إجراءات الحكومة أم صندوق النقد!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/أبريل/٢٠١٨ ٠٤:٠١ ص
إجراءات الحكومة أم صندوق النقد!

علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com

أثارت توصيات صندوق النقد الدولي للسلطنة الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض كالعادة لما تضمنه التقرير من توصيات بإعادة هيكلة الإنفاق في البلاد وتعزيز الإيرادات غير النفطية وغيرها من المعالجات.

وسواء اتفقنا أو اختلفنا في نجاعة توصيات صندوق النقد إلا أن الغالب دائما أنه يستغرقنا الجدل دائما في كل إجراء من هذا الشأن سواء كان توصيات صندوق النقد الدولي وإجراءاته، أو الحلول التي تقدمها الحكومة لمعالجة الوضع المالي وتعزيز الإيرادات غير النفطية وهي حلول تستدعي تكاتف كافة فئات المجتمع لإنجاحها.

فالشواهد ماثلة أمامنا في الاعتراض على أي إجراءات تتخذها الحكومة إزاء تنويع الإيرادات ومواجهة الأزمة الاقتصادية وتعزيز المالية العامة للدولة وغيرها من أهداف تنحو لها الحكومات في أزمات كهذه.
وكان آخر هذه الاعتراضات الرفض الكبير لرسوم البلديات رغم أنها لا تشكل ضريبة مباشرة على المواطنين، وإنما رسوم أغلبها على الأنشطة التجارية، لكنها أثارت ضجيجا كبيرا في الأوساط المحلية ما دفع بالجهات المختصة إلى تأجيل تطبيقها، وإخضاعها للمزيد من الدراسات.
وسبق ذلك العديد من الإجراءات التي ترغب الحكومة في اتخاذها وتجد معارضة واسعة وحملات بأشكال مختلفة، وتدخلات من مجلس الشورى وغيره من الجهات، الأمر الذي يعكس بأن لدينا حالة رفض غير طبيعية لأي إجراءات من شأنها أن تعالج الاختلالات الناتجة عن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وانعكاساتها على المكانة المالية للدولة وفق خطوات يجب تحملها في سبيل الخروج من نفق الأزمة بمعالجات داخلية، والابتعاد عن توصيات المؤسسات المالية الدولية.
فهذه التناقضات في التعاطي مع الأوضاع المالية للدولة من الطبيعي أن تثير حيرة المتابعين العاديين فما بالك بصناع القرارات المالية والاقتصادية في الحكومة الذين يقع على عاتقهم تحديد السبيل الأمثل لمعالجة هذه الأوضاع المالية على نحو متوازن بعيدا عن التشنجات وتحمل تبعات المرحلة الراهنة، فالحلول المطروحة تتعلق بمخاض لابد من تحمله لكي نعبر نفق الأزمة وتداعياتها على البلاد.
فإما أن نتفاعل إيجابيا مع الإجراءات الحكومية والتي لا تؤثر على متطلبات الحياة اليومية للمواطنين، حيث إن الحكومة تعمل على مراعاة كل الفئات المستحقة للدعم مع الأخذ بتوصيات صندوق النقد الدولي وغيره بعين الاعتبار إذا كانت هذه التوصيات تتناسب مع واقعنا، وإلا فسنظل ندور في دوامة الأزمة وتتراكم الأمور وتتضاعف بشكل غير إيجابي وهو ما لا نرضاه.
فمثل هذه الإجراءات عادة ما تتخذها الحكومات ليس في السلطنة فحسب وإنما في كل الدول التي تتأثر بالأزمات ولا ينبغي أن تدفع هذه المعالجات بالبعض إلى إثارة جدل حول التخطيط والإخفاقات الاقتصادية وإلقاء اللوم بدون وعي أو استذكار ما تحقق على هذه الأرض الطيبة، والمراحل التي قطعتها السلطنة لتوفير البنى الأساسية الهادفة لأي انطلاقة اقتصادية في مختلف القطاعات.. فالمراحل الفائتة من مسيرة التنمية ركزت على بناء الطرق والموانئ والمطارات وغيرها من المتطلبات الاقتصادية لأي تنويع أو تنمية سياحية أو جذب استثمارات في كل القطاعات، فهل على سبيل المثال يمكن للسياحة أن تنهض إذا لم تكن هناك طرق وكهرباء ومياه، وهل يمكن للتجارة أن تزدهر إذا لم تتوفر الموانئ وقس على ذلك في كل القطاعات. هذا فضلا عن النجاحات الكبيرة في التنمية الشاملة في مختلف القطاعات التنموية سواء في مجال التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والكهرباء والمياه والثقافة وغيرها كل هذه القطاعات تحتاج إلى موارد للنهوض بها على أفضل المستويات، فهذه التطورات تحتاج إلى موارد، وبلايين الريالات التي أنفقتها الدولة في السنوات الفائتة على التنمية لا يجب أن نغلفها.
وعلى الجانب الآخر ينهك الميزانية العامة للدولة الإنفاق الجاري المتمثل في بند الرواتب والخدمات العامة وغيرها من المصروفات المتكررة التي تشكل أكثر من 80 بالمائة من الميزانية العامة للدولة، كل ذلك يجب أن يكون حاضرا في الأذهان عند مناقشة الجوانب التنموية والاقتصادية وكيف تجسدت على هذه الأرض الطيبة، فهل كل ذلك لا يحتاج إلى إمكانيات أو يمكن مسحه بجرة قلم أو زر هاتف نقال عند مراجعة تفعيل الإيرادات غير النفطية.
بل إن النمو الاقتصادي في الدولة يحتاج إلى تهيئة عامة وجاهزية عالية وتطور في المجتمع الذي يطمح دائما إلى المثالية وينادي بالخصوصية والنأي عن التأثيرات الجانبية لإفرازات الحياة المدنية التي من الطبيعي أن تضحي المجتمعات إذا رغبت في الاندماج في العالم.
فالكثير من التحفظات والإشكاليات في مجتمعنا لا تتواكب مع المطالب بالانفتاح على الآخرين ولا تسريع وتيرة الاقتصاد، فالتغير في ذهنية المجتمع يحتاج إلى وقت هو الآخر لكي يتواءم مع المتغيرات، بحيث لا يكون المواطن ضحية له.
‏للأسف فإن البعض يقع في مغالطات في الحديث عن التنمية وما تحقق في هذا الوطن، مع الأحاديث عن إجراءات احترازية تهدف إلى المحافظة على المالية العامة للدولة وتعزيز الإيرادات غير النفطية ومعالجة عجز الموازنة، يهدف منها خلط الأوراق والابتعاد عن جوهر المشكلة التي يجب أن نلتف حولها جميعا لمعالجتها والعبور إلى المستقبل بدون أعباء أو تراكمات، ولا نضج من أي إجراء هدفه صالح هذا الوطن مهما كلفنا ذلك، فالشعوب تضحي من أجل أوطانها ليس في أوقات الحروب العسكرية فقط، وإنما حتى في الحروب الاقتصادية التي هي الأخرى تحتاج إلى تضحيات جسيمة.
بالطبع الحكومة ليست ملزمة بكل توصيات صندوق النقد الدولي ومعالجاته إذا لم تكن تتوافق مع الجوانب الاجتماعية التي تمس حياة المواطنين، وهناك الكثير من الأمثلة لمعالجات رفع الدعم عن المشتقات النفطية على سبيل المثال، لكن في المقابل يتطلب أن نكون أكثر إيجابية وتفهما للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتعاني منها الحكومة.
نأمل أن نكون أكثر واقعية وقدرة على التغير ومواكبة المستجدات بعقلية متفتحة وثقة عالية بأن الأوطان في كل وقت تحتاج إلى تضحيات ومسؤوليات في التعاطي مع الأوضاع تبتعد عن نكران ما تحقق والاستمرار في جلد الذات، والشكر على ما تحقق في السنوات الفائتة والتعقل في المناقشات بواقعية توازن وتوائم بين ما تحقق من التنمية وكلفتها في هذا الوطن وجاهزية من المجتمع للمزيد من الاندماج.