أجمل الأمهات

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/مارس/٢٠١٨ ٠٥:١٧ ص
أجمل الأمهات

أحمد المرشد

بداية.. أهدي كل ما سأكتبه هنا لأمي الحبيبة، هذه الإنسانة العظيمة، سبب وجودي في هذه الحياة، أمي الغالية أطال الله في عمرها، فهي بعد الله سبحانه من لها الفضل فيما أنا فيه من نعمة الصحة والعافية وما وصلت إليه من مكانة.. فكل ما حققته من أماني ومكانة في هذه الحياة بفضل دعواتها الصادقة لي، فتحيّة لأمي الغالية وكل أم أعطت وتعطي أسرتها، ففضل المرأة لا فضل بعده في أي مجتمع، فالجنة تحت أقدامهن، فالأم هي رمز العطاء بلا حدود، العطاء بلا مقابل، والأم هي التضحية بالروح وبكل نفيس من أجل أولادها وسعادة أسرتها، فالأم أمل وحياة ورحمة والأم هي قرة الأعين، وأمي وكل أم في الوجود نهر متدفق من الحنان لا ينضب ولا ينتهي من العطاء. وأمي وكل أم في الوجود هي رمز الوفاء والحب والمحبة ونور أعيننا بل أعيننا التي نرى بها الدنيا.. أمي وكل أم في الوجود هي التي علّمتني الحب من نبض قلبها، ونقلت لي ولنا الحب والتسامح.. أمي وكل أم في الوجود هي الجوهرة المتلألئة في هذه الحياة.. اللهم بارك لي في أمي وكل أم في الوجود وأسعدها وأسعدهن جميعا.

مناسبة هذا الحب الجارف لأمي الحبيبة والأغلى والأعز إلى قلبي وروحي وحياتي هو أن أربعة أيام فقط تفصلنا عن عيد الأم أو عيد الأسرة كما يحب البعض أن يسمونه، وأيا كان المسمى فالأم تستحق أن نحتفي بها ونقدّم لها عمرنا وحياتنا وليس يوما واحدا فقط، وكذلك الأسرة، أسرتنا الصغيرة ومكونها الأكبر ممثلة في العائلة الكبيرة تستحق منا كل تقدير وتبجيل وأن نحتفي بها.. وإذا كان المصريون قد انقسموا في تسمية هذا اليوم، للأم أو الأسرة، فهم ومنذ عهود قدماء المصريين احتفوا بالمرأة والأم، وكان تكريم الأم عملا مقدّسا قبل آلاف السنين وليس وليد اليوم فقط، فالفراعنة منحوا المرأة مكانتها المتميّزة ناهيك عن تمييزها بحقوق اجتماعية واقتصادية وسياسية مساوية للرجل. فرجال مصر القديمة قدّروا المرأة والأم حق قدرها وكرّموها واحتفوا بها أيضا مثلما يحدث في الوقت الراهن، فعيد الأم ليس وليد اليوم وإنما يضرب في جذور التاريخ.

