زيادة الرواتب وارتفاع الأسعار.. من المستفيد؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/يونيو/٢٠١٨ ١٣:٢٦ م
زيادة الرواتب وارتفاع الأسعار.. من المستفيد؟

كيف يمكن مواجهة الزيادات المستمرة للأسعار؟ هل بزيادة الرواتب والأجور والمعاشات؟ أو هناك بدائل أخرى أكثر علمية وعقلانية؟ وهل هناك دراسات علمية وميدانية توضح خطورة وآثار زيادة الأجور سلبا وإيجابا على العاملين وعلى المجتمع وعلى الاقتصاد وعلى خزينة الدولة؟ وما هو رد أصحاب الأعمال الحرة من هذه الزيادات؟ خاصة أن مجرد الإعلان عن أي زيادات في الأجور والمرتبات والمعاشات ولو بنسب ضئيلة، تقابله زيادات غير مقننة في أسعار السلع والخدمات وأسعار أصحاب المهن الحرة -خاصة مع جشع بعض التجّار وفي غياب الرقابة الفعالة على الأسعار وعلى الأسواق؛ لأن الأسعار تلتهم بقوة وبعنف أضعاف أضعاف هذه الزيادات، حيث يعتبر خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادات الضئيلة في الأجور لها أضرارها أكثر من منافعها، لا سيما أن بعض الحكومات تتبع هذه الزيادات أو تسبقها بزيادة الضرائب والرسوم وأسعار المواصلات والاتصالات والطاقة والكهرباء وغيرها؛ لأنه عادة تقدم الحكومات على هذا الإجراء ضمن حزمة اجتماعية بهدف حماية المواطنين الأقل دخلاً من الإجراءات الاقتصادية المنتظرة خلال الفترة المقبلة، ضمن برامج الإصلاح الاقتصادي، والتي تتضمن إلغاء الدعم الحكومي أو تخفيضه ورفع أسعار الوقود والكهرباء، ومن هنا تصبح المنحة محنة وتصبح النعمة نقمة على صغار الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، بعد أن أصبحت هناك قناعة بأن ما تقدمه الحكومات باليمين ربما تأخذه أضعافا باليسار؛ لأن الزيادة المباشرة في الأسعار تكون كرد فعل سريع لزيادة الأجور -وإن كانت زيادة أسعار السلع قد تأتي أيضا من وجود الاحتكار مع نقص العرض في مواجهة الطلب، واستمرار التضخم في الصعود، وانخفاض القوة الشرائية للعملة، في ظل عدم التركيز على العمل وزيادة الإنتاج- ومن ثم تتفاقم المشكلة إذا اقتصرت المعالجة على زيادة لا تسمن ولا تغني من جوع على دخول فئة معيّنة في المجتمع وهم الموظفون؛ لأنه ستكون هناك تبعات كثيرة لتلك الزيادة، على العاملين بالقطاع الخاص وكذلك على أصحاب المعاشات، وفئة الضمان الاجتماعي وفئة الأعمال الحرة، وتحمّلهم أعباءً إضافية لا تتحمّلها دخولهم المتواضعة، فقد يتجه بعض رجال الأعمال إلى الاستغناء عن العمّال عند كل زيادة جديدة في الأجور والأسعار، وبالتالي تزيد معدلات البطالة، ويبقى السؤال الذي نبحث عن إجابته، وهو: مَن يستفيد من زيادة الأجور والمعاشات؟ إذا كانت الأسعار ترتفع وتتضاعف عشوائيا، ويتحمّلها المواطن، على الرغم من أن المنطق يقول إن أي زيادة في المرتبات ستضيف أعباءً جديدة على موازنة الدولة وتزيد العجز، مع ارتفاع الدين العام الخارجي والداخلي، إلا أن الممارسات الفعلية للسياسات المالية قد تكشف عكس ذلك؛ لأن موارد الدولة من إلغاء الدعم ورفع أسعار الطاقة والكهرباء والغاز، قد تفوق نسبة الزيادة الفعلية في المرتبات والمعاشات، وتنتج عنها زيادات غير منظورة يتحمّلها المواطن بدون أن يدري، ما يجعل المواطنين في مرمى صعوبات إضافية عنوانها المزيد من الغلاء واختناق المعيشة، مع الأخذ في الحسبان أن تكلفة زيادة المعاشات يجب ألا يكون لها تأثير على عجز ميزانية الدولة لأن أموال المعاشات في حقيقتها هي حصيلة أقساط سددها أصاحبها من رواتبهم مسبقا، والمفروض أن تستثمر لصالحهم وتعود إليهم، وهذا يعني ضرورة تعديل مبلغ المعاش المستحق لأصحاب المعاشات ليكون حده الأدنى هو قيمة آخر مرتب حصلوا عليه أثناء الخدمة شاملا كل المكافآت والبدلات، لتضاف إليه العلاوات والزيادات التي تقررها الدولة سنويا لهذه الفئة المهضوم حقها، وحتى نحقق شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية؛ لأن أصحاب المعاشات عليهم نفس النفقات والالتزامات الأسرية والحياتية قبل الإحالة إلى التقاعد، بالإضافة إلى متطلبات العلاج التي تتزايد من زيادة العمر مع عدم القدرة على الحصول على عمل إضافي لتعويض النقص في الدخل، ولا ندري من العبقري الذي تفنن في حرمان هذه الفئة التي أفنت عمرها في خدمة المجتمع من الحصول على المرتبات والمزايا التي كانوا يتمتعون بها في حياتهم الوظيفية، فهل ذلك عقاب لهم ولأسرهم التي لا حول لها ولا قوة أمام هذا التعنت من قبل المشرع، الذي غاب عنه ضرورة ضمان حياة كريمة لشريحة أسر العاملين والموظفين المحالين إلى المعاش، الذين تحمّلوا عبء نهضة المجتمع وتقدمه طوال سنوات خدمتهم في مؤسسات الحكومة وشركات القطاع الخاص؛ لأن الزيادة الضئيلة لأصحاب الدخول المتدنية لا تصب في صالح هذه الفئات التي لا تحصل إلا على الفتات مقارنة مع الاعتمادات التي تخصص لكبار الموظفين والوزراء ومن في حكمهم، بعد انتهاء خدماتهم، ولذلك على سبيل المثال لا الحصر نجد تفاوتا كبيرا في الإعلان عن الزيادات التي أقرها مجلسا الوزراء والنواب (البرلمان) المصري، في مستحقات الوزراء ومن في حكمهم من مسؤولين، ستكلف خزينة الدولة ما يصل إلى 7 بلايين جنيه (396 مليون دولار سنويا)، بواقع 42 ألف جنيه شهرياً (2373 دولارا) لكل مسؤول كبير، وبين تكلفة زيادة الأجور والعلاوات والمعاشات لباقي فئات المجتمع التي لا تزيد عن 10 أو 15% على أكثر تقدير من معاشاتهم الضئيلة، وهي لا تمثل سوى ذرة صغيرة في مواجهة متطلباتهم الكثيرة، الأمر الذي يحتم مراجعة منظومة قانون التقاعد، بما يضمن الحياة المستقرة والكريمة لآبائنا وأمهاتنا الذين يُحالون إلى التقاعد سنويا بعد سنوات من العمل والتعب والكفاح، على أن يواكب الإعلان عن زيادة الأجور بمراقبة شديدة للسيطرة على الأسواق والتركيز على تثبيت الأسعار قبل تطبيق هذه الزيادات التي لا تُذكر، والتي تضر أكثر مما تنفع؛ لأن غول الأسعار يلتهم كل الزيادات.