إغراء الشعبوية في ألمانيا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/أبريل/٢٠١٨ ٠٥:٢٧ ص
إغراء الشعبوية في ألمانيا

سلافومير سيراكوفسكي

لأن الشعبوية ليست بإيدولوجية بحد ذاتها فإن من الممكن وبسهولة أن تجتذب الأحزاب السياسية الرئيسية التي تسعى لتدعيم حظوظها الانتخابية المتعثرة. يوجد هناك دوما سياسيون راغبون بتقليد الشعارات والطرق الشعبوية من أجل الفوز برضا الناخبين حتى لو أدى ذلك لحصول انقسامات في نفس الحزب الذي ينتمون إليه ولقد تجلى ذلك عند الجمهوريين في الولايات المتحدة والمحافظين والعمال في المملكة المتحدة وحزب الجمهوريين الفرنسي تحت القيادة الجديدة للورن فوكييه.

لكن المكان الذي يجسد هذه الظاهرة بشكل يدعو للتشاؤم هو الاتحاد الديمقراطي المسيحي/‏‏الاتحاد المسيحي الاجتماعي. إن الاداء الضعيف لهذين الحزبين في الانتخابات البرلمانية في العام الفائت مع المكاسب الانتخابية غير المسبوقة التي حققها حزب البديل من اجل المانيا قد أدى لحصول تصدعات جديدة ضمن مجموعة الحزب.

