سر «سعاد»

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/مايو/٢٠١٨ ٠٣:٣٦ ص
سر «سعاد»

د.لميس ضيف

بالنسبة لي ولمَن حولي تمثّل «سعاد» مضرب الأمثال في الحيوية والنشاط، تقوم في اليوم بما نحتاج -نحنُ- لأسبوع للقيام به. تتابع احتياجات بيتها وعملها، ولا تتخلّف عن أية مناسبة اجتماعية، وتردّ على كل الرسائل التي تَرِدها، ولديها عملها الخاص الذي لا تبخل عليه بسبعة أيام من أسبوعها، ومع ذلك تجد وقتا لتتزيّن، ولتلاعب أحفادها، ولتخطط لرحلات صغيرة سخية تكافئ بها نفسها على ساعات عملها المتواصلة.

ستعجب بأداء امرأة كهذه لو كانت في الثلاثين فما بالك لو عرفت أنها في الخامسة والستين من عمرها. مثال ناطق حي نابض على أن العمر مجرد رقم، ورقم لا يعني الكثير أيضا. استطاعت هذه المرأة أن «تنمو» دون أن «تكبر».. وتلبس قناع السعادة، وتقنع نفسها أنها تملك كل شيء، حتى تآلفت ملامح وجهها وقسماته مع قناعها فما عاد تصنُّعا ورياءً.

سألتها مرارا عن سرها! فأخبرتني بأنها تجيد تدليل نفسها، وتكره الفراغ الذي تتآكل معه الصحة، وأنها تحيط نفسها بمَن هم مثلي ممن يصغرونها سنا لأن التحلّق حول كبار السن كثيري الشكوى معول هدم للصحة. كما وعلّمتني مهارة جرّبت نجاحها: وهي أن تتجالد على الآلام والأسقام حتى تهرب طواعية من غير عودة؛ فالاستسلام لفكرة المرض مرض بحد ذاته. فهي، ككل مَن في عمرها، تعاني من بعض المشاكل الصحية ولكنها تتجاهل وجودها. تجاهل وجود الأسقام بالمناسبة لا يعني عدم الرعاية بعلاجها بقدر ما يعني عدم السماح للمرض بأن يوجه دفة حياتك، فتسيطر عليه عوضا عن أن يسيطر هو عليك.
ولسعاد هذه علاقة فريدة بالمال، فهي تستميت لجمعه لتنفقه بعدها بسرعة في إمتاع نفسها «سأتمتع بما أجنيه وليشق أبنائي طريقهم في الحياة كما فعلت أنا»، وهو منطق يبدو للبعض أنانيا لكنه منصف في جوهره وفيه ثقة بالله، وبإمكانيات الأبناء، لا يملكها مَن يجمعون المال بمنطق النمل.
أما سر أسرارها الذي لمسته بنفسي، دون أن يكون منطوقا منها، فهو أنها تهتم بالناس نعم لكنها لا تهتم لرأيهم فيها حقا، ولا لما يقولونه أو يظنونه عنها أو عن عائلتها بأسرها. وعندما تنزع مفردة «ماذا سيقول الناس» من قاموسك ستحلّق بحرّيّة في سماء هذا العالم ولن تشيب أبدا. فكل الأصفاد التي تمنعك من الاستمتاع بالحياة مكوَّنة من ألسنة الناس المؤذية والحارقة.
lameesdhaif@gmail.com