الحرب هزيمة لكل اليمنيين!!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/مايو/٢٠١٨ ٠٧:١٠ ص
الحرب هزيمة لكل اليمنيين!!

علي ناجي الرعوي

كان من المؤمل أن يدرك اليمنيون وبعد أربع سنوات من الاحتراب والاقتتال والدمار الذي حل بوطنهم أن إمكانية الوصول إلى الحلول والتسويات ما زالت ممكنة وأنها ليست صعبة أو في حكم المستحيل في بلد يجمع بين أهله العيش المشترك وتفاصيل الحياة اليومية وما ينمو على ضفافها من علاقات اجتماعية وأواصر القربى وتشابك الأدوار والمصالح وأن يستوعب الجميع أيضا أنه بترجمة هذه المشتركات من قبل النخب السياسية والقيادات المدنية والاجتماعية يمكن أن يصل الجميع إلى الصيغ التي تساعد على ضبط إيقاع الخلافات المزمنة أو الطارئة وإعادة اللحمة والمصالحة الوطنية التي لا تستثني أحداً من أطراف الأزمة الراهنة أكانوا في الداخل أو الخارج.

لكن ورغم التجربة القاسية التي مرت بها الأغلبية الساحقة من اليمنيين في سنوات الحرب وكذا نزيف الدم المتدفق من شرايينهم وأوردتهم والذي يزداد كل يوم تدفقاً فقد ظلت تلك المشتركات غائبة أو مغيبة وبعيدة عن أي اهتمام لتحل بدلاً عنها نوازع الغلبة والتعصب والاستسلام للواقع وموازينه المختلة مما وجد بيئة اجتماعية مأزومة تعاني من أعراض مرضية في مفاصل كثيرة من السلوك العام مما سمح بانتقال الأزمة اليمنية من خلافات في وجهات النظر وصراع على السلطة والمصالح إلى حالة سلوكية وانفعالية داخل البنية المجتمعية وبصورة لا تخطئها العين ولا تعبرها البصيرة التحليلية والأخطر أن مثل هذه الحالة هي من قد تصبح مشكلة في المستقبل يصعب على المجتمع اليمني التخلص من تأثيراتها.

