حرب على الفقراء

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/مارس/٢٠١٨ ٠٦:٢٠ ص
حرب على الفقراء

بيورن لومبورج

إن التعريفات الجمركية على الصلب والتي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جعلت إمكانية وقوع حرب تجارية أكثر احتمالية؛ فالاتحاد الأوروبي يحذّر من أنه توجد في متناول يديه «ترسانة كاملة يمكن استخدامها في الرد» بينما تهدد الصين «برد عادل وضروري».

إن الاقتصاديين والسياسيين والشخصيات العامة قد عبّروا جميعا عن مخاوفهم من خطر الحواجز التجارية التي يتم فرضها بشكل ثأري ولكن من الحكمة عدم الاستخفاف بالضرر الكبير الذي قد ينتج عن ذلك؛ فالحواجز الجديدة التي تحد من التجارة الحرة لا تأخذنا في الاتجاه الخاطئ فحسب بل إنها تقوّض كذلك أفضل فرصة من أجل إحداث نقلة نوعية في حياة بلايين من البشر الأكثر فقرا حول العالم وتحقيق فوائد بقيمة تريليونات الدولارات في كل عام.

إن من المنطق القول بأن هناك ثمنا لحرية التجارة فالكثير من المشاعر التي يعبّر عنها القادة السياسيون اليوم -والتي تتشابه إلى حد كبير مع الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات الضخمة المعادية للتجارة في التسعينيات- تعكس واقع أنّ كل صفقة تجارية تكلِّف بعض الناس وظائفهم وأنّ بعضا من هؤلاء لن يجدوا عملا آخر.
إن التأثيرات السلبية عادة ما تتركز في مناطق صناعية وجغرافية محدَّدة (مثل منطقة حزام الصدأ الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية) يكون التصنيع فيها أكثر كلفة وأقل فعالية مقارنة بدول أخرى علما أنه طبقا لإحدى الدراسات فإنه لو تم حساب تكاليف جميع تلك التأثيرات فإنها في واقع الأمر لا تشكّل أكثر من خمس المنافع الإجمالية من التجارة.
لكن وبينما يجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار فإن ذلك هو فقط جزء من المشهد العام؛ فأفضل مكان لمعرفة فوائد التجارة الحرة هو الأسواق والمحلات التجارية في العالم حيث يجد المستهلكون في نيروبي أو شنجهاي أو بطرسبرج أو لشبونة أو ملبورن مجموعة واسعة جدا من البضائع بأسعار أرخص لا يمكن لبلد واحد أن ينتجها بمفرده.
إن هذه الواردات الأرخص تخفف من الضغط التضخمي؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك تقديرات أنه مقابل كل 1% من حصة السوق التي يتم اكتسابها بسبب الواردات من منتجين قليلي التكلفة مثل الصين فإن الأسعار تنخفض بمقدار 2%.
إن الأسعار الأرخص تعني أن قيمة نقودنا تصبح أكبر فطبقا لتقرير لسنة 2015 للبيت الأبيض فإن بإمكان الأمريكيين من الطبقة الوسطى شراء 30% أكثر مقابل نقودهم مقارنة بوضعهم لو لم تكن هناك تجارة حرة علما أن هذا يعزز القوة الشرائية وخاصة لنسبة العشر الأكثر فقرا من المستهلكين الأمريكيين والذين بإمكانهم شراء ما نسبته 60% أكثر مما يمكنهم تحمّل نفقاته. إن الطبقة العاملة الأمريكية التي تم تقديم الوعود لها بالفوائد من الحواجز التجارية ستكون الأكثر تضررا من الحرب التجارية.
لكن فوائد التجارة الحرة هي أعم وأشمل بكثير من قدرتنا على شراء الأجهزة والأغذية الأرخص، فعالميا تعدّ التجارة الحرة هي أقوى أداة للتنمية على الإطلاق؛ فالتجارة الحرة عبر الحدود تقلل من التفاوت في الدخل، فعلى سبيل المثال وجد تقرير البيت الأبيض لسنة 2015 أن انخفاض الجمارك بنسبة عشر نقاط مئوية يؤدي إلى انخفاض بنسبة نقطة مئوية واحدة في الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء وأن تخفيض التعرفات الجمركية كذلك يخفّض من الفجوة في الأجور القائمة على أساس العِرق والهجرة.
