«خليج البحرين»..نهر الخير

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/أبريل/٢٠١٨ ٠٣:٥٧ ص
«خليج البحرين»..نهر الخير

أحمد المرشد

(«وأن الفضلَ بيدِ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ» (صدق الله العظيم)..لقد أنعم الله بكرمه وتوفيقه على مملكة البحرين وأبنائها منذ مئات السنين بالقدرة على التقدم والتميز في العطاء، ولقد كان لآبائنا وأجدادنا الدور الرائد في صياغة نهضة حضارية وإنسانية، حققت للبحرين الريادة والسبق في مجالات الطب والتعليم والصناعة وأن تكون مركزاً مهماً للمال والتجارة والخدمات الصحية)..من أرجع الفضل لصاحب الفضل هو حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى -حفظه الله ورعاه-، فقد حبانا المولى عز وجل بنعم جليلة جعلت البحرينيين يتميزون بالتقدم والتميز في العطاء، فكان لمملكة البحرين العظيمة الريادة في صناعة النهضة الحضارية والإنسانية، هذه النهضة التي حققت للبلاد التقدم في كافة المجالات التي ذكرها الملك حمد، في كلمته بمناسبة زف البشرى لأهل البحرين باكتشافات موارد حقل «خليج البحرين» التي تقدر بـ80 بليون برميل نفط و20 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

