التوعية الاجتماعية عبر الفن

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٣٩ ص
التوعية الاجتماعية عبر الفن

مات سميث

يحث الفنان الجزائري صادق رحيم للاستفادة من الفن لحث الراغبين في الهجرة غير الشرعية على عدم المخاطرة بحياتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط.

وصادق رحيم، هو الفنان الجزائري المعاصر الذي كرَّس حياته لمعالجة الانقسامات المجتمعية، وحثْ الشباب العربي والإفريقي على عدم المخاطرة بحياتهم للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من خلال القوارب.

عرض رحيم أعماله في أربع قارات، كما يعمل الآن على التجهيز لمعرض جديد في سراييفو للتنديد بحروب يوغوسلافيا في فترة التسعينيات من القرن الفائت، ومع ذلك، هناك عدد كبير من الشباب ممن على استعداد للتخلي عن كل شيء في مقابل الهجرة إلى أوروبا، الأمر الذي يشغل تفكيره طوال الوقت.
يقول رحيم -46 عاما: «البحر الأبيض المتوسط هو ذلك الوحش القاتل، فعلى مدار العديد من السنوات، قضيت الكثير من الأوقات في السفر متنقلا بين ساحل الجزائر لزيارة القرى، والحديث مع الشباب، والتقاط الصور الفوتوغرافية معهم».
ويضيف: «أحاول إقناع أولئك الشباب للتخلي عن فكرة الهجرة غير الشرعية بالقوارب، ولكنهم فقط يرغبون في القيام بذلك، والوصول إلى أوروبا ليعيشوا حياةً أفضل، فالفكرة تسيطر عليهم تماما، فمنذ كانوا أطفالا، اعتادوا مشاهدة التلفاز الفرنسي الذي يروّج طوال الوقت لهذه الحياة الفارهة، مما يجعلهم يرغبون في الهجرة لتحقيق ذلك الحلم الفرنسي».
في العام 2018 فقط، لقى 400 من الأشخاص حتفهم، أو فُقدوا أثناء عبور البحر الأبيض المتوسط من أفريقيا وآسيا، وفقا لتقارير الأمم المتحدة، بينما تمكّن 10.109 أشخاص من الوصول إلى سواحل أوروبا عبر القوارب حتى 27 فبراير الفائت.
واحدٌ من بين كل 20 مهاجرا ممن يحاولون الهجرة يأتي من الجزائر، الأمر الذي يجعل الجزائر تأتي في المركز الثامن بين الدول التي يخاطر سكانها بالهجرة غير الشرعية، وكذلك، تأتي كلٌ من سوريا والمغرب في قائمة الدول العربية التي يحاول أفرادها الهجرة غير الشرعية منذ يناير 2017.
يقول رحيم: «معظم المناقشات حول الهجرة تهتم فقط بمنظور الجانب الأوروبي، فهم لا يرون غير ذلك العدد الكبير من المهاجرين، معتقدين أنهم آتون لشغل وظائفهم، بينما لا يأخذون بعين الاعتبار المنظور الإفريقي، لذلك قرَّرت البدء من الجزائر للتصدي لهذه المشكلة من مصدرها».
رحيم يحذو حذو عالم الاجتماع الجزائري الراحل عبد المالك صياد الذي يرى أن الدراسات حول الهجرة التي تتجاهل ظروف البلدان التي يأتي منها المهاجرون تستعرض فقط وجهة نظر منقوصة، وعرقية.
تضمّن معرض رحيم الذي استمر لثلاثة أشهر «No Crash! Boom! Bang!» مجموعة من التصميمات، بما في ذلك التصميم الأكبر في تاريخ الجزائر على هيئة قارب بطول ثمانية أمتار.
يقول رحيم، الحاصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من كلية سنترال سانت مارتينز للفنون، «وضعت قاربا حقيقيا رأسا على عقب، وصنعت الكثير من القوارب باستخدام الإسفنج، فكانت الفكرة الرئيسية هي غرق القوارب الإسفنجية عند وضعها في الماء، وكان الهدف من ذلك هو إظهار أنني مخالف في الرأي لأولئك الشباب الراغبين في الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بعبور البحر الأبيض المتوسط».
كان هناك تصميم آخر على هيئة قارب في ميناء الجزائر يُستخدم في نقل المهاجرين غير الشرعيين قام رحيم بطلائه حتى يمكن للزائرين التعبير عن أفكارهم باستخدام الطبشور.

كان من المثير للاهتمام معرفة ما يمكن أن يقوم به المشاركون، فعلى سبيل المثال، جاءت إحدى الأمهات برفقة ابنها الذي يبلغ من العمر ربما 21 أو 22 عاما، فكتب ابنها الشاب حول رغبته في الهجرة من الجزائر، فنظرت إليه وابتسمت، ثم قامت بحذف تلك الجملة، وكانت هذه هي طريقتها في التعبير عن رفضها لتلك الفكرة».

البُساط السحري

انتقل رحيم الآن لمناقشة مجازٍ آخر، وهو أسطورة البساط السحري؛ لإقناع الراغبين في الهجرة لإعادة النظر في الأمر.
يقول رحيم: «حاولت تحطيم ذلك البساط، وفي بعض الأحيان أقوم بحرقه، والفكرة هي إبطال سحر ذلك البساط، فتلك الخرافة جميلة ومعروفة، وهناك خرافة مماثلة حول جاذبية أوروبا، وإمكانية الهجرة إلى هناك عبر القوارب، ولكن هذا محض خيال».
في فعاليات آرت دبي لعام 2017، عرض رحيم عمله (جرافيتي Gravity) حيث استخدم كُتلا خرسانية على شكل البيت الأبيض لمنع البساط من الطيران.
معرض رحيم، أهمية الطيور المهاجرة The Importance of Migratory Birds، تضمّن 2.200 من صور الشباب الراغبين في الهجرة، إلى جانب 400 من الطوابع البريدية.
يقول رحيم: «أعمالي جميعها تهتم بالوعي الاجتماعي وتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية مثل الهجرة غير الشرعية، والهوية، كما تُلقي أعمالي، التي هي مزيج من التصوير والفن التركيبي، إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيا، والتصميمات نظرة قريبة على أحوال البشر التي عادةً تتأثر بالعاطفة، وتطمس الخطوط الفاصلة بين الذات والجمهور».
يقول رحيم: «عدت إلى هناك والتقطت بعض الصور الفوتوغرافية، وكان المشروع بأكمله عبارة عن تركيبات مكوّنة من الصور الفوتوغرافية المطبوعة، والصندوق المضيء، والرسومات، وملصق كبير».
يقول رحيم: «أردت القيام بشيء ما للتنديد بمعاناة الشعب الجزائري، وكذلك معاناة الشعب الأرجنتيني من خلال Continuum، فالتقطت صورا لأحد جدران ذلك المعسكر، ذلك الجدار الذي كان مرسوما عليه شجرة يقف عليها اثنان من الببغاوات، ثم صنعت منها لافتة كبيرة، فكنت أرغب في نقل هذه الصورة من ذلك الجدار بالجزائر إلى الأرجنتين، لتعبّر عن وجه آخر للجدار الأرجنتيني، لمواساة الشعب الأرجنتيني، وكي نقول لهم: «نعرف، ونشعر بمأساتكم».

الفن الجزائري

حصل رحيم على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة بيروت، قبل السفر للدراسة في لندن، وطوال تلك الفترة، لم ينسْ قط حبه لوطنه، لذلك عاد مرة ثانية إلى مسقط رأسه في مدينة وهران على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالجزائر في العام 2003، ليعمل في متجر نِجادة السيارات المملوك لعائلته لمدة 4 سنوات قبل استئناف مسيرته الفنية في العام 2007.
بمجرد عودته إلى وهران، انضم إلى إحدى الجمعيات المحلية لمساعدة شباب الفنانين في عرض أعمالهم هناك، ثم أصبح رحيم بعدها أمينا لأحد المعارض الدولية التي أقيمت في وهران لعدة سنوات، ذلك المعرض الذي كان يضم بعضا من أفضل الفنانين الناشئين من أوروبا وآسيا وإفريقيا.
أصبح رحيم أحد مؤسسي معرض الفن المعاصر لدول البحر الأبيض المتوسط الذي يُقام كل عامين في مدينة وهران، فالمعرض، في عامه الأول 2011، شارك به فنانون من 13 دولة، وكان ذلك هو المعرض الجزائري الأول من نوعه الذي يشمل عروض الفيديو والفن التركيبي، إلى جانب التصوير الفوتوغرافي، والتصوير بالزيت، والرسومات، والعروض المعاصرة، وكان ذلك المعرض هو الثالث من نوعه في أفريقيا، بعد المعارض التي أقيمت في داكار بالسنغال، ومراكش بالمغرب.
يقول رحيم: «عملت لعام كامل مع أولئك الفنانين الجزائريين لحثّهم على تقديم عروض معاصرة، وكان الأمر صعبا للغاية في البداية؛ لأنه لم تكن فنون التصوير بالزيت، والرسومات، والنحت رائجة، لذا قمنا بدعوة الفنانين والمبدعين من الولايات المتحدة، والمغرب، وسوريا، وإنجلترا للحديث حول تجاربهم في أوطانهم. كان من الصعب للغاية تحقيق ذلك الإنجاز في الفن المعاصر بالجزائر، لذلك كان علينا أن نجعل أولئك الفنانين الشباب يؤمنون بقدراتهم».
في العام 2017، أقيم المعرض للمرة الرابعة في متحف الفن المعاصر في مدينة وهران، وكان من بين المشاركين بالمعرض الفنانون الفرنسيون من أصل جزائري: زينب سديرة، وباتريك أطليس، ومايا إيناس توام، والفنان الجزائري سفيان زوقار، والفنانة والكاتبة الأمريكية من أصل إيرلندي آن موراي.

كاتب وصحفي