بالإضافة إلى ذلك فإن تزايد الانفتاح على التجارة مرتبط بمعدلات أقل من وفيات الرضّع وزيادة متوسط العمر المتوقع وخاصة في الدول النامية ومع مرور الوقت فإن التجارة الحرة تمكّن العمّال من التحوّل إلى صناعات أكثر فعالية مما يؤدي إلى أجور أعلى وزيادة في الاستثمار في البنية الأساسية وفي اقتصاد أكثر دينامية. إن الأهم من ذلك كله هو أن التجارة الحرة تعكس النمو الاقتصادي والذي يعني انتشال المزيد من ملايين البشر من براثن الفقر.
البعض يخشى أن فوائد النمو الاقتصادي تصل إلى فئة قليلة من الاوليجاركيه ولكن رغم كل هذا الكلام عن انعدام المساواة والخوف من أن فوائد النمو لن تشمل الجميع فإن أبحاث البنك الدولي تظهر أنه عندما تنمو الاقتصادات فإن دخل الأسر الفقيرة يرتفع بما يتناسب مع النمو الإجمالي للدخل.
إن التاريخ الحديث يظهر فوائد فتح الاقتصادات للتجارة الحرة حيث إن من المدهش أنه في السنوات العشرين الفائتة انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف تقريبا، وكما أشار الاقتصادي في جامعة اكسفورد ماكس روسر فإن بإمكان الصحف نشر هذا الخبر ضمن عناوين الصحف الرئيسية فيها كل يوم خلال السنوات الخمس والعشرين الفائتة وهو «لقد انخفضت نسبة الناس الذين يعيشون في فقر مدقع بمعدل 137000 شخص منذ الأمس».
إن الموضوع ببساطة هو أن التجارة الحرة تحقق خيرا أكثر للكرة الأرضية مقارنة بأي سياسة أو برنامج أو مشروع منفصل في أي مكان. إن المأساة الحقيقية حسب الوقائع الحالية هو أن العالم يبتعد عن مستقبل أكثر حرية وازدهارا.
إن الأبحاث التي أطلقها مركز الأبحاث التابع لي «مركز توافق آراء كوبنهاجن» ترى أن إكمال جولة الدوحة لمحادثات التجارة الحرة العالمية -وهي احتمالية كانت ممكنة قبل بضعة سنوات وهي الآن أصبحت تبدو مستحيلة- ستخفض عدد الناس الذين يعيشون حياة فقيرة بمقدار 145 مليون إنسان خلال خمسة عشر عاما وتجعل العالم أغنى بمقدار 11 تريليون دولار. إن ثلاثة أخماس هذه الثروة ستذهب للدول النامية أي ما يوازي ألف دولار إضافي لكل شخص في كل عام بحلول سنة 2030 وحتى لو تآكل خمس تلك الفوائد بسبب تكلفة إعادة التوزيع فإنه ما تزال هناك فوائد بقيمة 9 تريليونات دولار للبشرية جمعاء.
وعليه يتوجب على الحكومات العمل بكل الوسائل الممكنة على إنفاق المزيد من أجل مساعدة الخاسرين من صفقات التجارة الحرة وذلك من خلال التدريب على العمل والرعاية الاجتماعية الانتقالية ولكن تجاهل 9 تريليونات دولار من الفوائد بسبب أضرار قيمتها 2 تريليون دولار لا معنى له على الإطلاق.
لقد لاحظ المؤرخ البريطاني توماس. ب. ماكاولي سنة 1824 أن «التجارة الحرة والتي تعتبر واحدة من أعظم المزايا التي يمكن أن تمنحها الحكومة لشعوبها لا تتمتع بالشعبية في كل البلدان تقريبا» ومنذ سنة 1820 انخفض الفقر العالمي من 94% من البشرية إلى أقل من 10% وهذا يعود إلى حد كبير للتجارة الحرة ولكن وحتى في يومنا هذا فإن لوم التجارة الحرة يتمتع بالشعبية لدرجة أن إدارة ترامب جاهزة للإضرار بواحدة من أفضل السياسات التنموية وهذا يجب أن يتوقف فالخسائر الصغيرة نسبيا بسبب التجارة والتي يمكن تعويضها يجب ألا يسمح لها بالتغلّب على الفوائد العظيمة التي تجلبها تلك التجارة.

مدير مركز توافق آراء كوبنهاجن وأستاذ زائر في كلية إدارة الأعمال في كوبنهاجن.