بريد دولي لطهران

الحدث الأربعاء ١٢/يونيو/٢٠١٩ ١٢:٥١ م
بريد دولي لطهران

طهران-واشنطن-وكالات

حذّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال استقباله في طهران امس نظيره الألماني هايكو ماس من أنّ «الحرب الاقتصادية» التي تشنّها الولايات المتحدة على بلاده قد تنعكس سلباً على «أمن» واشنطن وحلفائها، في «تهديد» سارعت الخارجية الأميركية إلى تسخيفه. ويأتي التحذير الإيراني وسط توتر بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية فيما عبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن «قلقها ازاء تصاعد التوتر» الحالي.

وقال ظريف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ماس «لا يمكن توقّع أن تكون هناك حرب اقتصادية جارية ضد الشعب الإيراني وأن يظلّ الذين شنّوا هذه الحرب أو يدعمونها في مأمن». وأضاف أن «التوتر الجديد في المنطقة هو نتيجة الحرب الاقتصادية على إيران»، في اشارة الى حملة «الضغوط القصوى» التي تشنّها الولايات المتحدة ضد إيران وخصوصاً عبر العقوبات الاقتصادية التي أعادت واشنطن فرضها على الجمهورية الاسلامية أو شدّدتها منذ 2018.

واشنطن تردّ
ولكن ردّ الفعل الأميركي على تصريح ظريف لم يتأخر كثيراً، إذ اعتبرت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية مورغن أورتيغاس أنّ «التهديدات» الإيرانية لن تقدّم أو تؤخّر شيئاً وأنّ الحلّ الوحيد أمام طهران هو تغيير سلوكها.

وقالت أورتيغاس «هذا لا يثير دهشتنا فإطلاق التهديدات والابتزاز النووي وترويع الدول الأخرى هو سلوك نظام طهران الثوري». وأضافت أنّ «الخيار السهل» أمام إيران هو «أن تتصرف كدولة طبيعية أو ترى اقتصادها ينهار». ولكنّ الوزير الإيراني اعتبر في مؤتمره الصحافي الذي أعقب اجتماعه بنظيره الألماني على مدى قرابة ساعة أنّ «السبيل الوحيد لخفض التوتر في المنطقة هو وقف الحرب الاقتصادية». ولفت ظريف إلى أنّ «ألمانيا والاتحاد الأوروبي يمكنهما لعب دور مهم لخفض هذا التوتر ونحن ندعمهما في هذا الدور».
من جهته قال ماس «نحن في منطقة تعاني من أوضاع خطيرة وحساسة جدا، ولا أعتقد أن تصعيد التوتر وبلوغ المراحل العسكرية هي في مصلحة الجميع، ولهذا السبب نحتاج إلى منع مثل هذا التوتر» كما أوردت وكالة الانباء الايرانية الرسمية.
وكان ماس حض في وقت سابق ايران على احترام الاتفاق النووي المبرم بينها وبين القوى الكبرى وعلى «الحفاظ على الحوار» مع أوروبا.
وفي وقت تقول إيران إن الأوروبيين ليسوا على مستوى التزاماتهم التي تعهدوا بها بموجب الاتفاق الذي أبرم في فيينا عام 2015، ذكّر ماس قبل اللقاء بأن هذا الاتفاق ينطوي «على أهمية قصوى» بالنسبة لأوروبا. وقال «لا نريد أن تمتلك إيران أسلحة نووية».
وأكد ماس أن ألمانيا وشركاءها الأوروبيين «بذلوا أقصى جهودهم للوفاء بالتزاماتهم» بموجب هذا الاتفاق، المهدّد منذ أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه من جانب واحد في أيار/‏مايو 2018 وإعادة فرض سلسلة عقوبات اقتصادية على إيران.

«التزامات»
لكن بعد انسحاب واشنطن، هددت إيران في مايو بالخروج تدريجيا من هذا الاتفاق ما لم يساعدها شركاؤها، ولاسيما الأوروبيين، في الالتفاف على العقوبات الأميركية

وأمهلت الجمهورية الإسلامية الأوروبيين والصينيين والروس شهرين «لتفعيل التزاماتهم خصوصاً في قطاعي النفط والمصارف». وتجعل العقوبات الأميركية عمليا أبسط معاملة دولية مع مصرف إيراني مستحيلةً وتهدف تدابير اتخذتها واشنطن مؤخراً إلى منع إيران نهائياً من تصدير نفطها الذي يعدّ أول مصدر لإيرادات الدول.
وفي حال لم تحصل إيران على استجابة مرضية من شركائها بحلول الثامن من يوليو، هدّدت بوقف بعض التزاماتها ضمن الاتفاق بشأن «مستوى تخصيب الیورانیوم» وباستئناف مشروعها بناء مفاعل للمياه الثقيلة في آراك (وسط) الذي أوقف العمل به تطبيقاً لاتفاق فيينا».
وفيما منعت الشركات الأوروبية الكبيرة من إقامة أدنى علاقة تجارية مع إيران جراء الطابع العابر للحدود للعقوبات الأميركية، بدا الاتحاد الأوروبي حتى الآن عاجزاً عن جعل إيران تستفيد من المنافع الاقتصادية التي كانت تتوقع الحصول عليها بموجب الاتفاق. وأطلقت باريس وبرلين ولندن في مطلع العام «أداة دعم المبادلات التجارية» (انستكس) تهدف إلى الالتفاف على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران، إلا أنها لم تُستتبع بأي تعامل ملموس حتى الآن.

