التربية تستعير معلمين من الخارج!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/يونيو/٢٠١٨ ٠٣:٢٠ ص
التربية تستعير معلمين من الخارج!

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الخريجين والخريجات في مجالات التربية المختلفة، ليقبعوا في منازلهم في انتظار فرج الوظيفة الحكومية في مدارسنا، نجد وزارة التربية والتعليم تهرع لاستقدام معلمين ومعلمات من عدد من الدول الشقيقة والصديقة في مفارقة غريبة في هذا الوقت بالذات الذي ينبغي فيه الالتفات للكوادر الوطنية للعمل في كافة قطاعات الدولة وخاصة التعليم الذي مازال يحتاج إلى كوادر في مجال التدريس و التربية بشكل عام.
وفي خضم هذا التعاطي غير المتوازن وغير المتسق مع الجهود الحكومية لإيجاد فرص عمل للكوادر الوطنية، في هذا الوقت الذي نجد فيه أن هناك جهات حكومية مختصة تبذل جهودا كبيرة في توظيف الشباب العُماني في القطاع الخاص عبر إقناع المؤسسات لإحلال الكوادر الوطنية في العديد من المجالات وضرورة الالتزام بخطط التعمين وغيرها وما يعتري ذلك من إشكاليات من كل الأطراف، في المقابل نرى وزارة التربية والتعليم تتجه لاستعارة معلمين من عدد من الدول العربية والأجنبية للعمل في مجال التدريس في المدارس الحكومية للأسف، في تناقض يعكس عدم التنسيق وعدم تناغم الجهود في هذا الشأن لإدارة ملف التوظيف في الدولة بكفاءة عالية، بل عدم وجود تبرير مقنع للمجتمع بهذا التعاطي باستعارة معلمين ومعلمات من الخارج في حين أن أبناءنا الخريجين ينتظرون في البيوت.
فبعض الكوادر الوطنية تم رفض توظيفهم في مجال التدريس بحجة عدم اجتيازهم لامتحانات القبول على ما يبدو من جانب وزارة التربية والتعليم، تاركة هذه الطاقات التواقة للعطاء هائمة على وجهها وبغير أن تجد المعين والسند في بلادها، إذ كان في إمكان الوزارة الموقرة إعادة تأهيلهم وإعطائهم فرصة أخرى كتأكيد ناطق وعملي على حرصها عليهم باعتبارهم مواطنين في المقام الأول وهم أحق من غيرهم بطبيعة الحال بخدمة بلادهم وباعتبار أن توظيفهم هو هدف من الأهداف العليا للحكومة.
ما من شك أن الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية المختصة كوزارة القوى العاملة في إيجاد فرص عمل للشباب العُماني كبيرة ومقدرة في ظل الظروف الاقتصادية المعروفة، وقد أفلحت حتى الآن في توظيف ما يربو على 33.000 باحث عن عمل في العديد من الشركات وأوقفت ما يزيد على 160 مؤسسة لم تلتزم بخطط التعمين، ثم هي ما برحت تحدد الأطر وتصدر القرارات واللوائح التي تضبط مسار التعمين وفق الإمكانيات المتاحة. وبالتالي فإن خطوة وزارة التربية والتعليم بطلب معلمين من خارج السلطنة في هذا الوقت نحسبها تغريدة خارج السرب، وتنتقص من الجهود التي تبذلها الحكومة التي تنتمي لها في هذا الصدد بهذه الممارسات التي لا نرى لها مبررا مهما كانت باستعارة المعلمين من الخارج في مفارقات غريبة أن تكون بهذا الشكل المتناقض بين أولويات توظيف أبنائنا أم توظيف أبناء الآخرين.
كما أن مستويات الكثير من المعلمين الوافدين ليست بذلك القدر العالي من المستويات العلمية إذا قارنا جامعاتهم وكلياتهم وأوضاع التعليم في الدول العربية، كما إن قدراتهم محدودة في العديد من الجوانب خاصة التقنية والتي أضحت العمود الفقري في التعليم الحديث، بل وحتى في التخصصات المطلوبة نجد أن مستوى الإلمام بالمناهج العُمانية ضعيف جدا كأمر طبيعي، كما أن مهاراتهم وقدراتهم الفردية في التعليم والتلقين لا تقارن بمستويات الخريجين والخريجات العُمانيين وارتباطاتهم بمجتمعهم.
فإذا كانت وزارة التربية والتعليم قد بررت خطوتها أن بعض المعلمين لم يجتازوا الامتحانات على سبيل المثال، فإنه وفي المقابل فإن هناك نقصا جوهريا لا يمكن تعويضه مصاحب للوافدين يتمثل في الإطلاع على المناهج العُمانية وضعف الثقافة عن البلاد وإشكالات اللهجات والتكيف مع البيئة والتناغم مع متطلبات الطلبة، كلها جوانب تؤثر على المستوى التحصيلي للطالب العُماني الذي نرى أن على الوزارة مراعاته.
بالطبع نشاطر الوزارة الرأي في أهمية اختيار الكفاءات وعقد الامتحانات وغيرها من ضروريات الاختيار السليم، لكن هناك وسائل أخرى يمكن اتباعها من أجل إعداد وتأهيل الكادر الوطني باعتباره الأحق بالرعاية والأحق بالتوظيف والأقدر على إيصال المعلومة لأبناء وطنه، وهي نقاط جوهرية لا يمكن إغفالها تحت أي منطق كان.
وإذا كانت الحكومة لديها بعض الاتفاقيات المتبادلة مع بعض الدول تختص بإعارة المعلمين والمعلمات، فإن تلك الاتفاقيات كانت لفترات وظروف معينة، نعتقد أنها انتفت في الوقت الراهن بوجود كوادر وطنية لهم الأولوية القصوى في التوظيف ويمكن التوجيه باستقدام قوى عاملة من الدول الشقيقة والصديقة للعمل في القطاع الخاص كبديل لهذه الاتفاقات غير الملزمة أصلا.
نأمل من وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم أن يعملا على توظيف المعلمين والمعلمات العُمانيين، وعدم الاستعانة بمعلمين أجانب في ظل المعطيات الراهنة التي ما برحت تلح على الحكومة لإيجاد فرص عمل للباحثين عنه وتأهيل كل خريج غير مؤهل على سبيل المثال فهؤلاء أبناؤنا لا يمكن التنصل من مسؤولياتنا تجاههم بهذه الطرق وأيا كانت الأسباب، فضلا عن أنه يجب النظر بعين الاعتبار للفوارق العلمية والثقافية بين المعلمين العُمانيين ونظرائهم الأجانب في العديد من الجوانب التي لا تخفى على أحد وتأثيراتها على العملية التعليمية والتربوية.