الأمل للناجين من القنابل العنقودية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/يونيو/٢٠١٨ ٠٤:٢٠ ص
الأمل للناجين من القنابل العنقودية

مات سميث

يساعد طبيب لبناني شاب بارع الناجين من القنابل العنقودية بالبلاد في تلقي العلاج المكثف، من خلال المشاركة في إنشاء أداة تشخيص مذهلة أصبحت لا تُقدر بثمن بالنسبة للعاملين في مجال الرعاية الطبية الذين يهتمون بضحايا التفجيرات في جميع أنحاء العالم.

جهود جواد فارس، ذا الستة وعشرين ربيعًا الابن لأب يعمل جراح أعصاب وأم تعمل مهندسة معمارية وعالمة نفس، قادته إلى أن تتم تسميته واحداً من رواد الشباب العربي خلال فعاليات القمة العالمية للحكومات في دبي، في حين يظهر جواد أيضًا في قائمة فوربس لأبرز 30 رائد أعمال عربياً تحت سن الثلاثين لعام 2018.

وفي حين أن هذه الأوسمة مرحب بها، يركز جواد –الذي ما زال في السادسة والعشرين من عمره فقط- بشكل أكبر على كيف يمكنه مساعدة المجتمع من خلال عمله باحثاً أول في مركز أبحاث العلوم العصبية بالجامعة اللبنانية.
وقال جواد: «أنا متحمس لما أفعله، وهدفي هو التفكير في حلول مبتكرة للتحديات الصحية التي يواجهها مجتمعنا».
وفي 2011، بدأ فارس العمل مع اللبنانيين الجرحى جراء القنابل العنقودية خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان لمدة 34 يوماً عام 2006 ولما اكتشف أن هناك نقصًا في الثقافة الطبية حول مثل هذه الإصابات، بدأ البحث في المعاناة التشريحية والعصبية والنفسية لهؤلاء الضحايا المدنيين.
وأضاف جواد قائلًا: «من خلال تسليط الضوء على آثار هذه الأسلحة، آمل أن يتم اتخاذ إجراء للحد من و إن إمكن- حظر استخدام الذخائر العنقودية».
وتنثر القنابل العنقودية قنابل صغيرة في منطقة واسعة، لكنها غالباً ما تفشل في تفجيرها على الفور. وخلال حرب العام 2006، ألقت القوات الإسرائيلية ما يقدر بأربعة ملايين قنبلة على لبنان، وهي ما وجد أحد تحقيقات منظمة هيومن رايتس ووتش أنها عشوائية وغير متجانسة وتنتهك القانون الدولي الإنساني. وتناثرت ما يقرب من مليون قنبلة غير منفجرة في المناطق الحضرية والريفية بلبنان؛ مما ستتسبب في موت وإصابة المواطنين بإصابات بالغة لسنوات مقبلة.
وقال جواد، الذي يحمل شهادة البكالوريوس في الأحياء وشهادة الماجستير في العلوم العصبية ويدرس في كل من الجامعة الأمريكية ببيروت والجامعة اللبنانية: «بالنسبة للألغام الأرضية، يمكنك السير فوقها بسهولة بسيارة خاصة فحسب وستنفجر، لكن الذخائر العنقودية تُطلق من الهواء؛ وبالتالي يمكنها أن تظل معلقة في شجرة أو فوق سطح مبنى، حيث يمكن إطلاقها صدفةً بسهولة «.
وعانى الأطباء اللبنانيون الذين كانوا يعالجون ضحايا القنابل العنقودية في تحديد مدى خطورة الإصابات؛ وهو ما سبب صعوبة في التشخيص والعلاج وإعادة التأهيل. وبعد عامين من العمل الشاق، طوّر جواد وفريقه «مقياس فارس للإصابات الناجمة عن الذخائر العنقودية»، الذي يصنف الإصابات على أساس الإعاقة التي سببتها. ومن خلال القيام بذلك، يمكن للأطباء تقديم برامج علاجية مثالية للناجين بشكل أفضل.
ووفقاً لمقياس فارس، تسبب الإصابات من الدرجة الأولى خللًا وظيفيًا بنسبة أقل من 25%، وتسبب الإصابات من الدرجة الثانية إعاقة بنسبة 50%، و تسبب الإصابات من الدرجة الثالثة إعاقة بنسبة 75%، بينما تسبب الإصابات من الدرجة الرابعة خللاً وظيفياً بنسبة أكبر من 75%. ومن بين ضحايا القنابل العنقودية في لبنان، كان 50% منهم يعانون من إصابات من الدرجة الثانية و43% منهم يعانون من إصابات من الدرجة الأولى.
وتسبب القنابل العنقودية جروحًا نفسية بالإضافة إلى الجروح الجسدية. في العام 2006، وجدت دراسة استقصائية عن ضحايا القنابل العنقودية في لبنان أن 98% منهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة. وبعد عشر سنوات، عاد جواد ليجري مقابلات مع الضحايا نفسهم في عملية استغرقت 14 شهراً لإكمالها. وأظهرت النتائج أن 43% منهم كانوا لا يزالوا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهي نسبة أعلى بكثير من مما سُجل عن ضحايا التفجيرات وقدامى الحرب، في حين قال 88% منهم إن إصاباتهم سببت لهم صعوبة في الاحتفاظ بوظائفهم.
وقال جواد، الذي وضع هو وفريقه مرضى اضطراب ما بعد الصدمة على اتصال مع مراكز العلاج لإحالة الحالات الأكثر خطورة للحصول على رعاية نفسية مكثفة: «كان أحد أهدافنا هو محاولة مساعدة هؤلاء الأشخاص».
ووجد المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام أن نحو 57 كيلومتراً مربعاً من الأراضي اللبنانية كانت ملغمة بالقنابل العنقودية منذ حرب العام 2006، مع إزالة الذخائر من 38.5 كيلومترًا مربعًا فقط بدايةً من العام 2013.
وقال جواد: «يعيش معظم الأشخاص المصابين من القنابل العنقودية في مناطق ريفية؛ لذلك لا تكون معرفتهم بالعلاج متاحة ووجود مركز الرعاية محدود. هناك أيضًا وصمة عار تجاه الصحة النفسية. لم يكن العديد من الضحايا ليذهبوا في السابق إلى طبيب نفسي. وهناك أيضًا نقص في مراكز إعادة التأهيل بلبنان».
واليوم يركز فارس أبحاثه على طب الصراعات وجراحة الأعصاب والعلوم العصبية والتثقيف الطبي، في حين أنه شارك أيضًا في تأليف نحو 40 بحثاً نشر في دوريات علمية دولية.

وينسب فارس الفضل في تعطشه للمعرفة والاكتشافات الطبية لتربية والديه.

وأضاف فارس قائلًا: «خلال نشأتي كنت أستمع إلى والديّ وهما يتناقشان في موضوعات مختلفة متعلقة بالعلوم العصبية وكنت أحاول فهم واستيعاب أي كان ما سمعته. أتذكر كيف اعتاد والدي على وصف العلوم العصبية بشغفٍ بكونها آخر الحدود البشرية، وكيف أن هناك عالمًا يزن أكثر من كيلو جرام يوجد داخل جماجمنا. كان والدي كثيراً ما يردد قائلًا: «كل شيء نختبره ونمر به يحدث في هذه الفضاء الصغير».

صحفي وكاتب