صواريخ بالستية
واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي صباح امس الاثنين أن الأوروبيين «لم يرغبوا أو لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم، وهو أمر مؤسف للغاية.»

من جهته، كتب مدير صحيفة «جوان» المحافظة عبدالله غانجي ساخراً عبر «تلغرام» أن «ملخّص تصريحات ماس: نحن لا شيء من دون أميركا ولسنا قادرين على القيام بشيء فلا تتوقعوا منّا الكثير».

واليابان الى طهران

ويتوجه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الى ايران هذا الاسبوع في مهمة دبلوماسية حساسة يأمل خلالها أن يقوم بوساطة لخفض التوتر بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة.
وسيلتقي الرئيس الايراني حسن روحاني والمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي من 12 الى 14 يونيو في أول زيارة لرئيس وزراء ياباني الى ايران منذ 1978 فيما يسود توتر بين طهران وواشنطن. واوضح مسؤولين حكوميين ان آبي لا يزور طهران حاملا لائحة مطالب او رسالة من واشنطن، وانما الفكرة هي تقديم اليابان كجانب محايد يمكن للطرفين الحديث اليه.
وقال مايكل بوساك مستشار العلاقات بين الحكومات في مجلس يوكوسوكا حول دراسات آسيا-المحيط الهادىء إن «اليابان ليس لديها تاريخيا او دينيا سمات أطراف أخرى تقوم بوساطات وقد أثبتت رغبتها في القيام بها على طريقتها في ما يتعلق بسياستها في الشرق الاوسط».

عراقيل كبرى
وأضاف لوكالة فرانس برس أن «هذه العوامل تضع آبي في موقع أفضل للحديث مع آية الله خامنئي وتشير الى ان الخيارات المقترحة من جانب اليابان يمكن أن تؤمن مخرجا للمتشددين في الحكومة الايرانية بدون مخاطر أن يظهروا كمن يقبل حلولا «غربية». وكان الناطق باسم الحكومة اليابانية يوشيهيدي سوغا قال في الاونة الاخيرة «نعتقد أنه من المهم جدا، وعلى مستوى القيادة، أن ندعو ايران كقوة إقليمية كبرى الى تخفيف التوتر والالتزام بالاتفاق النووي ولعب دور بناء في استقرار المنطقة». وفي ايران يرى المعلقون من جانبهم أنه من الممكن أن يتولى آبي نقل رسائل بين الطرفين.

وقال ابراهيم رحيم بور مساعد وزير الخارجية الايراني السابق لصحيفة «شرق» الايرانية إن «زيارة آبي تأتي بعد زيارة ترامب الى اليابان وبالتالي لدى الاميركيين مصلحة في استخدام هذه القناة». وأضاف أن «ايران ستوضح حقوقنا وموقفنا ويمكن أن ينقل الطرف الاخر الرسائل التي ستكون رسائل الرئيس الاميركي».
لكن اذا كانت اليابان تفاخر بعلاقاتها القديمة مع طهران وروابطها المتينة مع واشنطن، لكن هامش المناورة لدى آبي يبقى محدودا لدى الطرفين كما يرى خبراء.
وقال توبايس هاريس المحلل لدى شركة الاستشارات «تينيو» في مذكرة نشرت قبل الزيارة المرتقبة بين 12 و 14 يونيو إن زيارة آبي «ستشهد عراقيل كبرى وفرص نجاحها ضئيلة» مضيفا أن «اليابان تقيم علاقات جيدة مع البلدين لكن ذلك لا يترجم بالضرورة نفوذا».

مصالح ايضا
واليابان لا تقوم بهذا الدور لمجرد الوساطة، وانما مصالحها الخاصة باتت على المحك. فقبل إعادة فرض العقوبات الاميركية، كانت تستورد حوالى 5% من نفطها من ايران وتعاني من ارتفاع اسعار النفط.

من جانب آخر تقدم الزيارة لرئيس الوزراء الياباني فرصة نادرة أن يلعب دور رجل دولة على الساحة الدولية وخصوصا بعد خيبات اليابان الأخيرة في هذا المجال.
فقد فشلت الجهود التي بذلها آبي لحل الخلاف مع روسيا حول جزر متنازع عليها بين البلدين بالفشل، كما بقيت اليابان من جانب آخر بعيدة عن مناورات دبلوماسية متعلقة بكوريا الشمالية.
وقال تيتسورو كاتو استاذ العلوم السياسية في جامعة واسيدا في طوكيو إن آبي «بحاجة الى نجاح دبلوماسي في وقت وصلت فيه جهوده الى طريق مسدود بشأن روسيا وكوريا الشمالية».
وأوضح لوكالة فرانس برس «لكن اليابان لم تلعب أبدا دورا فاعلا في قضايا الشرق الاوسط» مضيفا «لذلك لا أتوقع الكثير في مجال النتائج».
وأضاف بوساك «سيكون من غير الواقعي» توقع نتائج سريعة.
وقال «الامر الملح في الوقت الراهن هو خفض مخاطر اندلاع نزاع عسكري، ما يعني أن آبي يمكن أن يستخدم الدبلوماسية المكوكية لابقاء الاتصالات» قائمة.
وأضاف «هذه الدبلوماسية المكوكية قد تكون كافية لخفض حدة التوتر».