اليمن.. تحرك جديد لفشل قديم!!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/يونيو/٢٠١٨ ٠٤:١٣ ص
اليمن.. تحرك جديد لفشل قديم!!

علي ناجي الرعوي

يترقب اليمنيون بفارغ الصبر اللحظة التي ستتوقف فيها رحى الحرب الدائرة في بلادهم منذ ما يزيد عن 40 شهراً للخلاص من معاناتهم غير المسبوقة لكن يبدو أن هذه اللحظة لم تأت بعد فالتصعيد العسكري والتحشيد على الأرض يتواصل بوتيرة عالية والصراع بين المحاور الإقليمية والدولية حول اليمن وعليه يزداد كل يوم تعقيدا ولا بوادر حتى الآن تطمئنهم بأن حريق هذه الحرب سينطفئ في الوقت القريب رغم الضجيج الإعلامي الذي يصم الآذان عن الجهود والمساعي التي تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف التصعيد في جبهة الساحل الغربي وإعادة أطراف الصراع إلى طاولة التفاوض والحوار إلا أن ما نسمعه جعجعة ولا نرى طحينا كما يقول المثل العربي القديم.
فكما كان متوقعاً فقد أخفق مجلس الأمن الدولي الاثنين الفائت في جلسته الطارئة وغير المقررة في تحقيق أي إنجاز يذكر في هذه الجلسة التي خصصت لبحث التصعيد العسكري الذي يشهده الساحل الغربي في اليمن، والذي تسعى من خلاله القوات الموالية للتحالف العربي الى اقتحام مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي وانتزاعهما من الطرف الآخر بالقوة إذ انه ورغم التصريحات المتعددة التي عبر فيها أعضاء المجلس عن قلق بلدانهم تجاه هذا التصعيد وتداعياته على حياة السكان المدنيين فلم يتمكن المجلس من الاتفاق على إيجاد آليات جديدة لحل مسألة التحكم بميناء الحديدة والذي أصبحت السيطرة عليه مثار خلاف كبير بين التحالف العربي وحركة أنصار الله بالنظر إلى أهمية هذا الميناء الحيوي الذي يستقبل 70% من واردات اليمن الغذائية والسلعية حيث اكتفى المجلس ببيان مقتضب لا يحمل أي موقف بل انه بدا غير مكترث بما يحدث وترك الأمر للمبعوث الأممي مارتن غريفيث وما يمكن أن يقوم به من جهود لمنع اقتحام مدينة الحديدة ومينائها.
التعقيد في المشهد الحالي وان كان ليس مفاجئا فهو من يقترن بتناقضات المواقف واختلاف التفسير للأحداث المتسارعة لذلك يتعزز داخل السلطة المعترف بها دولياً والمسنودة من التحالف العربي شعور متنامٍ من أن السيطرة العسكرية على الساحل الغربي، وانتزاع ميناء الحديدة الذي يعد الميناء الوحيد المتبقي بيد سلطة صنعاء أو حركة أنصار الله من شأنه أن يغير موازيين القوى على الأرض لصالح هذه السلطة والقوى التي تقف إلى جانبها، ويفرض على الطرف الآخر القبول بالتسوية التي سبق وأن رفضها واعتبرها بمثابة إعلان استسلام فيما تراهن سلطة صنعاء التي تقودها حركة أنصار الله على الحشود البشرية والكثيفة من المقاتلين الذين دفعت بهم إلى هذه الجبهة بهدف إفشال أي هجوم على ذلك الشريان الحيوي الذي تعد خسارته حربا أو سلما بالنسبة لسلطة صنعاء يماثل خسارة الحرب كلها، ولذلك حرص مسؤولوها على النزول إلى مناطق الساحل لدعوة أبنائها إلى وقف الحياد والنأي بمناطقهم حتى لا تكون مسرحاً لحرب طاحنة قد تطول لزمن أبعد مما يتوقعه البعض، ولمثل هذا الخطاب دلالاته العسكرية والمعنوية إضافة إلى أنه يسعى إلى بعث الثقة لدى أنصار هذه السلطة حيال قدراتها الحربية وجاهزيتها لمقارعة خصومها، وأنها من تعتبر هذه المعركة معركة حياة أو موت.
وسط هذه التطورات الميدانية وانفعالات أفرقاء الحرب جاءت مفردات المبعوث الأممي مارتن غريفيث في ظهوره الثاني بصنعاء لتؤكد على أن اهتمامه سينصب على تحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية انطلاقاً من خطة السلام التي سيعرضها على مجلس الأمن الدولي الاثنين المقبل والتي قال إنها ترمي إلى إيقاف كارثة الحرب وإنهاء الاقتتال ودفع أطراف الصراع للقبول بحل سياسي عادل وشامل يخدم اليمنيين، ويعيد جزءاً من السكينة إلى نفوسهم بعد ان عاشوا أهوال الحرب وفضائعها على مدى أكثر من ثلاث سنوات دمرت فيها بقايا أحلامهم وتطلعاتهم في حياة آمنة ومستقرة إلا أنه وفي موازاة هذا التفاؤل الذي أبداه المبعوث الأممي في أعقاب المشاورات التي أجراها في الرياض وصنعاء أظهرت التصريحات التي صدرت عن أطراف الحرب بعد أيام من لقاءاتها مع المبعوث الأممي بأن تلك الأطراف غير جاهزة للتفاوض أو مستعدة لتقديم أية تنازلات من أجل إنهاء الحرب، وأن كل طرف فيها ما زال يتمترس وراء مواقفه ورؤيته للحل وعلى النحو الذي يسهم في عرقلة وإفشال أية محاولة لحلحلة الأزمة أو إيجاد متنفس ينعش العملية السياسية التي يسعى مارتن غريفيث إلى إعادة إحيائها من جديد بين أطراف تائهة ومتخبطة يعتقد كل منها أن بإمكانه حسم المعركة والصراع لصالحه والظفر بالنتائج بمعزل عن أي تفاوض أو حوار.
أيا كانت توجهات خطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث والتي وعد قبل شهرين من أنها ستأتي متوازنة وعلى درجة عالية من الحياد والنزاهة عوضاً عن استيعابها لكل الخطوات والإجراءات الكفيلة بإخراج اليمن من بؤرة الحرب والتوترات السياسية والعسكرية فقد برهنت تجربة أربع سنوات أن تدخلات الأمم المتحدة ظلت أسيرة لمواقف الدول الكبرى وتجاذباتها وتقاطع مصالحها ولذا لم تفلح كل الحلول التي سعى لها اليمنيون بمعية المنظمة الدولية في لجم الحرب وابتداع تسوية مقبولة من كل الأطراف لتتكفل المعارك بملء الفراغ السياسي بعد أن أصبح لكل طرف داخلي حاضن إقليمي ودولي يزوده بالمال والسلاح ويغطيه سياسيا لتتفتت فسيفساء المجتمع اليمني الى جماعات وعصب وتكتلات تتقاسم المناطق، وتتقاسم النفوذ وتتقاسم أيضا عوائد ومنافع الحرب التي حصدت آلاف القتلى والجرحى والمشردين وخلفت ملايين الجوعى والمرعوبين.
قبيل مغادرته صنعاء تحدث غريفيث لوسائل الإعلام عن إيجابيات المواقف التي حصل عليها خلال لقاءاته بطرفي النزاع والأسبوع المقبل سيكون الفاصل لإزالة الغموض عن خطة الرجل وعلى ضوء المواقف التي ستصدر من قبل الأطراف اليمنية والتحالف العربي يمكن قراءة اتجاهات المسار التفاوضي وجدية المجتمع الدولي هذه المرة لدعم هذا المسار وإنجاح خطواته مع أن كل المعطيات تشي إلى أن أية خطة لا يمكن لها كسر حالة الجمود التي تكتنف المسارات السياسية دون ضغوط على كافة الأطراف المتخاصمة ودفعها للابتعاد عن الشروط والشروط المضادة والدخول في حوار بناء ينهي آثار الكارثة التي تزداد معها آلام الناس ومعاناتهم واني أراها فرصة تاريخية أخيرة لإنقاذ عشب اليمن اليابس وحماية أطلالها التي دمرتها الحروب والصراعات المتتالية.

كاتب يمني