رسالتان.. تقهران..

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٢٠ ص
رسالتان.. تقهران..

لميس ضيف

في صبيحة واحدة؛ تلقيت رسالتين نفذتا لتحت جلدي وأثارتا غضبي وعجبي في آن واحد.
أما الأولى فكانت مرفقة بصورة قدم متحجرة، مرفقة برواية تزعم أن صاحب هذه القدم داس على القرآن الكريم فاحترقت قدماه جزاء على ذلك. والمستفز في الأمر؛ لم يكن حقيقة أن الصورة المرفقة كانت لقدم من الآثار المتكلسة وليست هناك علامة واحدة على أنها تعرضت للحرق. ولا حقيقة أننا لم نسمع برواية كهذه ونحن المتابعون لأخبار الشرق والغرب. بل المستفز بالأمر أن الرسالة ذُيلت بعبارة تتوعد من لا يُعيد إرسال هذه الرسالة بمصيبة ستقع له خلال 10 أيام وتتهم من لا ينشرها بأنه عدو لله ولرسوله وأن الشيطان -وحده- هو ما سيمنعك من توزيع الرسالة لا أي سبب آخر كاحترام عقل الآخرين أو إعفائهم من ضجيج الرسائل السمجة!
الرسالة الأولى وصلني من سيدة كبيرة، شديدة التدين، فاستنكرت في سري إيمانها بهذه الخزعبلات والتهديدات التي تتناقض مع أعمدة الإيمان بالقدر ولكني التمست لها بعض العذر. وكانت الطامة هي أني استقبلت الرسالة ذاته من معلمة يُفترض بها أن تفتح مسارات الوعي في عقول تلامذتها. ثم استقبلته من طبيبة تعرف تماما أن تلك الصورة غير حقيقية. ثم استقبلته من والدتي التي علمتني أن لا أصدق كل ما يقال لي فرفعت الراية البيضاء، فعلى ما يبدو أن الناس تتداول تلك الرسائل دون تفكير. أو أن العقل الجمعي المسيطر على الناس بات يجنح لتصديق أي شيء طالما غُلف بالغلاف الديني المناسب.
أما الرسالة الثانية فكانت عن وجود شواغر وظيفية للمواطنين العمانيين في دولة خليجية. بمميزات يتمناها أي طالب عمل ويحلم بها حتى من قبض كارها على وظيفة متواضعة محدودة الدخل. وتلك الرسالة أرسلت مرارا وتكرارا خلال ساعات معدودة. وتداول الناس -شفاهة- الخبر وكأنه مغنم واستبشروا به كصيد ثمين. ورغم أن جهات رسمية نفت صحة ما يتداول إلا أن الناس لم تتداول النفي كما تداولت الشائعة ولا عجب في ذلك. فالنفس تستعصم بالأمل ولو كان بصيصا لا يُرى في الظلام. ما أغضبني في هذا الموضوع هو هاجس جال بخاطري: فأي شخصية سيكوباثية مريضة تلك التي "تخترع" أمرا كهذا تدغدغ به مشاعر الناس وتتلاعب بعواطفهم بل وتعرضهم لحرج لو تكبدوا بالفعل عناء مطاردة هذا الحمل الكاذب الذي لن يلد لهم إلا الحسرة والقهر.
حذرنا وحذر غيرنا مرارا.. المصدر أهم اليوم من الخبر نفسه في عالم يستخدم فيه الإعلان كسلاح وأداة.. والشائعات التي تحوم حولنا ليست بريئة وساذجة دوما وقد تكون أفواه غربانها محملة بالسموم أيضا. فارحموا أنفسكم -وارحمونا- من السيل الهادر للرسائل العبثية الفارغة ولا تكونوا تبعا لكل ناعق وتاجر حلم يريد أن يتلاعب بكم أو بالآخرين من خلالكم.