لقد أضاعت القوى اليمنية بسبب خلافاتها الكيدية وصراعاتها ذات الامتدادات الخارجية كل الفرص للخروج من ذلك المستنقع الذي غرقت فيه كما أضاعت في السابق كل إمكانية لأبعاد اليمن عن الصراعات الإقليمية والدولية، وسياسة المحاور وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات المشتعلة في المنطقة وبفعل تلك الأخطاء فقد انزلق اليمن إلى الوضع الراهن الذي تضاعفت كوارثه بأقلمة الصراع الداخلي واستدعاء الخارج وتقسيم المجتمع على أساس بعض الهويات الجزئية كالولاء للطائفة أو المنطقة أو القبيلة أو الحزب عوضاً عن الولاء للخارج وبما عطل أي جهد لتصحيح العلاقات بين الأطراف الداخلية المتصارعة ودفعها نحو التسامح والتصالح تحت سقف المصلحة الوطنية العليا.
ولعل ما يثير الاستغراب حقا أن جميع الأطراف اليمنية قد دخلت الحرب دون أن تضع في اعتبارها كيف ستخرج من هذه الحرب التي أصبحت معها البلاد خراباً يباباً بل إن الكثير منها وبفعل تلك العشوائية بات مقتنعاً اليوم أن القرار لم يعد بيدها وإنما بيد الأخرين وتحت تأثير هذه القناعة صار الجميع في انتظار ما ستتمخض عنه التفاهمات المحتملة بين العواصم الإقليمية والدولية وخاصة على محور واشنطن – الرياض مع موسكو – طهران بشأن الحل في اليمن مع أن الكل يعلم أن هذه الأطراف الإقليمية والدولية قد اختلفت وتصارعت حول ما يجري في سوريا وليبيا لكنها تلاقت جميعها على عدم الالتفات لما يحدث في اليمن وهو ما جعل المواطن اليمني هو وحده من يدفع الأثمان ويتحمل تبعات التذاكي الخارجي والنزق وعقم التفكير الداخلي.
لا شك أن أقلمة الصراع في اليمن قد ضاعف من حدة الانقسامات الداخلية على مستوى التنظيمات والأحزاب السياسية والنخب المدنية وجعل من البلاد تدار من قبل حكومتين واحدة في عدن وأخرى في صنعاء إلا أن كل هذا لا ينفي أن بعض القوى المحلية المسنودة بعدد لا يستهان به من التشكيلات المسلحة على مختلف تسمياتها ومشاربها وتحالفاتها وحجم الدعم المتوفر لها من الخارج قد ساهمت بشكل أو بآخر في إعاقة أي حلول سياسية أو توافق داخلي حيث بدت تلك القوى غير مستعدة للمجازفة بشبكة المصالح التي نسجتها من وراء انخراطها بالحرب وبالتالي فليس من المبالغة القول إن هذه القوى وحفاظا على تلك المصالح ظلت تميل الى إطالة أمد الحرب وتعطيل المحاولات الرامية الى فض الاشتباك بين الأطراف المتصارعة.
ومهما يكن من أمر التدخلات الخارجية فإنه يمكن ولأسباب عديدة لا يتسع المقام لذكرها تفهم انعكاس الصراع الإقليمي في المنطقة على الوضع في اليمن إلا أن مالا يمكن للمرء فهمه أو تصوره فضلا عن أن يستوعبه أو يتخيله هو أن يرى هناك من اليمنيين من يقف الى جانب استمرار الحرب ويرفض كل خطوة ترنو الى إيقافها بل إن الشيء المقزز إلى درجة تفوق الاحتمال أن نجد من هؤلاء من يقف في وجه أي مسعى أو جهد يروم الى إقناع القوى المتشظية بأن الحل لن يكون إلا يمنياً وأن الرهان على جذب اهتمام اللاعبين الإقليمين والدوليين الذين اعتادوا على النظر إلى هذه الدولة كواحدة من الدول الفاشلة هو رهان أثبتت كل المعطيات على عدم جدواه بدليل أننا الذين لم نشهد رؤية واضحة المعالم لحل الصراع في اليمن من قبل أي من اولئك الفاعلين وفي الصدارة منهم الولايات المتحدة التي نعلم جيدا انها من تمسك بكل خيوط اللعبة في الصراع اليمني حيث وهي على علاقة قوية بدول التحالف العربي من جهة وبالأطراف اليمنية الداخلية من جهة ثانية ومع ذلك فلم تفعل شيئا رغم أنها قادرة على التدخل وإنهاء الصراع إذا ما أرادت ذلك.
يعزو علينا أن نجد بين اليمنيين من لا يزال يتحفظ على أي طرح يهدف الى وقف النزيف والتآكل الداخلي وذلك عبر دعوة القوى المتصارعة الى تحمل مسؤولياتها، والعمل على تجاوز المستجدات المضافة قسراً على الواقع اليمني نتيجة استمرار الحرب للعام الرابع وإعادة النظر إيجابيا في العلاقات بين جميع مكونات المجتمع من منظور وطني شامل يقوم على روح التصالح وطي صفحة الخصومات والعداوات وتغليب مصلحة اليمن على ما دونها من المصالح و الأهواء الذاتية والحزبية والفئوية والمذهبية والمناطقية إذ لا مبرر لمثل ذلك التحفظ على هذا الطرح الإنساني النبيل الذي يفترض أن لا يختلف فيه اثنان وربما يشاطرني بعض المتفرسين في الرأي في أن الحرب المندلعة في اليمن هي هزيمة لكل اليمنيين ولن يخرج منها احد بانتصار يعطيه الحق بالتفرد بالسلطة والنفوذ.
وفي هذا الصدد نذكر الجميع ونحن في أول أيام شهر رمضان المبارك بأن الاحتكام إلى العقل والبعد عن الانتقام يعتبر من أهم المبادئ التي نادى بها الإسلام الحنيف وحري باليمنيين أخذ العبرة من الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عندما دخل مكة المكرمة فاتحاً لها فقد أقر مبدأ العفو والتسامح مع الذين قاتلوه والذين حاربوه وأخرجوه من بيته، واضطروه إلى الهجرة حيث لابد وأن يعي أبناء هذا البلد أن ما حدث قد حدث وأن من أخطأ قد أخطأ لكن يجب أن يسارع الجميع إلى المصالحة والعودة إلى الصواب وإيقاف نزيف الدم.

كاتب يمني