الإنفاق أو الإخفاق.. وموازنات 2018

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/مارس/٢٠١٨ ٠٣:٥٤ ص
الإنفاق أو الإخفاق.. وموازنات 2018

محمد محمود عثمان

mohmeedosman@yahoo.com

المخاوف تزداد مع التذبذب في أسعار النفط التي يمكن أن تؤثر بقوة على التنمية والاقتصاد وعلى سوق العمل، إذ من المتوقع ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل في السنوات الخمس المقبلة، وفق تقارير منظمة العمل الدولية، بأنه بحلول 2019، سيتجاوز عدد الباحثين عن عمل 212 مليون شخص في العالم، بالإضافة إلى 61 مليونا قد فقدوا وظائفهم منذ الأزمة العالمية حتى الآن، مع توقعات بالزيادة، بما يمثل ضغوطا شديدة على الحكومات، ومنها الدول العربية، لذلك هناك خيارات بين بدائل صعبة بين السحب من الاحتياطيات أو الاقتراض والاستمرار في الإنفاق أو التقشف خوفا من الإخفاق، خاصة مع وجود أرقام عربية مخيفة أظهرتها القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي، وحضرتها أكثر من 4,000 شخصية إقليمية وعالمية من 138 دولة، مثل وجود 57 مليون عربي يعانون من الأمية و13.5 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدرسة هذا العام، و30 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، و8 % زيادة في معدلات الفقر في آخر عامين، وتريليون دولار كلفة الفساد في المنطقة العربية، التي شهدت عجز الميزانيات في السنوات القليلة الفائتة، كنتيجة منطقية لتداعيات التراجع الشديد في أسعار النفط التي ألقت بظلالها على الموازنات المالية منذ العام 2015، مما فرض على الدول المنتجة ومنها دول الخليج نمطا جديدا من التفكير حول الاستمرار في معدلات الإنفاق وفق ميزانيات العام 2014، أو إعلان التقشف والحد من الإنفاق والترشيد، وهما من الخيارات الصعبة أمام متخذ القرار، خاصة أن بعض المجتمعات تعودت على نمط استهلاكي وترفيهي متميز، ثم سيكون من الصعوبة القبول بالتراجع عنه بسهولة، حتى في ظل تردي أسعار النفط، وهذا التحدي يصنع معادلة صعبة تتمثل في تطبيق سيناريوهات متعددة، من حيث المحافظة على مستوى الإنفاق السائد وتقديم الخدمات كاملة وعدم توقف أو تأجيل الاستثمارات الجديدة أو المشاريع القائمة، وكبح جماح التضخم والتصدي لارتفاع الأسعار، ثم الحرص على عدم تحميل المواطن أعباء إضافية، في مواجهة خفض الإنفاق أوالسحب من الاحتياطيات المالية الضخمة التي تكونت على مدى سنوات، أو التوسع في الاقتراض من الداخل والخارج، أو زيادة الرسوم والضرائب، أو كل هذه السيناريوهات مجتمعة، وإذا كانت أسعار النفط المنخفضة تؤثر بشكل مباشر على الموارد المالية لمصدري النفط العرب، فيما يواجه مستوردو النفط الديون المرتفعة والبطالة والنزاعات والإرهاب وتدفق اللاجئين، ما يحتم على الحكومات أن تكون أكثر ديناميكية في التعامل مع متغيرات المستقبل السريعة، والسعي الجاد لخلق شراكات دولية جديدة، وأنظمة عمل مبتكرة تمكن الحكومات من مواجهة الضغوط المختلفة، وحضت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد الدول العربية على خفض رواتب القطاع العام والدعم الحكومي من أجل ضبط الإنفاق، وتحقيق نموا قابلا للاستمرار وخلق وظائف جديدة واتخاذ المزيد من الخطوات للتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية قبل أن تتفاقم، واعتبرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أن الإنفاق العربي لا يزال مرتفعًا جدًا وخصوصًا في دول النفط، إذ الإنفاق الحكومي يتعدى 55 % من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات العربية لاحتواء الإنفاق غير كافية، لأن نتائجها مؤقتة وغير دائمة، لأن هناك صعوبة في توقع المسارات التي يمكن أن تسلكها أسعار النفط خلال العام، نتيجة تداخل مجموعة العوامل الجيوسياسية وحالة التوتر المتزايد التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي لا يمكن أن تنضبط معها أسعار النفط وتستقر عند نقطة التوازن، أو إلى مستوى قريب منها في المدى القريب، الأمر الذي أدى إلى زيادة العجز في موازنات 2018، رغم أن الموازنات المعلنة شهدت مزيدا من الضرائب والجمارك والرسوم بأنواعها، وتقليص الدعم المقدم للوقود والمياه والكهرباء، ورفع أسعار معظم السلع والخدمات، إلا أن الإنفاق محدود على المشاريع التنموية، التي تنشط القطاع الخاص وتفتح فرص العمل الجديدة، في ظل التراجع الواضح في نصيب الاستثمار في المشاريع الخدمية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وهذا يدعونا إلى الحذر من الوقوع في فخ الإخفاق في تحقيق الأهداف التنموية التي ينتظرها المجتمع، إذا استمر تقلص مخصصات الإنفاق خاصة التي تضخ لتمويل المشروعات الجديدة، التي يشارك فيها القطاع لخاص.