خفايا تعريفة ترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/مارس/٢٠١٨ ٠٢:٢٤ ص
خفايا تعريفة ترامب

مارتن فيلدشتاين

مثلي كمثل كل أهل الاقتصاد تقريبا وأغلب المحللين السياسيين، أفضّل فرض تعريفات تجارية منخفضة أو عدم فرض أي تعريفات على الإطلاق. كيف يمكن إذن تبرير القرار الذي اتخذه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بفرض تعريفات كبيرة على الصلب والألمنيوم؟

لا شك أن ترامب يرى مكاسب سياسية محتملة في المناطق المنتجة للصلب والألمنيوم وفي زيادة الضغط على كندا والمكسيك بينما تُعيد إدارته التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. وقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط انتقامية ضد الصادرات الأمريكية، ولكن في النهاية ربما يتفاوض الاتحاد الأوروبي -ويوافق على خفض التعريفات الحالية المفروضة على المنتجات الأمريكية التي تتجاوز التعريفات الأمريكية المفروضة على المنتجات الأوروبية.

لكن الهدف الحقيقي من تعريفات الصلب والألمنيوم هو الصين. فقد وعدت الحكومة الصينية لسنوات بخفض القدرة الإنتاجية الزائدة من الصلب، وبالتالي خفض الإنتاج الفائض الذي تبيعه للولايات المتحدة بأسعار مدعومة. وقد أجّل صنّاع السياسات في الصين القيام بذلك نتيجة لضغوط داخلية لحماية الوظائف في صناعات الصلب والألمنيوم في الصين. وستعمل التعريفات الأمريكية على موازنة هذه الضغوط الداخلية وزيادة احتمالات تعجيل الصين بخفض القدرة الفائضة المدعومة.
ولأن التعريفات تُفرَض بموجب بند في قانون التجارة في الولايات المتحدة والذي ينطبق على الأمن القومي، وليس الإغراق أو زيادة الواردات، فسوف يكون من الممكن إعفاء الواردات من الحلفاء العسكريين في منظمة حلف شمال الأطلسي، فضلا عن اليابان وكوريا الجنوبية، مع تركيز التعريفات على الصين وتجنّب خطر اندلاع حرب تجارية.
من منظور الولايات المتحدة، تتعلق القضية التجارية الأكثر أهمية بعمليات نقل التكنولوجيا، وليس الصادرات الصينية من إنتاج الصلب والألمنيوم المدعوم. ورغم أن إعانات الدعم من هذا القبيل تُلحق الضرر بمنتجي الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة، فإن الأسعار المنخفضة الناتجة عن ذلك تساعد أيضا الشركات الأمريكية التي تستخدم الصلب والألمنيوم، فضلا عن المستهلكين الأمريكيين الذين يشترون هذه المنتجات. لكن الصين تضر على نحو لا لبس فيه بالمصالح الأمريكية عندما تسرق التكنولوجيا التي تطوّرها شركات أمريكية.
قبل بضع سنوات، كانت الحكومة الصينية تستخدم المهارات السيبرانية المتطوّرة التي يتمتع بها جيش التحرير الشعبي في اختراق الشركات الأمريكية وسرقة التكنولوجيا. وكان المسؤولون الصينيون ينكرون ارتكاب أي مخالفات من هذا القبيل إلى أن التقى الرئيس باراك أوباما والرئيس شي جين بينج في كاليفورنيا في يونيو 2013. فقد أطلع أوباما نظيره الصيني على دليل مفصّل حصلت عليه الولايات المتحدة من خلال تجسسها السيبراني. ووافق شي جين بينج آنذاك على امتناع الحكومة الصينية بعد ذلك عن استخدام أي هيئة حكومية أخرى لسرقة التكنولوجيا الأمريكية. تتخذ سرقات التكنولوجيا حاليا هيئة مختلفة. فالشركات الأمريكية التي ترغب في مزاولة أعمال تجارية في الصين يُطلَب منها في كثير من الأحيان نقل تكنولوجياتها إلى الشركات الصينية كشرط لدخول السوق. وتقوم هذه الشركات «طواعية» بنقل معارفها الإنتاجية لأنها ترغب في الوصول إلى سوق تتألف من 1.3 بليون نسمة واقتصاد لا يقل حجما عن اقتصاد الولايات المتحدة.تشكو هذه الشركات من أن شرط نقل التكنولوجيا هو شكل من أشكال الابتزاز. وهي فضلا عن ذلك تخشى أن تقوم الحكومة الصينية في كثير من الأحيان بتأخير وصولها إلى السوق لفترة طويلة بالقدر الكافي للسماح للشركات المحلية باستخدام التكنولوجيا المكتسبة حديثا للحصول على حصة في السوق.لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام العلاجات التقليدية للمنازعات التجارية أو إجراءات منظمة التجارة العالمية لوقف سلوكيات الصين. ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تهدد بسرقة التكنولوجيا الصينية أو مطالبة الشركات الصينية بنقلها إلى الشركات الأمريكية؛ لأن الصينيين لا يملكون ذلك النوع من التكنولوجيا المتقدّمة الرائدة التي تمتلكها الشركات الأمريكية.
ماذا يستطيع صنّاع السياسات في الولايات المتحدة أن يفعلوا إذن للمساعدة في ضمان تكافؤ الفرص؟
يُعيدنا هذا إلى التعريفات المقترحة على الصلب والألمنيوم. في اعتقادي أن المفاوضين الأمريكيين سيستخدمون التهديد بفرض التعريفات على المنتجين الصينيين كوسيلة لإقناع الحكومة الصينية بالتخلي عن سياسة نقل التكنولوجيا «الطوعية». وإذا حدث هذا، وصار بوسع الشركات الأمريكية أن تزاول الأعمال في الصين دون أن تضطر إلى دفع مثل هذا الثمن التنافسي الباهظ، فإن تهديد التعريفات يصبح بذلك أداة ناجحة للغاية في السياسة التجارية.

أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد