السماء لن تسقط

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٦/أبريل/٢٠١٨ ٠٧:٤٨ ص
السماء لن تسقط

بيورن لومبورج

إن الناس منحازون للأخبار السيئة فوسائل الإعلام تعكس هذا التفضيل وتصيغه حيث تقدم لنا وجبة من الويل والهلع فالتوجهات الطويلة والبطيئة والإيجابية لا تتصدر صفحات الأخبار أو الأحاديث اليومية وعليه نطور مفاهيم خاطئة وغريبة وخاصة فكرة أن الأمور تجنح للاتجاه الخاطئ.

عندما قمت بنشر كتاب البيئي المتشكك سنة 2001، أشرت إلى أن العالم قد أصبح أفضل في العديد من الجوانب وفي تلك الفترة كان ينظر لذلك الكلام على أنه هرطقة لأنه تصدى لمفاهيم خاطئة منتشرة مثل فكرة أن الموارد الطبيعية قد بدأت بالنفاد وأن الطعام أصبح أقل لأعداد متزايدة من السكان وبأن الهواء والماء قد أصبحا أكثر تلوثاً.

وفي كل حالة فإن الفحص المتأني للبيانات وجد أن السيناريوهات المتشائمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت كانت مبالغ فيها فعلى سبيل المثال بينما تم استنزاف الثروة السمكية بسبب نقص الإجراءات التنظيمية فإن باستطاعتنا أكل السمك أكثر من أي وقت مضى بفضل تربية الأحياء المائية كما أن المخاوف بأننا نخسر الغابات تتجاهل حقيقة مفادها بأنه بينما تصبح البلدان أغنى فإنها تعمل على زيادة غطاء الغابات فيها.
منذ أن كتبت الكتاب، أصبح العالم أفضل طبقاً للعديد من المؤشرات المهمة حيث استمرينا في رؤية انخفاضات مهمة في وفيات الأطفال وسوء التغذية كما كانت هناك خطوات واسعة تجاه القضاء على شلل الأطفال والحصبة والملاريا والأمية.
بالتركيز على أخطر مشكلة بيئية –تلوث الهواء- فنحن باستطاعتنا رؤية بعض من الأسباب الكامنة وراء حصول تحسن حيث بينما العالم يتطور فلقد انخفضت الوفيات من تلوث الهواء بشكل دراماتيكي ومن المرجح أن يستمر هذا التوجه ولكن مشاهدة مدينة ملوثة في بلد مثل الصين قد يوحي بغير ذلك، ولكن الهواء داخل منازل الناس الأكثر فقراً هو أكثر تلوثاً بمقدار عشرة أضعاف من أسوأ حالات الهواء الخارجي في بيجين. إن أسوأ مشكلة بيئية بالنسبة للبشر هو التلوث الهوائي الداخلي من الطبخ والتدفئة باستخدام الوقود السيئ مثل الأخشاب والروث والناتج عن الفقر.
في سنة 1900 كان السبب وراء 90% من الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء هو التلوث الداخلي. إن التنمية الاقتصادية قد أدت الى زيادة التلوث الخارجي ولكن أيضا إلى انخفاض كبير في التلوث الداخلي. إن انخفاض نسب الفقر يأتي جنباً إلى جنب مع انخفاض بمقدار أربعة أضعاف في الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء العالمي، ولكن اليوم هناك أناس أكثر يموتون من تلوث الهواء الداخلي مقارنة بتلوث الهواء الخارجي وحتى في الصين فبينما أصبح الهواء الخارجي أكثر تلوثاً فإن انخفاض نسبة الفقر قد تسبب في مخاطر أقل فيما يتعلق بإجمالي وفيات تلوث الهواء وبينما تصبح البلدان أغنى فإنها تستطيع أن تعمل على تنظيم وخفض التلوث الهوائي الخارجي.
قبل مائتي عام كان كل الناس على سطح الأرض تقريباً يعانون من الفقر ونخب بسيطة كانت تعيش في ترف واليوم %9،1 من السكان فقط أو حوالي 700 مليون إنسان يعيشون على أقل من 1،90 دولار أمريكي باليوم (الموازي لدولار واحد سنة 1985) وفقط في السنوات العشرين الأخيرة فإن نسبة الناس الذين يعيشون فقراً مدقعاً قد انخفضت بمقدار النصف ولكن القليل منا يعرفون ذلك. لقد قامت مؤسسة جابمايندر بإجراء مسح في المملكة المتحدة حيث وجدت أن 10% من السكان فقط يعتقدون بأن الفقر قد انخفض وفي جنوب أفريقيا والسويد هناك أناس أكثر يعتقدون بأن الفقر المدقع قد تضاعف بدلاً من الاعتقاد الصحيح وهو بأنه قد انخفض بشكل كبير.
كيف نستمر في تقدمنا السريع؟ لا يوجد نقص في التدخلات المتعلقة بالسياسات ذات النوايا الطيبة وعليه فإن لدينا بيانات لعقود من الزمن تظهر ما هي الأمور التي تحقق النجاح وتلك التي لا تحقق النجاح.
بالنسبة للأمور التي لا تحقق النجاح فحتى الأفكار التي تم دراستها بعناية من أبرز المفكرين يمكن أن لا تحقق النجاح المطلوب فمفهوم قرى الألفية الطموح كان من المفترض أن يؤدي لتقدم متزامن على جبهات متعددة مما يعني تحقيق «نتائج كبيرة خلال ثلاث سنوات أو أقل» طبقا للمؤسس جيفري د ساكس ولكن أظهرت دراسة أجرتها وزارة التنمية الدولية البريطانية بأن القرى لها «تأثيرات إيجابية محدودة» و «تأثير إجمالي محدود على الفقر».
إن من الأمور الأكثر إيجابية هو التركيز على ما قد ينجح. إن التحليل العالمي لأهداف التنمية لمؤسسة اجماع كوبنهاجن من قبل لجنة من الاقتصاديين الحائزين على جائزة نوبل أظهرت كيف يمكن للمزيد من الأموال تحقيق أفضل النتائج حيث خلصوا الى نتيجة مفادها أن تحسين القدرة على الوصول إلى خدمات منع الحمل وتنظيم الأسرة يمكن أن تخفض من وفيات الأمهات والرضع بالإضافة إلى زيادة النمو الاقتصادي، وذلك من خلال تحقيق مكاسب ديمغرافية.
إن الأبحاث لتقييم أفضل السياسات التنموية لهايتي وجدت أن التركيز على تحسين التغذية من خلال استخدام الدقيق المقوى قد يحدث نقلة نوعية في صحة الأطفال مما يوجد فوائد مدى الحياه.
إن أبحاث مركز إجماع كوبنهاجن الأخرى أظهرت أن تعزيز منصات الشراء الحكومي على الإنترنت سيحدث نقلة نوعية، وقد يبدو ذلك غير مهم بالنسبة لتخفيض الفقر ولكن هذا غير صحيح. إن الدول النامية بالمعدل تستخدم نصف ميزانياتها في المشتريات مما يعني أن تمكين المنافسة الشفافة يمكن أن يخفض الخسائر التي يتسبب بها الفساد.
إن هذه ليست تخمينات فلقد أظهرت دراسة حالة جرت في بنغلاديش والتي تنفق اكثر من 9 بلايين دولار أمريكي على المشتريات العامة سنويا أن إدخال الشراء الإلكتروني في دائرة حكومية واحدة قد أدى إلى تخفيض الأسعار بنسبة 12% مما يعني ترك المزيد من الموارد لأولويات مهمة أخرى تتعلق بالميزانية. لقد اظهر البحث أن توسيع المشتريات الرقمية ضمن الحكومة يمكن أن يوفر 670 مليون دولار أمريكي سنويا – أي ما يكفي لزيادة الإنفاق السنوي على الصحة العامة بحوالي 50%. إن الحكومة البنغلاديشية تعمل على التسريع من هذا التوسيع.
إن أقوى سلاح في المعركة ضد الفقر هو ذلك السلاح الذي ساهم في تحقيق هذه النتيجة اليوم وهو سلاح التنمية الاقتصادية على نطاق واسع فخلال الثلاثين سنة الفائتة ساهم نمو الصين فقط في انتشال عدد غير مسبوق يصل الى 680 مليون إنسان من براثن الفقر.
إن اتفاقية تجارية عالمية-مثل ختام ناجح لجولة الدوحة المعطلة – ستنتشل 160 مليون إنسان آخرين من براثن الفقر. إن الشكوك اتجاه التجارة الحرة تضر بالناس الأكثر فقرا في العالم وبينما تحظى السياسات الأمريكية الأخرى وتغريدات الرئيس دونالد ترامب بتغطية أكبر بكثير فإن رفض الإدارة الحالية للتجارة الحرة يمكن أن تكون المأساة الأكبر.
إن نجاح البشرية في تخفيض الفقر هو إنجاز استثنائي ولكن هو إنجاز يتحفظ الناس كثيراً في الإقرار به حيث يتوجب علينا أن لا نحيد عن الأمور التي ساعدتنا في تحقيق ذلك وما يبرر الأمل في مستقبل أفضل.

مدير مركز إجماع كوبنهاجن وأستاذ

زائر في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال.