ربكة الأخبار المتضاربة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٤٤ ص
ربكة الأخبار المتضاربة

فريد أحمد حسن

المتابعون لتطورات الأوضاع في المنطقة لا بد أنهم يلاحظون حجم التناقض في الأخبار التي تصلهم من الأطراف ذات العلاقة بأي مشكلة، فما يقوله طرف ويؤكد عليه يختلف تماماً عن الذي يقوله الطرف الآخر ويؤكد عليه، الأمر الذي يوقع المتلقي – خصوصاً غير المتابع بدقة للأحداث - في حيرة فلا يعرف الذي يجري ولا يعرف أيهما الطرف غير المبالغ في نقل الأخبار والمعلومات وأيهما المروج لغير الصحيح منها.

ما حدث في الأيام القليلة الفائتة في مدينة الحديدة اليمنية يوفر مثالاً على هذا، حيث سعى الطرف الذي يتخذ من الحوثيين موقفا والمساندون له إلى إقناع جمهور المتلقين بأن قوات التحالف العربي تحقق تقدما كبيرا في الميدان، وأنها قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على كامل المدينة بعد السيطرة على مطارها، وأنها تحاصر أنصار الله من كل جانب، بينما اهتم الطرف المؤيد لأنصار الله والمساندون له بإقناع جمهور المتلقين بأن كل ما يقال في هذا الخصوص غير صحيح، وأنه مجرد ادعاء وأن المطار وكل المواقع الحيوية لا تزال بيد أنصار الله بل إن قوات التحالف تراجعت بعدما وجدت المقاومة التي لم تتوقعها. وهكذا الحال فيما يخص الخسائر، حيث استمر كل طرف في القول بأن الطرف الآخر تكبد خسائر كبيرة، وأن قتلاه بالعشرات وجرحاه بالمئات وآلياته المدمرة صار يصعب عدها. أما ما يحدث على أرض الواقع فليس معلوما بدقة، وليس معلوما ما إذا كان بالفعل قد حقق أحد الطرفين تقدماً حقيقياً يمكن وصفه بالنصر أو يمكن أن يقود إلى نصر قريب.

إعلام كل طرف بذل كل ما باستطاعته كي يظهر الطرف الذي يمثله متقدماً ومنتصراً وليظهر الطرف الآخر متأخراً ومهزوماً ومتكبداً الكثير من الخسائر. هذا الأمر بدا واضحاً في الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، حيث بثت بعض الفضائيات تقريراً يظهر سيطرة قوات التحالف على مطار الحديدة، وبثت فضائيات أخرى تقريراً يظهر استمرار سيطرة أنصار الله عليه وكلا التقريرين يوحيان بأنهما أنتجا في المطار،
ولأن الواضح أن حسم معركة الحديدة يبدو بعيداً – وهذا ما توحي به الأخبار المتناقضة والتقارير المتضاربة التي تصل من الطرفين إلى المتلقي – لذا فإن الحيرة ستزداد وسيظل الغالبية وربما الجميع غير قادرين على فهم ما يجري والتنبؤ بنهاية هذه المعركة التي متضررها الأكبر هم المدنيون الذين يمكن أن ينضموا في أي لحظة إلى قائمة الضحايا.
التناقض في الأخبار ليس مقتصراً على هذه المعركة وليس خاصا بمعارك اليمن، ولكنه اليوم صفة كل المعارك الدائرة في العديد من البلاد العربية، لهذا فإن الحقيقة تضيع ويضيع معها المتلقي الذي بعضه منحاز إلى أحد الطرفين المتقاتلين ويقول بما يقوله وبعضه الآخر يصعب عليه اتخاذ موقف محدد لأنه لا يعرف الذي يجري ويصعب عليه التنبؤ بالنتائج ولا يريد الانحياز لطرف ما.في سوريا مثلاً يبث كل طرف وينشر عبر وسائل إعلامه المختلفة أخباراً وتقارير تظهر أنه المتقدم في كل المعارك التي تدور هناك وأنه هو المنتصر، وأن الفاصل بين لحظته ولحظة إعلان النصر مجرد لحظة من شأنها أن تغير واقع ومستقبل المنطقة.التناقض في الأخبار لا يقتصر على المعارك الدائرة فقط ولكنه يمتد حتى إلى المتعلق منها بالوساطات الرامية إلى وقفها، ففي الوقت الذي يؤكد بعضها أن طرفاً محايداً بدأ عملية وساطة ومساع حميدة يؤكد بعضها الآخر أن شيئا من هذا القبيل لا يوجد إلا في خيال البعض الأول، حتى مع توفر الصور والفيديوهات التي تظهر وتعين على الاعتقاد بوجود وساطة معينة. مثال هذا الأخبار التي وردت عن وجود مبعوث أممي في اليمن يقوم بعرض أفكار لوقف الحرب في الحديدة بشكل خاص، حيث قالت بعض الأخبار إن المبعوث الأممي يحمل مقترحا من قوات التحالف وقال بعضها إن شيئا من هذا القبيل غير موجود وإن الأمر ليس إلا محاولة لرفع معنويات جنودها وإيهام عناصر الحوثي بأن المعركة ليست في صالحهم وإنهم مهزومون لا محالة.
التناقض في الأخبار الواردة من الميدان أو بالأحرى الميادين تضع المحللين في حيرة وتجعل كتاب المقالات غير المنحازين للأطراف ذات العلاقة يجدفون على غير هدى فيسهمون في جعل المتلقي في حيرة أكبر خصوصا إن اضطروا إلى نقض بعض ما كتبوه بناء على ما استجد من أخبار ومواقف وما استطاعوا الوصول إليه من معلومات عبر مصادرهم الخاصة.
مثال أخير. المتابع للفضائيات المعبرة عن قوات التحالف العربي يعتقد أن الأمور في الحديدة كلها تسير في صالح هذه القوات وأنها على وشك حسم المعركة وإعلان النصر، والمتابع للفضائيات المتعاطفة مع أنصار الله والمعبرة عن ما صار يعرف بـ «محور المقاومة» يعتقد أن الأمور في هذه المدينة كلها تسير في صالح أنصار الله وأن هزيمة قوات التحالف العربي وشيكة. وكل هذا يزيد من حيرة المتلقي.

*كاتب بحريني