لقد كان أداء حزب البديل من أجل ألمانيا قويا في الولايات الشيوعية السابقة في المانيا الشرقية بالإضافة إلى معقل الاتحاد المسيحي الاجتماعي في بافاريا والتي ستجري الانتخابات المحلية فيها في أكتوبر وعليه اصبح الدفاع عن الجناج اليميني للاتحاد المسيحي الاجتماعي في مواجهة حزب البديل من اجل المانيا هو أكبر مصدر للقلق بالنسبة للاتحاد المسيحي الاجتماعي.
وعليه قام هورست سيهوفر وهو زعيم الاتحاد المسيحي الاجتماعي منذ فترة طويلة بإدخال نبرة شعبوية جديدة للحزب فلقد تنازل عن منصب وزير –رئيس بافاريا لمنافس شعبوي أصغر سنا ويتمتع بالطموح وهو ماركوس سويدر كما سعى هورست بحكم منصبة كوزير للداخلية في حكومة الائتلاف الكبيرة للمستشارة انجيلا ميركل لتعزيز اوراق اعتماده الشعبوية وذلك من خلال إجراءات من بينها إعادة الكلمة هايمات (الوطن) إلى مسمى الوزارة.
منذ اليوم الذي أدت فيه الحكومة الألمانية الجديدة اليمين الدستورية، كان من الواضح بأن تكتيك ميركل الشهير بتحييد الناقدين المحتملين من خلال إشراكهم بطاقمها الوزاري لم يعد فعالا فلقد قام سيهوفر على الفور بشن حرب باردة ضمن الائتلاف الحكومي.
لقد قام سيهوفر في مقابلة نشرتها صحيفة بيلد الشعبية في مارس الفائت بالإعلان وبنبرة شعبوية كاملة بأن «الإسلام لا ينتمي لألمانيا» ولقد كان الغرض من مثل تلك التصريحات هو رسم الخطوط ضمن الحكومة ووضع نفسه الى جانب الناخبين المعادين للمهاجرين والذين صوتوا لمصلحة حزب البديل من اجل ألمانيا العام الفائت. لم يكن أمام ميركل مع كامل الطبقة السياسية الألمانية تقريبا أي خيار سوى الاعتراض على تصريح سيهوفر.
لقد تمسك سيهوفر بنزعته الهجومية حيث يبدو انه يقوم بتعليقات عامة عن كل شيء تقريبا وبطريقة لا يترك فيها شيء لحزب البديل من اجل المانيا حتى يضيفه بالإضافة الى تقويض ميركل من دون مهاجمتها بشكل مباشر.
لكن مرة أخرى يعتبر السلوك «الشرق أوروبي» لسيهوفر ليس مفاجئا تماما ففي مارس 2017 وعندما كانت ميركل تستعد لاجتماعها الأول مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ذهب سيهوفر إلى موسكو لتملق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومنذ ذلك الوقت عارض وبشكل مستمر جميع العقوبات على روسيا لأي سبب كان.
لقد تكلم سيهوفر بحرارة عن حكومة حزب القانون والعدالة البولندي الشعبوية مع انتقاد الاتحاد الأوروبي بسبب إهاناته المفترضة للكرامة البولندية كما هنأ اوربان على نصرة الانتخابي الساحق في وقت سابق من هذا الشهر وقام زميلة في الاتحاد المسيحي الاجتماعي الكسندر دوبريندت وبشكل علني بالإشارة لاوربان على انه «صديقنا».
تحت ظل قيادة سيهوفر، يحول الاتحاد المسيحي الاجتماعي تركيزه من النزاعات الاقتصادية الى النزاعات الثقافية وهذا يتوافق مع التوجه الشعبوي الأشمل في أوروبا والذي يتجسد ليس فقط في هنغاريا وبولندا ولكن أيضا في جمهورية التشيك والنمسا وهولندا وإيطاليا والتي تتنافس فيها حركة النجوم الخمسة الشعبوية مع الرابطة اليمينية من اجل قيادة الحكومة المقبلة.
إن من نتائج الصراع المحتدم مع ميركل والمؤسسة السياسية الألمانية هو أن الحزب الحكومي الآخر وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد اختفى تقريباً عن الساحة ولكن سواء كان سيهوفر يدرك ذلك أم لا فإن حزب البديل من أجل المانيا هو المستفيد الطبيعي من أي عثرات حكومية وذلك نظرا لكونه حزب المعارضة الأكبر في البرلمان الألماني. لكن حتى لو فشلت مناورة سيهوفر الشعبوية فلقد نجح بالفعل في جر الحكومة لليمين فألمانيا تعمل بكل وضوح على تخفيف ضغط الاتحاد الأوروبي على بولندا وهنغاريا وغيرها من دول أوروبا الشرقية والتي تشتهر بسيادة القانون وتقوض التضامن الأوروبي فيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين.
إن من المرجح كذلك أن تعيق ألمانيا أي إصلاح جوهري لمنطقة اليورو مما يعني تضييع الفرصة التي قدمها الرئيس ايمانويل ماكرون وبالنسبة لهذه النقطة ذكر كاتب العمود في صحيفة فايننشال تايمز ولفغانغ مونتشاو بأن أفضل سيناريو قد يكون أزمة اقتصادية أخرى في منطقة اليورو والسبب بكل بساطة لجعل ألمانيا أخيراً تتعامل بمنطقيه.
سيهوفر هو أمر سيء بالنسبة لألمانيا والتي تحتاج وبشدة الى الدينامية والانفتاح والشجاعة أكثر من أي بلد أوروبي آخر. إن القدرة العسكرية الألمانية المحدودة وقطاع الخدمات الذي يعاني من التنظيم الزائد عن الحد ونقص الاستثمار في البنية الأساسية كلها عوامل توحي بأن ألمانيا تتخلف عن أوروبا الشرقية بحوالي عقد من الزمان فيما يتعلق ببعض مقاييس التنمية الرئيسية وحتى لو كانت القوة الاقتصادية الأهم في أوروبا.
في دول أوروبا الشرقية يمكن للمرء أن يدفع عن طريقة بطاقة الائتمان في أي سوق شعبي بينما في المانيا من المستحيل عمل ذلك حتى في افضل المطاعم في كثير من الأحيان كما أن المانيا تحتل المرتبة 42 في العالم من حيث سرعة الإنترنت علما أن البنية الأساسية المتعلقة بشبكة الإنترنت هي مخجلة حتى مقارنة بأوكرانيا وبالنسبة لبلد استثمر مبالغ طائلة في أوروبا الشرقية فإن التخلف الألماني النسبي في تلك المجالات مذهل.
إن حقيقة كون سيهوفر يميل للشبعوية لن تعزز بالضرورة ما وصفة دوبريندت بالثروة المحافظة الأوروبية ولكنها تعني ان الثورة غير الليبرالية لاوربن وزعيم حزب القانون والعدالة ياروسلاف كاسزينسكي تكتسب زخما.

مدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو ببولندا.