطلق، وعدم الاعتراف بالخطأ فقد استمر المحرك للاحتراب يتغذى من التحريض والتحريض المضاد فظهر في اليمن أمراء وتجار ووكلاء حروب وأصبح المال والسلاح يتدفق لكل الأطراف بعد أن تحول هذا البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية ولن يخرج من هذا المشهد الوحشي إلا بعودة الوعي إلى أبنائه وتسليمهم بعدم جدوى الحرب وانتقالهم إلى طاولة الحوار لمعالجة خلافاتهم وتبايناتهم والتوصل إلى اتفاق سياسي وتاريخي يحفظ مصالح الجميع من هم في الداخل ومنهم في الخارج ودون أن يستثنى أو يقصى أو يهمش أحد.لقد وقع اليمنيون في الفخ كما وقعت شعوب أخرى حينما أصبحت مجرد أدوات لصراعات إقليمية أو دولية فسيقت إلى ساحة الموت تحت شعارات براقة أو مخادعة فإذا بها تجد نفسها بعد خراب بلدانها تكاد أن تكون منسية لا أحد يعينها على مصيبتها أو يشفق عليها أو يسعى إلى انتشالها من الهاوية التي سقطت فيها، وما يؤكد النتيجة سالفة الذكر بالنسبة لليمن ليست الوقائع المأساوية على الأرض فحسب بل ما تضمنه تقرير خبراء مجلس الأمن الدولي والذي وصف الحرب الدائرة في هذا البلد بأنها حرب بالوكالة تتموضع فيها الأطراف الداخلية وفقاً لبيادق الشطرنج ورغم ما شاب هذا التقرير من القصور ونقص المعلومات فانه الذي أفصح من أن الحل السياسي في اليمن مازال بعيد المنال لأسباب عدة لعل أبرزها أن الصراع فيه هو صراع أكبر من مسألة إعادة الشرعية المعترف بها دولياً إلى القصر الجمهوري بصنعاء بل إنه الذي يشتبك فيه المحلي بالإقليمي والدولي ويتداخل مع أزمات كثيرة في المنطقة والعالم.استلم المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن البريطاني مارتن غريفيث منصبه خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ الذي سلم عهدته دون أن يحقق ما كان يصبو إليه من حل للأزمة اليمنية والتوصل لاتفاق بين الفرقاء يوقف الاقتتال ويعيد توحيد البلاد التي دخلت في انقسام يحتاج فقط إلى (شرعنة) ليكون انقساماً كامل الأركان.. المبعوث البريطاني كان صريحاً في موقفه وواضحاً في توجهه حينما قال: «إن الطريق إلى السلام في اليمن صعب ومربك وأن التغلب على الدوامة البدائية من الفوضى فيه يحتاج إلى منحه تفويضاً من كل القوى الفاعلة والمؤثرة سواء في الإقليم أو على المستوى الدولي لعلمه ربما من أنه لم يبق هناك من طرف إقليمي أو دولي فاعل بمنأى عن المعركة المستعرة في اليمن وأن مسار هذه المعركة صار مرتبطاً بالعديد من الملفات والمصالح المتقاطعة والتي تعد من اعقد القضايا في العلاقات الدولية.وبالتوازي مع تعيين المبعوث البريطاني شهدت الأيام القليلة الفائتة تطورات متسارعة على صعيد المشهد اليمني يرى البعض أن من شأنها أن ترسم صورة وملامح أولية للمرحلة المستقبلية التي سيدخلها اليمن إذ بدا من الواضح أنه ومنذ جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن والتي استخدمت فيها روسيا حق الفيتو لمنع مشروع قرار بريطاني يدين بشكل صريح إيران ويتهمها بتزويد جماعة أنصار الله بصواريخ طويلة المدى دخول لاعبين دوليين على خط الصراع في هذا البلد حيث يعتقد الكثير من السياسيين أن قيام روسيا بتلك الخطوة إنما هو الذي عزز من مخاوف واشنطن من تحرك آخر لموسكو يقودها نحو اليمن في إطار الصراع بين القطبين الدوليين الشرقي والغربي ولتعطيل هذه الاندفاعة الروسية عمدت واشنطن وقبلها لندن إلى استعادة الملف اليمني من الأطراف الإقليمية وبما يسمح لهما من إعادة رسم مسار الأوضاع في اليمن ومن ذلك المفاوضات السياسية والتي يبدو أنها ستكون مختلفة عما قبلها من ناحية تمثيل القوى المتصارعة ويؤكد هذا الطرح ما جاء على لسان السفير الأمريكي في اليمن ماثيو تيولر في حواره مع صحيفة الشرق الأوسط مطلع الأسبوع الجاري.هذه المؤشرات تدل على وجود ما يمكن وصفه بشبه اتفاق أمريكي – بريطاني على إخراج اللاعبين الإقليميين من اللعبة اليمنية، وعدم ترك أي طرف آخر يمكن أن يقاسمهما في هذه اللعبة ولا تعني هذه التحولات بالضرورة أن التغيير قادم وأن الأزمة اليمنية إلى انفراج سيما إذا ما علمنا أن الشريكين الدوليين قد عبرا مراراً عن رغبتهما في وقف الحرب شريطة أن تكف إيران عن محاولاتها الهيمنة على هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية أو تحويله إلى شوكة في خاصرة دول الخليج وهو ما يعني أن الحل السياسي في اليمن سيبقى مرتهنا لذلك الشرط وتنفيذه وفقاً لوجهة النظر الأمريكية البريطانية.

صحيح أن ثمة من يعول على المبعوث الدولي الجديد وخبرته الطويلة في الضغط على كل الأطراف بأهمية الإسراع في إنقاذ الشعب اليمني من مآسي وويلات الحرب والأمراض الفتاكة وآفة الجوع لكن الصحيح أيضا أن سلفه ولد الشيخ أحمد كان حريصاً هو الآخر على تحقيق هذا الاختراق لكنه فشل بفعل الدور الخفي الذي ظلت تلعبه الدول الكبرى مما افقده هامش المناورة حيث كان التمهل في التعاطي مع الأزمة اليمنية متعمدا لتتحول مهمته إلى روتين ممل جعله محصوراً في الحديث عن الحالة الإنسانية وتداعياتها.لا يمكن تجاوز عقبة المقاربة الخارجية والصعوبات التي تخلقها من قبل الأطراف المحلية من دون أن تنفتح هذه الأطراف بشكل كامل على بعضها البعض وتتجه الى بناء تجربة تصالحية تقوم على الحوار المسئول والتوافق السياسي الذي يحرر اليمنيين من مآسير الأجندة الخارجية واستقطابات الحرب وتصفية الحسابات وبما يجعل من الخارج يستجيب لإرادة الداخل وذلك ليس بالأمر المستحيل إذا ما توفرت النوايا السليمة وأدرك كل طرف أنه لا يمكن له إلغاء الآخر وأن التعايش ما زال ممكناً بين الجميع.

كاتب يمني