تبرّع بالدم... تبرّع بالحياة!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٤٠ ص
تبرّع بالدم... تبرّع بالحياة!

أليشا بولر

سنتعرّف هنا على مأساة شخصية يورغي تيروز التي دفعته إلى تغيير ثقافة التبرّع بالدم في لبنان.

يواجه لبنان أزمة مستمرة في توفر الدم، حيث يعتمد نظام التبرّع بالدم في البلد على «تعويض» وحدات الدم المطلوبة من خلال تبرّعات الأصدقاء والأقارب، وهذا وضع غير مأمون النتائج ويتسبّب في بعض الأحيان بوقوع وفيات. وكثيرا ما ينشر الأفراد طلبات للتبرّع بالدم في مستشفيات بيروت على موقع تويتر باحثين عمّن يساعدهم من خارج دائرة عائلاتهم.

ويقول يورغي تيروز، مؤسس الجمعية الوطنية للتبرّع بالدم «العطاء بلا مقابل (DSC) Donner Sang Compter» معلِّقا: «ترى المريض في كثير من الأحيان يتصل وهو في حالة هيستيرية بكل من يعرفه للحصول على تبرّع تعويضي بالدم عقب إجراء عملية جراحية. وقد يشكّل ذلك أحيانا الحد الفارق بين الحياة والموت، وهو أمر لا ينبغي لمريض بالمستشفى أن يقلق بشأنه أبدا».
يورغي تيروز مواطن لبناني يبلغ من العمر 32 عاما. يقول تيروز عن أسباب إنشائه الجمعية: «لا نملك بنكا مركزيا للدم، فلكل مستشفى مخزونه الخاص ويعتمد النظام على تعويض الوحدات المستهلكة، أي إن كان أحد معارفك يحتاج إلى الدم أو بصدد إجراء عملية جراحية، فمسؤولية توفير الدم تقع عليك أنت وليس على الحكومة“.
أنشأ تيروز جمعية «العطاء بلا مقابل» في منزله العام 2009 لمواجهة مشكلة نقص وحدات الدم في البلد. وتضم منظمته غير الحكومية اليوم فريق عمل كبيرا وتجتذب حوالي 20.000 متبرّع على المستوى الوطني. وبحسب تيروز، فقد ساعدت الجمعية في إنقاذ حياة ما يصل إلى 80.000 شخص.
وعن السبب الذي دفعه إلى إنشاء الجمعية، يكشف تيروز عن أن التزامه بتوفير هذه الخدمة نتج عن تجربة شخصية جدا. فيقول: «تعرّضت لحادث سيارة العام 2006. كنت أحاول تفادي شخص ما أثناء قيادتي لكن الطريق كانت سيئة، فطارت سيارتي إلى الجانب آخر من الطريق وقتلت الرجل الذي كان يقود سيارته على الجانب الآخر من غير قصد، فدخلت السجن لبعض الوقت نتيجة لذلك. لكن نجح شخصٌ في إخراجي من السجن، وكان جدّ السائق الذي قضى نحبه في الحادثة. وفي يوم من الأيام، احتاج هذا الرجل إلى الدم عقب إجراء جراحة قلب مفتوح، فتبرّعت له بالدم وشجّعت جميع أصدقائي على التبرّع بالدم له أيضا، وقد كُتبت له النجاة بعد العملية».
ويضيف تيروز: «سيقول البعض: «لقد قتلت شخصا!». ولكنني أنظر إلى هذه الحادثة من منظور مختلف: لقد أنقذ جدّ السائق المتوفى حياتي. فلو لم يهب لمساعدتي، لكانت سيارتي وقعت من أعلى الجسر. وها أنا ذا ما زلت على قيد الحياة، وعليّ أن أردّ الجميل».
ويقول مؤسس الجمعية إنه زادت نسبة التبرّعات «الطوعية» بالدم في مقابل التبرّعات «التعويضية» من 4 % إلى 11 % في السنوات الأربع الأخيرة. وتشكّل الوحدات التعويضية التي يتم التبرّع بها نسبة الـ89 % المتبقية من إجمالي الوحدات، وتكون 2 % من التبرّعات مدفوعة الأجر!
ويعقّب تيروز قائلا: «يطلب منا 30 مستشفى يحتاج إلى وحدات ضخمة من الدم تنظيم حملات التبرّع بالحافلات. وتتولى المستشفيات نفسها عمليات الاختبار وجمع الوحدات. أما من جهتي، أهتم بالتسويق والتوظيف وتنسيق المتطوّعين ووضع جدول الحملة الزمني في مختلف المواقع باستخدام إحدى الحافلتين المخصصتين لذلك».
وما يثير الإعجاب هو أنّ جمعية «العطاء بلا مقابل» مموّلة ذاتيا بالكامل حتى الآن. وفي العام 2009، حازت الجمعية على منحة بقيمة 50.000 دولار من جائزة الملك عبدالله الثاني للإنجاز والإبداع الشبابي في الأردن. ويعلّق تيروز قائلا: ”بفضل هذه المنحة، استطعت تسجيل علامة تجارية وإنشاء مكتب والاستعانة بموظفين لتطوير جهود الجمعية».
وقد استثمر تيروز 5.000 دولار من مبلغ هذه المنحة لتصنيع سوار خاص بالجمعية أطلق عليه سوار «أخ بالدم» (Blood Brother). ويقول عنه: «يحمل السوار فئة دم الشخص الذي يرتديه. وكنت أبيعه في المكتبات الكبرى مقابل سعر رمزي يبلغ 3 دولارات.
فأحب الناس فكرة السوار وما زلنا نبيع أعدادا كبيرة منه، وهكذا أستطيع الحصول على بعض الأموال! في الواقع إن المبيعات لا تغطي جميع التكاليف التشغيلية لكنها تنجح في إدخال 20.000 - 30.000 دولار إلى الجمعية سنويا».
لا يكتفي تيروز بمشاغله المتعددة، إذ ينوي الترشح في الانتخابات اللبنانية المزمع إجراؤها هذه السنة.
يحمل حزبه اسم «بيروت مدينتي» ويقدّم نفسه على أنه حركة شعبية، علما بأن الحزب حاز على 40 % من الأصوات خلال الانتخابات الفائتة بالبلد.
ويعلّق تيروز: «فرص نجاحنا أكبر هذا العام مع إقرار القوانين الانتخابية الجديدة. لقد حاولت تغيير الوضع الحالي من الخــارج، لكن حان الوقت لإحداث تغيير فعلي من الداخل».

متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا