أمنية سقطت في الأردن

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٣٤ ص
أمنية سقطت في الأردن

احمد المرشد​

مرّت منطقتنا خلال الأيام الفائتة بأحداث الأردن التي لا أحد يعلم إلى أين كانت تتجه مما استدعى دعم أشقائه الخليجيين وسرعة تجاوب السعودية والكويت والإمارات بحزمة مساعدات اقتصادية عاجلة قيمتها 2.5 بليون دولار بهدف إنعاش الاقتصاد الأردني وجعله ينهض من كبوته وعثرته. ولم تكن الأزمة الاقتصادية مفاجأة للقريبين من المشهد الأردني، فالكل كان يعلم مدى خطورتها على حياة السكان، مما دفع رئيس الوزراء الجديد عمر الرزاز إلى سرعة نزع فتيل الأزمة المشتعلة بالشارع لأكثر من أسبوع تقريبا، ليعلن فور إعلانه توليه منصبه وحتى قبل تشكيل حكومته سحب مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أثار جدلا واسعا ببلاده وتتسبب بالأزمة التي استغلها البعض لمصلحتهم في محاولة لفرض واقع سياسي وليس اقتصادي على الأردن، خاصة أن هؤلاء المحرضين أشاعوا أن الأزمة سياسة وأنها تدخل في إطار لعبة «الربيع العربي» وأن هذا الربيع قد حان أوانه بالأردن. ولم يكتف هؤلاء المحرضون ومنهم بالمناسبة جماعات الإسلام السياسي ودول بالمنطقة، ببث بذور الفتنة بين القيادة الأردنية والشعب، وإنما زايدت على مصلحة هذا الشعب لتصوّر الأزمة بأنها علاقة فارقة بين القيادة والشعب، فإما تبقى القيادة الأردنية كما هي وإما يبقى الشعب.. ولكن في النهاية فطن الجانبان -القيادة الأردنية والشعب- لجذور الفتنة لتعود الحياة الطبيعية بالأردن، رغم أن قرار الحكومة الجديدة بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل لا يعني بالضرورة نهاية الأزمة، هذا في ظل المطالب العديدة بضرورة تغيير هذا النهج في دعم الموازنة الأردنية، وبالتالي لا يكون أمام الحكومة حاليا سوى إنتاج سياسات اقتصادية جديدة ومحفزة لدعم موارد الدولة وتكون مقنعة للمواطن العادي.

نعود لبذور الفتنة وما أشاعه المغرضون بأن هذا «الربيع» يعود للشارع العربي من جديد رغم أن أي شارع عربي بات يكره هذا التعبير أو الوصف البغيض للربيع، فهذا الربيع عاد على سوريا واليمن وليبيا بأشد الويلات والحروب الأهلية. راهن على تكرارها المغرضون بأن «الربيع العربي» قد غزا الأنظمة الملكية التي كانت معصومة من التوتر والاحتقان السياسي، ولكننا نكتشف أن تطورات الأحداث بالأردن فندت زيف مثل هذه المزاعم، وأنه ليس هناك أي علاقة بين هذا «الربيع العربي» وما جرى بالأردن، فالمظاهرات كان دافعها اقتصادي بحت وليس سياسيا لتغيير نظام الحكم أو الاعتراض عليه. ففي بقية الأنظمة السياسية التي تعرّضت لمثل هذا الربيع الغاشم والحروب الأهلية ودمار الدول وتشريد الشعوب، كان يعيب تلك الأنظمة أنها «طرشاء وعمياء»، أو كما يقول المثل المصري «ودن من طين وودن من عجين». فالأنظمة التي نتحدث عنها لم تُلقِ بالا بحاجات شعوبها وضرورة تطوير حياتهم اقتصاديا واجتماعيا، بعكس القيادة الأردنية فهي تتبنّى سياسات عملية طوال الوقت وقريبة من الشعب ولا تتوانى في تغيير أي حكومة تقف ضد إرادة هذا الشعب، فهي تضحي بالحكومة من أجل مصلحة شعبها، وهذا عهدها دوما لأنها ترتبط برباط وثيق مع مواطنيها، وتدير الأزمات قياسا بنبض الشارع وليس بنبضها هي، وتتعامل مع الحراك الشعبي قبل أن يبدأ، ويؤكد لنا تاريخ تغيير الحكومات بالأردن أن التضحية بالحكومة هو الحل الأسرع والأمثل عند مواجهة أي أزمة. وفي الأزمة الأخيرة تحديدا، فات على المغرضين أو لعلهم تناسوا أو تعامت أعينهم عنه، أن سبب الأزمة الاقتصادية بالأردن يعود إلى تدخلات صندوق النقد والبنك الدوليين والأزمات الإقليمية التي باتت تعصف بالأردن الذي يعد أكبر مستقبل لموجات الهجرة واللجوء من سوريا حاليا والعراق إبان أزمة الخليج وما بعدها ثم بداية باللاجئين الفلسطينيين. ومن هنا ندرك أن أسباب الأزمة خارجة عن إرادة القيادة السياسية الأردنية، ومن هنا كانت سرعة استجابة دول الخليج والوقوف جانب الأردنيين في محنتهم، في خطوة تعكس حجم استيعابهم للمخاطر التي تحيط بالأشقاء ومدى استشعارهم بالمخاطر المحدقة بدول المنطقة وضرورة الحفاظ على أمن الأردن واستقراره وإنقاذه من براثن الفوضى.

كما فات على المغرضين الذين يسارعون إلى استغلال أي حدث طارئ بدولة عربية مستقرة لبث بذور الخراب بها، أن القيادة الأردنية نجحت في الاستثمار في المواطن الأردني، بجودة تعليمه ليكون عنوانها في الخارج والخليج، وباتت المستشفيات الأردنية قبلة علاج للعرب لجودة الخدمات الطبية المقدمة للمرضى من كل حدب وصوب. وبما أننا نتحدث عن مؤامرات تحاك ضد الأردن، فالمملكة تتعرّض لما نستطيع وصفه بـ«المؤامرة» ، وتقود هذه المؤامرة أمريكا وإسرائيل بهدف الانتهاء من «صفقة القرن» وإجبار الأردن على القبول بها والموافقة عليها والمشاركة فيها مضطرة بغض النظر عن قناعاتها الحقيقية الرافضة لمثل هذه الصفقة. وبدون الدخول في تفاصيل بالتركيبة السكانية الأردنية، فعمّان ترتبط ارتباطا وثيقا بالقضية الفلسطينية وتطورات الصراع العربي - الإسرائيلي. ومن الطبيعي أن ندرك في مثل هذه الأوضاع والتطورات والتوقيت مدى الدور الأردني الذي تنتظره واشنطن وتل أبيب من أجل تمرير صفقة القرن لصالح إسرائيل، وبالتالي ليس أمام واشنطن وتل أبيب سوى إثارة الفتن داخل المملكة عبر صندوق النقد والبنك الدوليين، ليكون الاقتصاد والدوافع المعيشية هي معول الهدم في المملكة وإلا ترضخ للموافقة على الصفقة وتسويقها لبقية الدول العربية.
لقد تحمّل الأردن تبعات موقعه الجغرافي، فكان ملاذا آمنا للفلسطينيين في 1948 و1967 ثم العراقيين بعد غزو العراق للكويت ثم تحمّل العبء الأكبر من الأزمة السورية حيث كان الملجأ الآمن للنازحين السوريين من الحرب الأهلية في بلادهم، فالأردن إذن هو الملاذ للمنكوبين العرب فيما سعى البعض لجعله أن يكون هو المنكوب ولكنهم يمكرون والله خير الماكرين. فقد أرادوا إشعال عود الثقاب ببرميل الأزمة الاقتصادية واستغلال الحكومة السابقة فرض ضريبة الدخل، ولكن سرعة احتواء القيادة الأردنية والسعودية والإماراتية والكويتية لأبعاد الأزمة ساهم في تخفيف الاحتقان في دولة كانت ضحية لموقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية وتكالب البعض عليها لإسقاطها وتدميرها.

قبل الأخير...

ربما ذكرنا مشهد اللقاء التاريخي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم يونج أون بمشهد آخر كان بطلاه هما الرئيسان الأمريكي ريتشارد نيكسون والصيني ماو تسي تونج، فالمشهد الأول جاء نتيجة ما أطلِق عليه «وفاق البنج بونج» ارتباطا بمباراة تنس الطاولة الشهيرة التي جمعت منتخبي البلدين لتذيب عشرات السنوات من القطيعة والحروب بين البلدين.. والمشهد الأخير ربما يكون بداية لعهد جديد أيضا من التوافق بين واشنطن وبيونج يانج بعد عقود من القطيعة والتلاسنات والحروب التي أسفرت عن مقتل ثلاثة ملايين كوري و37 ألف أمريكي وأكثر من مئتي ألف متطوع صيني نتيجة حرب أعلنها كيم إيل سونج جد كيم يونج أون العام 1950.
إن المصافحة التاريخية بينه وبين ترامب قد تمنح الأمل لمنطقة شرق آسيا في العيش بسلام وآمان من المخاوف النووية واحتمالات نشوب حرب في أي وقت..
تعلمنا قمة سنغافورة بين ترامب وكيم يونج أون أن الجميع أدرك عدم جدوى المواجهات المفتوحة والتهديدات المستمرة، وأن العالم يدار حاليا بمنطق الصفقات. وليس أمامنا سوى الصبر لرؤية ما أسفرت عنه القمة، فالعملية معقدة ولن تنتهي بين عشية وضحايا، فالمفاوضات صعبة ولم تتكشف الكواليس بعد، ثم نرى من انتصر في تلك المصافحة، هل العالم بأسره؟.. أم سيدة العالم أي الولايات المتحدة؟.. أم كوريا الشمالية والصين؟.. فلننتظر ونرى ما ستكشفه الأيام والأسابيع المقبلة.

كاتب ومحلل سياسي بحريني