حكم إنساني!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/مارس/٢٠١٨ ٠٣:٥٠ ص
حكم إنساني!

علي بن راشد المطاعني

أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما تاريخيا ألزمت بموجبه الجهات المختصة بإتاحة خلوة للسجناء ‏بزوجاتهم أثناء فترة سجنهم، في سابقة حكم تعد الأولى من نوعها في التاريخ القضائي العُُماني، ولتؤكد على العديد من المنطلقات الإنسانية والحقوقية التي تتجسد في هذا الوطن منطلقة من النظام الأساسي للدولة، ولتعكس متانة المنظومة القضائية العُمانية ودورها في إحقاق الحق وفي تأصيل قيم العدل والعدالة في هذه الأرض الطيبة وفي هذا العهد الزاهر عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي أرسى عمد وأركان الهيئات القضائية ومنها الإدارية لكي يحتكم المواطن لها على أي قرار أو ممارسة يراها مجحفة من أي جهة كانت في خطوة نوعية تؤمن على أسس دولة المؤسسات والقانون وتكفل حقوق التقاضي للجميع بدون استثناء.

إن الحكم المضيء الذي يرصع إنجازات محكمة القضاء الإداري في مسيرتها الرامية لترسيخ أركان القضاء الإداري في البلاد هو التأكيد على حقوق الإنسان بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها، فهو سيظل إنسانا له كرامته وحقوقه الإنسانية التي كفلها القانون وقد ألزم القرار التاريخي مصلحة السجون بتوفير المنشآت اللازمة لتنفيذ الحكم الذي سوف يسهم في معالجة الكثير من الآثار السالبة التي تترتب على ابتعاد الزوج عن زوجته والعكس لفترة طويلة لما له من أبعاد وآثار اجتماعية وأسرية وخيمة وفادحة العواقب.
كما أن الحكم سيسهم في تعزيز معنى المودة والرحمة المشار إليه في القرآن الكريم باعتباره الرباط المقدس الذي يؤطر الحياة الزوجية، وأيضا سيدفع السجين للتفكير مليا فيما اقترفته يداه وأدى به إلى الوضع الذي وجد نفسه فيه، وقد يلهمه ذلك لمراجعة كل خطواته السابقة، وقد يصل من تلقاء ذاته إلى الهدف والمبتغى والغاية وهو الابتعاد عن تلكم الطرق الوعرة المفضية حتما لغياهب السجون.
لعل مثل هذه الأحكام الإنسانية تعد من خطوات العودة لجادة الصواب، استعدادا للاندماج في المجتمع كرجل رشيد، وذلك هو الهدف الأسمى الذي يهمنا أن نصل إليه في نهاية المطاف، وباعتبار أن السجون هي أمكنة للإصلاح والتقويم ومحطة لمراجعة النفس الأمارة بالسوء، وإتاحة المجال للخلوة الشرعية إحدى خطوات الإصلاح المنشود للنزلاء.
ما من شك أن الحكم سيجد الترحاب والاستحسان من قبل نزلاء السجون، وسيقدرون عاليا هذه الخطوة الإيجابية من قبل محكمة القضاء الإداري، وفي المقابل فإن الخطوة ستغدو ملهمة لهم في تحقيق الغاية التي أشرنا إليها وهي أن يعودوا كما يرغب المجتمع أن يراهم أسوياء وأتقياء ومنتجين وصالحين.
ومحكمة القضاء الإداري ستبقى صرحا عُمانيا شامخا يشار إليه بالبنان أبدا كمنارة شامخة من منارات العدالة، وفي إحقاق الحق وفي إعادة أي حق سليب لأصحابه.
نأمل أن تكلل جهود هذا الصرح القضائي بالتوفيق والسداد في كل أحكامه وقراراته التي تصب في صالح المجتمع وفي صالح الوطن العزيز من ناحية عامة.