ليت الابتكار سلعة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/مارس/٢٠١٨ ٠٣:٥٣ ص
ليت الابتكار سلعة

سمعان كرم

ترد كلمة الابتكار والمعرفة في كثير من المحافل والورش والحلقات المعنية بالاقتصاد وتنويعه، خصوصاً في التوصيات التي يخرج بها المشاركون والخبراء الذين يرشدونهم، فيشعر القارئ أو المستمع أن الوصول إلى اقتصاد المعرفة أمرٌ سهلٌ وبسيط، يتم عن قرار من المشرع فينفذ منذ صدوره.

ليت الابتكار سلعة تعرض في واجهات المحلات التجارية لكنّا اشترينا منها حاجتنا مهما غلا سعرها، ووزعناها على المدارس والجامعات والمختبرات ومجالس الأبحاث والصناعات التحويلية والدوائر الحكومية.

ماهو الابتكار إذن؟ وكيف نناله؟
لو ألقينا نظرة شمولية على تعاطي الإنسان مع الأرض، منذ بدء وجوده عليها، نرى أن كل ما نستعمله اليوم من منتجات وآليات يبدأ من مواد خام أخذناها من الطبيعة وأدخلنا عليها تحويلات وإضافات في عملية تصنيع بسيطة أو معقدة للوصول بها إلى الشكل النهائي الذي نريد. كأن نأخذ شجرة من الغابة ونعالج خشبها ونهذبه ونقطّعه ثم نجمعه ونصبغه ليصبح طاولة نجلس حولها.
هكذا، وبسلسلة من العمليات المرتبطة بعضها بعضاً، نصل إلى صناعة الغرض المنشود، وأي تبديلٍ في أية حلقة من حلقات الإنتاج نحو الأحسن أو الأسهل أو الأقل كلفة يكون بمثابة ابتكار.
باللغات الأجنبية كلمة ابتكار تعني إدخال شيء جديد، فهذا يصنع حقيبة للسفر، والثاني يدخل عليها قفلاً، والثالث يسهل جرها وراء صاحبها، والرابع يضيف حزاماً داخلها لتثبيت الثياب. هذه التغيرات في الإنتاج نحو ميزة إضافية هي ابتكارٌ قد يؤدي إلى فرصة جديدة للاستثمار والمنافسة والازدهار.
لكن للوصول إلى الابتكار والتطوير هناك متطلبات ومراحل متعددة، فنستثمر مالنا في التعليم والبحث العلمي للوصول إلى المعرفة، التي تقودنا إلى الابتكار والتطوير، فيعود إلينا مالنا مضاعفاً، هذه هي الدورة الاقتصادية للاقتصاد المبني على المعرفة.
قد لا يكفي التعليم وحده للوصول إلى الابتكار، بل يتطلب أيضاً حرية الخيال والتعبير عنه إما بالكلمات أو بالموسيقى أو بالرسم أو بكتابة الروايات الخيالية. كم من ابتكار حديث جاء نتيجة لقصص من الخيال أو أفلام سينمائية ترسم عالماً افتراضياً ألهم الكثير من الباحثين والمبتكرين. نقف لحظة هنا لنراجع ما إذا كنّا فعلاً نشجع أولادنا على التخيل والتساؤل والتحليل، أم أننا نسجنهم في قفص الواقعية والموروث العلمي. هل أعطيناهم الفرصة ليكتشفوا الأشياء وأسرارها بحواسهم وتجاربهم الشخصية فيجدون بأنفسهم الأجوبة ويدركون قوانين هذا الكون؟ هل أعطيناهم الوسائل الحديثة للوصول إلى المعلومة بواسطة الشبكات الرقمية فيطلعون على ما توصلت إليه البشرية من معرفة؟
تدل التقارير على أن 6 % فقط من المدرسين والمدرسات عندنا اكتسبوا مهارات رقمية من خلال برامج تدربوا عليها، فهل ساعدناهم على الخروج من التعليم والمذاكرة إلى التعلم الذاتي المستمر مدى الحياة. وحيث إن الرياضيات واللغات تعدّ العدة الرئيسية لخوض معترك المعرفة، هل أعطيناهم تلك العدة؟
تبدأ المعرفة في البيت، وعلى مقاعد المدرسة، وفي أروقة الجامعات، وتتابع تطويرها واستثمارها في البحث العلمي، الذي هو أيضاً له متطلباته، ويكون أولها القرار، وتوفير المال الذي يأتي من القطاع الحكومي والقطاع الخاص، فيدخل الاثنان في شراكة حقيقية لتطوير المعرفة. ويتطلب البحث العلمي أساتذةً مخضرمين في هذا المجال كي يديروا ويشرفوا ويرشدوا الطلبة فيعلمونهم الدقة، والشمولية والاختبار والاستنتاج. ثم يأتي اختيار مواضيع البحث وهذا أمرٌ أساسيٌ إذا ما أردنا الوصول إلى الاقتصاد المعرفي. متطلبات السوق هي التي توجه الخيارات وتدفع بالابتكار إلى الإمام، وتكون تلك الخيارات منسجمة مع الرؤية العامة للاقتصاد. نبحث في النفط والغاز لنعزز طرق استكشافه وإنتاجه ونقله وتخزينه. نبحث في طرق استعمال المياه المصاحبة لعملية استخراج النفط وذلك لأغراض مفيدة. نبحث في الكيمياء والبتروكيماويات والأسماك والمعادن والصناعات والخدمات. ومع الاعتراف بأهمية النخيل والأفلاج والعسل نبحث في الطاقة البديلة وتحلية المياه وعالم الأحياء والصحة. نفتح أبواب الجامعات إلى القطاع الخاص فيخبرنا بما يحتاج إليه، ونعرض عليه ما اكتشفنا للاستفادة من الفكرة المبتكرة. نكتب الأوراق البحثية وننشرها فنشارك في توسيع مساحة المعرفة ويرتفع موقعنا بين الدول.
قبل أن نطالب بالابتكار والانتقال إلى اقتصاد المعرفة علينا أن نعي أنه ليس بالإمكان شراؤهما بل هما غاية نصل إليها من خلال ثقافة عامة تبدأ في البيت والمدرسة، وصولاً إلى المختبرات ومراكز الأبحاث.