تميّز المصريون القدماء بإخلاصهم لزوجاتهم واحترامهم للأم كما تشير الآثار الفرعونية الكثيرة، وتدل الأثريات على مدى تبجيل الأم واحترامها في الأسرة والاهتمام باحتياجاتها.. وتقول إحدى النقوش المصرية القديمة نقلا عن حكمة عُثر عليها في بردية للحكيم «بتاح حتب» حيث يوصي بحفظ قيمة الأم قائلا: «إذا كنت عاقلا فأسّس لنفسك دارا وأحبب زوجتك حبا جما وآتها طعامها وزوّدها بالثياب وقدّم لها العطور لينشرح صدرها ما عاشت. فهي حقل مثمر لصاحبه وأياك ومنازعتها ولا تكن شديدا عليها فبلين تستطيع أن تمتلك قلبها وأعمل دائما على رفاهيتها ليدوم صفاؤك». كما تشير البرديات أن الأزواج كانوا يوفّرون كل متطلبات الزوجات، فيما كانت عقود الزواج تضمن للزوجة حقوقها. وقد ساهم في هذا أن مصر عُرف عنها أنها مجتمع زراعي المعروف بأن الأم تلعب فيه دورا أساسيا، حيث أطلق عليها قدماء المصريين لقب «ست بر» أي «ربة البيت»، كما وُصفت المرأة المصرية في عصور الفراعنة بأنها «الفريدة المحبوبة التي لا نظير لها»، وتشير بعض الرسائل المكتشفة حديثا والتي تركها الفراعنة إلى رسالة كتبها طفل احتفاءً بعيد الأم، مما يثبت أن احتفال المصريين بعيد الأم هو عادة قديمة وليست حديثة.
هذا عن احتفال الفراعنة بعيد الأم، أما تجديد هذا الاحتفال فله حكاية تستحق أن ننقلها عن الصحفي المصري الراحل علي أمين مؤسس صحيفة «أخبار اليوم» العريقة.. فقد زارت إحدى الأمهات شقيقه مصطفى أمين وشريكه في تأسيس الصحيفة، وروت له حكايتها وكيف ترمّلت وأولادها صغار ورفضت كل عروض الزواج بعد وفاة زوجها لتكرّس حياتها من أجل تربية ورعاية أطفالها، وظلت على هذا الحال حتى تخرّجوا جميعهم من الجامعة وتزوّجوا، واستقلوا بحياتهم، ثم شغلتهم الحياة لينصرف كل ابن عنها تماما. وعندما نقل مصطفى أمين تلك الرواية لشقيقه كتب تفاصيلها بدون الإشارة إلى اسم الأم في عموده الشهير «فكرة» في التاسع من شهر ديسمبر 1955، ليختتمه بدعوته إلى تخصيص يوم الاحتفال بالأم. وطلب أن يتفق المصريون على تخصيص يوم للأم وجعله عيدا لها في مصر والدول العربية، على أن يقدّم الأبناء لأمهاتهم فيه الهدايا الصغيرة إذا كانوا يعيشون في نفس المدينة أو البلدة، أو يرسلون خطابات تهنئة لأمهاتهم إذا تفرّقت بهم السبل، وتكون الرسالة هي شكر الأم.
وقد تفاعل قرّاء أخبار اليوم بشدة مع فكرة علي أمين، واختارت أغلبيتهم يوم 21 مارس من كل عام عيدا للأم، فهو بداية فصل الربيع في مصر وكذلك بدء موسم الحصاد، وهو ما ينطبق على عطاء الأم وصفائها وخيرها، وقد احتفل المصريون في العهد الحديث بأول عيد للأم بعد نحو ثلاثة أشهر من نشر الفكرة فكان عيد الأم الأول في 21 مارس سنة 1956، لتخرج الفكرة من مصر إلى بقية البلدان العربية.
ولكن ومع كل هذه الروايات عن تبجيل المرأة والأم وتخصيص يوم للاحتفال بعطائها للأسرة، فنحن لا ننسى أنه قبل أكثر من 1439 عاما وقبل أن يقرّر العالم القديم والحديث أن يحتفل بالمرأة والذي تم تحديده في الثامن من مارس، كان الإسلام هو أول من كرّم المرأة وأعطاها حقوقها كاملة، وأوصى بها القرآن الكريم وأوصانا بها رسولنا، وكانت آخر كلماته قبل موته (استوصوا بالنساء خيرا). فالإسلام أول من كرّم المرأة ولم يحدّد يوما في العام لتكريمها بل كانت مكرَّمة ومصانة طوال العام وليس في يوم محدد منه.. وأمرتنا آيات القرآن الكريم بالإحسان إلى الوالدين، الأم والأب: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)، بل إنه حينما جاء رجل إلى النبي وقال له من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك وكررها ثلاثا وفي الرابعة قال ثم أبوك.
وقد حثنا الإسلام على الاهتمام بالمرأة على مدى مراحلها الثلاث، بدءاً من كونها ابنة أو أختاً ثم زوجة ثم أماً، وكان أمر الإحسان إليها من صميم تعاليم الدين الإسلامي في هذه المراحل الثلاث. فأمرنا الإسلام بالمساواة بينها وبين الولد وهي ما تزال بنتا، فقال بن عباس: (سووا بين أبنائكم ولو فضّلت أحدا على أحد لفضّلت النساء).
أما الزوجة، فقد أمرنا الله عز وجل بحسن معاشرتها فقال في محكم آياته: (وعاشروهن بالمعروف). كما أمرنا الإسلام بإعطاء المرأة كافة حقوقها فقال عز وجل في سورة النساء: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئا مريئا). فلا يجوز للزوج أن يتصرّف في مهرها أو ينفقه بدون إذنها، وتتمتع المرأة المسلمة بذمة مالية خاصة بها.
وإذا كنا قد تحدّثنا عن الماضي السحيق ثم ما أمرنا به الإسلام حيال الأم حتى وصل بنا الحال في وقتنا الراهن، فمبتغانا أن يتعلّم أطفالنا حب الأم والوفاء لها ورعايتها طوال حياتها، وبغض النظر عن احتفال العالم باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس كل عام، فالمرأة المسلمة والعربية ليست في حاجة إلى مجرد يوم واحد لنحتفي بها، فهي تستحق التكريم كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم، فكل لحظة تفوتنا بدون تبجيل أمهاتنا تختصم من حياتنا ودعوات الأم لنا، فيكفي أن دعوة الأم لأولادها لا يردها الرحمن.
وكما بدأت اختم، إلى أغلى هدية من المولى عز وجل، إلى من أوصت بها جميع الأديان السماوية، إلى أصل البر والمودة والرحمة، إليك باقة ورد يا أمي وكل أم في الوجود عرفانا وتقديرا لكُنَّ جميعا.

كاتب ومحلل سياسي بحريني