نهاية حرب اليمن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/مارس/٢٠١٨ ٠٦:٢١ ص
نهاية حرب اليمن

فريد أحمد حسن

بعيدا عن الأخبار المتضاربة التي انتشرت أخيرا عن مفاوضات سرية بين السعودية وتيار «أنصار الله» والتي اعتبرها البعض بشرة خير وبداية النهاية لحرب كلّفت المنطقة مئات البلايين من الدولارات وآلاف وربما عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين اليمنيين الذين صاروا تحت خط الجوع، بعيدا عن كل هذا لا بد من القول بأنه لا مفر من العمل على إيقاف هذه الحرب ووضع حد لهذا الذي يجري في المنطقة ويؤثر على مستقبل كل دولها وشعوبها. ورغم أن عملا كهذا يعتبر متأخرا إلا أن الوصول إليه أفضل من عدم الوصول إليه، فأنْ تصل متأخرا خير من ألا تصل. ولأنه من غير المنطقي وغير المعقول أن تستمر هذه الحرب إلى ما لا نهاية، ولأن شعوب المنطقة من دون استثناء تريد لهذه الحرب أن تنتهي، ولأنه لا يمكن للحرب أن تحل المشكلة في اليمن، لذا فإن انتشار تلك الأخبار وفّر جوا من التفاؤل وأنعش الآمال في قرب الإفلات منها والبدء في مرحلة إعادة إعمار اليمن الذي تضرّر كثيرا، وتعويض المتضررين. في حال كهذه التي صار فيها اليمن وصارت فيها المنطقة لم يعد مهما ما إذا كان التفاوض يتم بين ممثلي دولة بحجم المملكة العربية السعودية وممثلي تيار أو حزب هو «أنصار الله» أو غيره، حيث المهم في هذه المرحلة هو التوصل إلى هدنة تُفضي إلى فتح المطارات والموانئ وتوقف النزيف بأنواعه، خصوصا أنه لا يمكن عمليا تجاوز هذا التيار، على الأقل لأنه الند الأساس والرقم الذي لا يمكن التغاضي عن تأثيره في المعادلة، وهذا في كل الأحوال لا يقلل من شأن السعودية ولا يهز موقفها، فهي ترمي إلى إنهاء حالة الفوضى في اليمن والتي تؤثر على الاستقرار في المنطقة. ولأن المفاوضات سرية، لذا فإن أغلب، إن لم يكن كل، ما سيتم تداوله في هذه الفترة يدخل في باب الاجتهادات والتحليلات السياسية ولا يعبّر عن واقع تلك المفاوضات وحقيقتها وما يدور فيها، لذا من المهم الحذر وعدم أخذ تلك التحليلات على أنها الحقيقة والواقع، فالمفاوضات سرية ولا يمكن للمحللين السياسيين إلا الاستنتاج والاستفادة من بعض المعلومات التي يتم تسريبها بين الحين والحين لسبب أو لآخر ولتصب في مصلحة المفاوضات.

حسب المحللين السياسيين فإن من مؤشرات بدء التفاوض بين الطرفين السعودي وأنصار الله اليمني صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي يطالب التحالف العربي بقيادة السعودية رفع الحصار فورا عن جميع الموانئ اليمنية وفتح مطار صنعاء أمام المساعدات الإنسانية، ومن المؤشرات أن أحوال اليمنيين وصلت بسبب هذه الحرب إلى مرحلة محرجة لكل دول العالم وصار من الصعب السكوت عن كل ذلك، فمثل هذه الحال تؤثر أيضا على مصالح الدول الكبرى في المنطقة وتهدد وجودها، ذلك أن مصالحها تتحقق في ظل الاستقرار وليس في ظل حرب يتأكد يوما إثر يوم بأنها عبثية ولا يمكن أن تنتهي إلا بالمفاوضات وبالتدخل الدولي. ليس مهما نفي الحكومة الشرعية لليمن وجود مفاوضات بين السعودية وأنصار الله، وليس مهما حتى نفي الأطراف الأخرى لهذا الأمر، رغم أن خبرا كهذا لا يمكن أن تورده وكالة عالمية مثل «رويترز» من دون أن تتوفر لديها المصادر التي تثق فيها، المهم هو أن حديثا عن ضرورة التفاوض صار هو المتداول وأن قناعة بأن ما يجري في الميدان لا يمكن أن يُفضي إلى نهاية هي التي بدأت تسود، وهذا أمر طيب سيقود حتما إلى المرحلة التالية التي تتحقق فيها الهدنة المطلوبة ولينتقل بعدها الجميع إلى مرحلة الإعلان عن وقف الحرب نهائيا والدخول في المرحلة الجديدة التي أساسها الاستقرار. ما يدفع المحللين السياسيين إلى الاعتقاد بصحة الأنباء المتواترة عن وجود مفاوضات بين السعودية وأنصار الله هو أن الدخول فيها اليوم فيه مصلحة للطرفين، فأنصار الله يريدون من السعودية وقف الضربات الجوية، والسعودية تريد منهم التوقف عن إطلاق الصواريخ على أراضيها خصوصا بعدما تبيَّن أنهم عملوا على تطويرها وصارت تؤثر على موازين الحرب، والتوقف عن العمليات في المناطق الحدودية، وهذا يعني أن الطرفين صارا مؤهلين لتقديم التنازلات التي تسهّل الوصول إلى اتخاذ قرار عقد الهدنة التي يمكن أن توفّر للسياسيين المساحة المناسبة للتحرّك والوصول إلى تفاهمات لإيقاف الحرب نهائيا والاتفاق على ما دمّرته والانطلاق من جديد نحو الاستقرار.

الكارثة الإنسانية التي تسبَّبت فيها هذه الحرب العبثية مسؤولية كل الأطراف التي شاركت فيها بغض النظر عن أسباب مشاركتها، وكلها مسؤولة عن إيقافها وإيجاد الحلول التي تمنع اندلاعها من جديد وتؤسس لاستقرار المنطقة، والنظرة الواقعية تؤكد أن النهاية ستكون بتشكيل حكومة يمنية تضم كافة الأطراف وتوقف تدخل دول المنطقة في الشأن اليمني وتوفر في نفس الوقت ما دفع السعودية إلى قيادة التحالف العربي بغية إعادة الشرعية في اليمن. لا مفر من التسوية السياسية، ولا مفر من تقديم التنازلات الصعبة، ولا مفر من إيجاد نهاية لهذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس وانتهكت حرمة استقرار المنطقة.

كاتب بحريني