لقد أنعم الله بخيره الوفير في عهد الملك حمد الأول «وعهد الملك حمد الثاني أطال الله في عمره»، ففي عهد المغفور له عظمة الملك حمد بن عيسى بن علي الأول تم اكتشاف أول بئر للبترول في العام 1932 والذي نقل البحرين من عصر البحر والغوص واللؤلؤ إلى عهد بناء الصناعة والتنمية، وحرصت إدارة الدولة منذ ذلك الاكتشاف النفطي التاريخي، على تسخير موارده وتنمية مشتقاته بما يعود بالنفع على مسيرة الوطن ولرفاه المواطن البحريني..واليوم وفِي عهد حضرة صاحب الجلالة الملك الثاني حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة يأتي الاكتشاف الأكبر من النفط والغاز الطبيعي، لتمتد مسيرة الخير والنماء التي تميزت بتوظيف مواردنا الطبيعية لصالح التنمية والتطوير بمملكة البحرين.
ولعل من يقرأ كلمة جلالة الملك حمد -حفظه الله- وهو يزف البشرى للشعب بهذا الاكتشاف الضخم، أن يرصد جملة من الحقائق قلما تتوافر في قائد آخر، ومن أهمها الاعتراف بالتقصير في إدارة بعض موارد الدولة، وتحديداً قطاع النفط في البحرين، فقال ذكر الملك حمد: «بالنظر إلى ما مر به القطاع النفطي من نمو على مدى عقوده الأولى، إلا أن وبعد تغير في السياسات التي اتخذها المسؤولون عن القطاع آنذاك، أدت إلى ضعف الخطط الموجهة لاستكشاف المزيد من الموارد الطبيعية وكانت الحجة ندرة الفرص الواعدة».. إلا إنه وسرعان ما يضع يده على الاكتشاف ويعيد إلينا الأمل ويقول: «واليوم قد حان الوقت لتجنب ما تسبب في عدم اكتشاف أي حقل جديد منذ الاكتشاف الأول، حيث إن رغبتنا لزيادةِ وتيرة النمو كانت دوماً أكبر وأعمق من واقع الحال، واستطعنا، ولله الحمد من خلال عزمنا وإصرارنا بالتوجيه نحو تكثيف خطط البحث والتنقيب».
وإذا كانت كلمة الملك قد بدأت بالاعتراف بالتقصير في إدارة ملف قطاع النفط، فلم ينس جلالته أن يتحدث عن المواطن صاحب الدور المهم في نهضة البحرين، ليؤكد على الدور المحوري للمواطنين في الاستمرار في بناء وطنهم وتحقيق تقدمه ونهضته، وذلك عبر إخلاصهم وطموحهم. ثم يحفز الملك طاقة المواطنين لاستثمار هذه الموارد التي ستحقق لمملكة البحرين ومواطنيها الخير والازدهار.
ولكن ومع هذا الاكتشاف الأضخم في تاريخ البحرين، لا يجب أن ننسى ما حققناه من إنجازات طوال الفترة الفائتة من عهد الخير والنماء، حيث تم وبشكل موازٍ لتنمية الاقتصاد الوطني، استحداث وتدشين حزمة من أكبر المشاريع في قطاعات النفط والغاز والبنية الأساسية والمواصلات وتقنية المعلومات، ليصب ذلك في توفير الفرص الواعدة لجميع أبناء الوطن.
وليس أمامنا الآن سوى ربط هذا الاكتشاف بالتقرير الأخير لوكالة التصنيف الائتماني الأشهر العالمية «ستاندرد آند بورز» في أواخر العام المنصرم، حول مستوى التصنيف الائتماني لمملكة البحرين، عندما أشادت الوكالة بالأداء الإيجابي لاقتصاد المملكة الذي ارتفع خلال النصف الأول من العام 2017 بنسبة 3.4% مقارنة بنسبة 3.2% في العام 2016. فمدخلات إنتاج البحرين الجديد من النفط والغاز المعلن عنها حديثاً ستكون قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني، يزيد مما حققه القطاع غير النفطي من نمو ملحوظ في النصف الأول من العام 2017 بنسبة 4.7% مقارنة بنسبة 4.0% في العام 2016. ويأتي هذا النمو مع استمرار انخفاض أسعار النفط والعجز في الميزانية، ولكنه يعكس المبادرات التي اتخذتها الحكومة البحرينية، والممثلة في خفض المصروفات وزيادة الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى الإجراءات الأخرى المنظمة لتحسين البيئة القانونية، والأنظمة الخاصة بالنشاطات الاقتصادية المختلفة التي ساهمت في تحسين بيئة الأعمال المحلية وجاذبية البحرين للاستثمار. ودفعت كل هذه الإجراءات إلى ارتفاع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى ما يقارب 695 مليون دولار حتى شهر أكتوبر من العام 2017 مقارنة مع 280 مليون دولار خلال العام 2016.
ثم نأتي لنقطة جديرة بالملاحظة، وهي أنه بالرغم من تراجع مساهمة النفط في الاقتصاد الى 20%، إلا أن إيرادات النفط ما زالت تشكل المصدر الرئيسي في الميزانية العامة وهو الأمر الذي يوفر للاقتصاد دخل مستمر من العملات الأجنبية التي تساعد على تلبية الاحتياجات من الواردات السلعية وغير السلعية والتحويلات المالية المختلفة إلى الخارج. ولعل من المهم الإشارة أيضا إلى أن ما يميز مملكة البحرين هو وجود قطاع مالي متطور يخضع لبيئة تشريعية ورقابية تطبق أحدث المعايير الدولية. وبلغت قيمة الودائع لدى مصارف قطاع التجزئة 45.1 بليون دولار أمريكي في أكتوبر 2017 بارتفاع 4.5% مقارنة بنفس الفترة من العام 2016. كما تتمتع البنوك بقاعدة مالية ومستوى ربحية ممتازة، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال للقطاع المصرفي 19.8٪ في سبتمبر من العام 2017، بما يدل على مكانة القطاع المصرفي وتمتعه بسيولة عالية لتحقيق متطلبات كافة العملاء من أفراد وشركات.
نحمد العلي القدير نحن أهل هذه البلاد، على ما أنعم به علينا من خير النعم، وقيادة رشيدة تعمل ليل نهار على إسعادنا ورفاهيتنا، لنحقق كل هذه الإنجازات التنموية والعمرانية والحضارية الرائدة، فاستطاعت مملكة البحرين عبر التوظيف الأمثل لمواردها البشرية أن تتغلب على تحدياتها الاقتصادية الناجمة عن نقص الموارد الطبيعية وارتفاع الكثافة السكانية، إدراكا من قيادتنا بأن الإنسان هو أغلى الموارد والثروة الحقيقية للوطن.واستكمالا لما سبق، فإن ما تم الإعلان عنه من اكتشاف لأكبر حقل في تاريخ البحرين هو بشرى خير سيكون لها صدى إيجابي على تعزيز مكانة المملكة في العالم واستمرار مسيرة التنمية الشاملة لصالح جميع أبنائها، وستحكي عنه بكل فخر أجيالها المقبلة. وما علينا الآن سوى الحفاظ على روح العمل الجماعي المشترك وقبول التحدي والاستمرار في دعم النمو الاقتصادي المعروف بتنافسيته مقارنة بدول كثيرة.. ولكن - وهذا هو الأهم - ما أكده جلالة مليكنا المفدى حمد الثاني يحفظه الله بأن المواطن البحريني يتميز بحبه للعمل ويعتبره أمراً مقدساً حيث يبدأ بأداء مهامه في الصباح ويبدي استعداده لمواصلة القيام بها بعد انتهاء الدوام الرسمي. وكما ذكر الملك، فإن ثقافة حب العمل والتفاني والإخلاص في المواطن البحريني متأصلة لدى جميع المواطنين البحرينيين والذين لم تنتشر بينهم ثقافة التقاعد وترك العمل لأن هم المواطن البحريني هو خدمة وطنه. وهذا أمر في حد ذاته نعمة قلما تتوفر لدى شعوب أخرى.
وليس أمامنا في وقتنا الراهن، سوى مواصلة العمل وأن تعم هذه الروح وثقافة العمل المخلص على الجميع، لأن العالم أصبح يتطلع إلى الاحترافية في كل المجالات، تلك الاحترافية التي أصبحت عنصراً مهماً ومكوناً أساسياً لابد من السعي لتطبيقه دائماً، لنكون في المقدمة دوماً.حفظ الله البحرين قيادة وشعباً.

كاتب ومحلل سياسي بحريني