النخبويون مع الصين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/أبريل/٢٠١٨ ٠٤:٤٠ ص
النخبويون مع الصين

خوان بابلو كاردينال

في بداية هذا القرن عندما أطلقت الصين سياسة «الخروج»- التي تركز على استخدام احتياطات النقد الأجنبي لدعم التوسع الخارجي والاستحواذات من قبل الشركات الصينية- توقعت قلة من الناس أن تصبح الصين لاعباً اقتصادياً بارزاً في أمريكا اللاتينية ولكن هذا ما حصل بالفعل والسؤال هل هذا يعتبر شيئاً جيداً بالنسبة لأمريكا اللاتينية.

في أقل من 15 عاماً، تطور الدور الصيني من لعب دور اقتصادي هامشي في أمريكا اللاتينية الى أن تصبح الصين واحدة من كبار المستثمرين والشركاء التجاريين لمعظم دول المنطقة بالإضافة إلى تربعها على القمة من حيث الإقراض وبناء البنية الأساسية ومع التطور السلس لخطط الصين الاقتصادية في أمريكا اللاتينية- وهو توجه من غير المرجح أن يتغير في أي وقت قريب-فلقد وضعت الصين نصب أعينها هدف آخر وهو توسيع نفوذها السياسي في المنطقة وغيرها من المناطق.

بالطبع فإن وضع الصين كقوة اقتصادية كبيرة يعطيها درجة كبيرة من النفوذ السياسي ولكن الدولة الصينية والحزب الشيوعي الصيني يسعيان كذلك لتطبيق استراتيجية أكثر مباشرة وتنسيقا وبعيدة المدى من أجل توسيع قوتها الناعمة.
إن هذه الاستراتيجية هي «حادة» أكثر من كونها «ناعمة» عند التطبيق وهي تركز بشكل أساسي على الترويج للتواصل والتعاون والتبادل على المستوى الشخصي والمؤسساتي مع النخب في أمريكا اللاتينية في أربعة مجالات رئيسية وهي الإعلام والثقافة والقطاع الأكاديمي والسياسة فعلى سبيل المثال تنتج الصين محتوى إعلاميا مجانيا للنشر محليا كما توفر المنح للطلاب والمهنيين من أمريكا اللاتينية «للتدرب» في الصين كما تعمل الصين على إنشاء شراكات مع الجامعات المحلية ومراكز الأبحاث وتفتح وتشغل معاهد كونفوشيوس وغير ذلك من المبادرات.
لكن أقوى أداة توظفها الصين هي العلاقات الشخصية حيث تسعى الصين لبناء علاقات شخصية قوية مع أشخاص مؤثرين من مجموعة مختلفة من المجالات ومن أجل تحقيق ذلك الهدف يحضر القادة الصينيون الشخصيات السياسية والأكاديمية والصحفيون وكبار المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين السابقين وغيرهم من أمريكا اللاتينية للصين للمشاركة في تدريبات تدوم أسابيع أو فعاليات أكاديمية أو برامج التبادل المتخصصة والالتقاء بنظرائهم الصينيين.
إن هذا الاستهداف للنخب ليس عملا محدودا حيث طبقا للرئيس الصيني تشي جينبينج ستقوم الصين بتدريب 10000 من الشخصيات البارزة في أمريكا اللاتينية بحلول 2020 كما التزم الحزب الشيوعي الصيني بدعوة 15000 عضو من الأحزاب السياسية الأجنبية للصين للتبادل في السنوات الخمس المقبلة –مبادرات يشترك فيها بالفعل العديد من الممثلين السياسيين لأمريكا اللاتينية.
إن الهدف الأساسي لتلك الجهود هو التحقق من أن شخصيات بارزة بما في ذلك قادة حاليون ومستقبليون لأمريكا اللاتينية – عادة ما يتم اختيارهم بعناية من قبل القيادة الصينية- هم في صف الصين وبصراحة فإن النظام السلطوي الصيني يقوم بدهاء وبشكل تدريجي بشراء النخب في أمريكا اللاتينية.
لقد نجحت الخطة بالفعل فالفنادق من فئة الخمس نجوم الفاخرة وكرم الضيافة الزائد عن الحد والخطاب الذي تتم صياغته بعناية والأجندات تعطي انطباعاً قوياً –مثل التنويم المغناطيسي- بالنسبة لضيوف الصين الأجانب. إن العديد من هؤلاء يعودون لأوطانهم وهم يعتقدون أن الصين هي في الأساس لاعب حميد وهكذا لا يوجد شيء يمكن أن يخشوه من علاقاتها مع بلدانهم والكثير يصلون لدرجة أن يصبحوا مشجعين متحمسين للصين.
إن مدحهم للصين – الذي يتم التعبير عنه من خلال الأعمال المنشورة أو الملاحظات العامة أو التعليقات الخاصة- عادة ما يركز على النجاح الاقتصادي المفترض للصين وهم يتحدثون بإعجاب عن التحول الاقتصادي من الماوية الى «الرأسمالية الحمراء» وصلابة ذلك الاقتصاد في مواجهة الأزمة المالية العالمية سنة 2008 وبروزها كالرابح الرئيسي من العولمة كما يحتفون بالصين كمصدر قيم للاستثمارات والقروض وفرص السوق.
إن التجربة الصينية تثبت طبقا للعديد من أصدقاء النظام الجدد أن التنمية بدون ديمقراطية ممكنة وهذا التقييم عادة ما يغفل أن يشير إلى الأخطار المحتملة للاعتماد الزائد عن الحد على الصين ناهيك عن الإشارة الى النظام الصيني السلطوي أو سجل الصين السيئ في مجال حقوق الإنسان.
إن هؤلاء المتحمسين ربما لا يريدون نظاما على الطراز الصيني في بلدانهم ولكن بقبولهم وحتى نشرهم للخطاب المعتمد من الحزب الشيوعي الصيني ونبذ أي تحليل نقدي فإنهم يكونون بذلك يساهمون برسم صورة غير دقيقة وبشكل يدعو للقلق عن الصين في طول أمريكا اللاتينية وعرضها ونظرا للمعلومات القليلة عن الصين فإن العديد من الناس في المنطقة يستقون معلوماتهم من نخبهم المحلية وهي نفس النخب التي يحاول القادة الصينيون اجتذابها.
إن العامة في أمريكا اللاتينية وغيرها من الأماكن يستحقون أن يعرفوا القصة كاملة فعليهم أن يتعلموا عن علاقات الصين المختلة مع العديد من شركاءها التجاريين والشروط الصارمة للقروض الصينية والتي تركت العديد من المقترضين غارقين في فخ الديون كما يجب ان يعرفوا عن ظروف العمالة في مشاريع الصين الخارجية ناهيك عن تأثيرها البيئي والاجتماعي ويجب عليهم ان يعرفوا كذلك القمع المحلي المتصاعد في عهد تشي.
إن مما لا شك فيه أن العلاقات مع الصين قد نتج عنها فرص كبيرة لأمريكا اللاتينية ولكن يجب عدم تجاهل المخاطر فالصحفيون والأكاديميون والسياسيون وغيرهم من أصحاب النفوذ الذين تحاول الصين استمالتهم عليهم مسؤولية تجنب ان يصلوا الى درجة الافتتان بالتجربة الصينية وان يقدموا تقييماً واضحاً للمخاطر المحتملة وإلا ستجد أمريكا اللاتينية نفسها تدفع قريبا ثمنا باهظا لرؤيتها غير الواضحة.

باحث في مركز افتتاح وتنمية أمريكا اللاتينية (CADAL)