الحرائق المتجمدة في القوقاز

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/مايو/٢٠١٦ ٠٠:١٦ ص
الحرائق المتجمدة في القوقاز

ديفيد إجناتيوس

توقع القائد العسكري لهذه الجمههورية الأرمينية الانفصالية (ناجورنو قرة باغ) في مقابلة معه يوم الاثنين الفائت أن الهدنة الهشة يمكن أن تنهار في غضون أيام. وقبل تلك الليلة، كان القصف الأذربيجاني قد قتل اثنين من الجنود الأرمن في إحدى البلدات الحدودية الشمالية، وسط اتهامات من قبل كل طرف أن الطرف الآخر هو الذي خرق الهدنة.
لقد انفجر "الصراع المجمد" هنا، والذي ظل مشلولا لمدة 22 عاما، في الثاني من أبريل، عندما هاجمت القوات الأذربيجانية عبر الخط الحدودي البالغ طوله 200 كيلومترا. وقد استولى الأذربيجانيون على أرض للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب السابقة في عام 1994. وقد تفاوضت روسيا على هدنة سريعة بدأت في الخامس من أبريل، ولكن كما أظهر القتال المتجدد يوم الاثنين الفائت، فإن صراعا شاملا آخر يبدو وشيكا بشكل خطير.
وقرة باغ هي واحد من الصراعات المستعصية التي تحظى بأقل قدر من النقاش والاهتمام في العالم. لقد انفصل السكان الذين معظمهم من الأرمن بعنف عن أذربيجان في حرب استمرت عامين. ومنذ ذلك الحين، رعت كل من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة جهود وساطة، ولكنها كانت جهودا عقيمة: فأذربيجان تطالب باستعادة الأرض التي كانت في يوم من الأيام داخل حدودها؛ ويصر الأرمن على عدم مغادرة تلك الأرض. وعوضا عن أن يلين الغضب مع مرور الوقت، يبدو أنه يتصلب على كلا الجانبين.
وروسيا بين الطرفين بصورة انتهازية. تقول موسكو إنها تريد التوسط في التوصل إلى اتفاق سلام دائم، ولكنها أيضا تقوم بتسليح الجانبين. وتأمل الولايات المتحدة أيضا منع نشوب صراع أوسع ولكن نفوذها السياسي ضئيل. وفي ظل رؤيتهم التي تشكلها وسائل إعلامهم الاجتماعية، يشعر الأذربيجانيون بشجاعة وجرأة أكبر بسبب هجومهم الأخير؛ في حين يشعر الأرمن بالعزلة والتوافق على نحو متزايد مع ما وصفه لي ناشط سابق في مجال السلام هنا بأنه حالة من "الحرب الدائمة".
لقد زرت قرة باغ مع عدد من الصحفيين الأجانب الآخرين وأحد أعضاء البرلمان الأوروبي في رحلة نظمتها الحكومة الأرمينية. وقد أخذتنا الرحلة بالطائرة الهليكوبتر التي استغرقت 90 دقيقة عبر تضاريس جبلية رائعة إلى هذا الجيب الخصيب المعزول الذي معنى اسمه – قرة باغ - "الحديقة السوداء". وخلال زيارتي القصيرة، بدا المكان أشبه بسويسرا في القوقاز – ليس فقط الجبال ولكن أيضا الشوارع المنظمة والمزارع التي تقع على التلال والناس الذين يشعرون بكل شراسة باستقلالهم.
قال الفريق ليفون ناتساكانيان، وزير الدفاع لهذه الجمهورية المعلنة ذاتيا، إن قواته لم تتوقع ذلك الهجوم الموسع في الثاني من أبريل. ولكنه قال إنه كانت هناك إشارات تحذيرية: منذ أغسطس الفائت، قُتل 21 جنديا من الأرمن وجُرح 113 آخرون في هجمات على طوال ما يسمى بـ "خط السيطرة". وقد ظلت أذربيجان تعيد تكوين ترسانتها بدبابات روسية جديدة وطائرات إسرائيلية بدون طيار وصواريخ تركية. أما الجانب الأرمني، المطمئن بسبب ما يفترض أنه "تحالف استراتيجي" مع روسيا، فلم يتوقع هجوما أذربيجانيا كبيرا.
اعترف ناتساكانيان قائلا: "من الناحية التكتيكية، ربما يكونوا قد سجلوا بعض النجاحات. ولكني أود أن أقول إنه بالنظر لكل هذه القوة التي استخدموها، فإن هذه هي بالأحرى هزيمة لهم". ويزعم ناتساكانيان أن الأذربيجانيين قد خسروا 24 دبابة في المعركة التي استمرت أربعة أيام في أوائل أبريل. الجدير بالذكر أن الطرفين لديهما عمليات إحصاء مختلفة اختلافا جذريا للخسائر، ومن المستحيل التحقق من الأرقام بشكل مستقل. ولكن التعليقات الأذربيجانية تعاملت مع الحملة باعتبارها انتصارا كبيرا بعد الهزيمة الساحقة في حرب 1992-1994,
وأصر ناتساكانيان على أن القوات الأرمنية تستطيع الدفاع عن هذا الجيب من الأرض، بدون مساعدة روسيا: "إن نتيجة حرب الأيام الأربعة تثبت أننا في ظل المعدات التي نمتلكها وجاهزيتنا القتالية نستطيع وقف أي عدوان". وفي حالة استئناف الحرب، كما يقول، "فإننا لن نصدهم فحسب، بل سنتقدم للأمام".
ومن أحاديثي مع سكان قرة باغ الأرمن، خرجت بشعور بتنامي حالة القتالية هنا، كما هو الحال في أذربيجان.
يقول جارين أوهانجانيان، ناشط السلام السابق، إن هذه الحرب الأخيرة قد غيرت رأيه حول إمكانية المصالحة. فبعد انتهاء الحرب الأخيرة، استطاع تعزيز الحوار مع الأذربيجانيين. والآن، كما يقول، تخلى عن الكلام ويريد أن تدمر القوات الأرمنية أهدافا اقتصادية في أذربيجان. في الشهر الفائت، يقول أوهانجانيان، "تخلت أمتنا عن أوهامها".
يقزل أشوت ساركيسيان، البالغ من العمر 27 عاما الذي يعمل مع منظمة محلية غير حكومية وخدم أيضا في وحدة الدفاع ضد الطائرات: "ربما أصبح جيلي مسترخيا أكثر مما ينبغي في هذه السنوات الفائتة. لماذا لم نستخدم هذا الوقت لنصبح أقوياء بما يكفي لدرعهم عن شن أي حرب؟"
وتقول أناهيد دانياليان، التي ترأس نادي ستيباناكيرت للصحافة، إنها اعتادت أن تحاول البقاء على اتصال عبر الإنترنت مع صحفيين أذربيجانيين. أما الآن فتقول "بدأت أشعر بهذه الكراهية من زملائي في أذربيجان. ... هذه الحرب الجديدة غيرت إلى حد ما من تصور كل منا عن الآخر".
على الطريق إلى المطار، يستطيع الزائر رؤية النصب الوطني، وهو تمثال حجري ضخم لرجل عجوز وامرأة – الرأسين فقط، أما الجسمين فيبدو أنهما مدفونان في التلال. والاسم الرسمي لهذا النصب هو "نحن جبالنا"، والرسالة الضمنية هي: نحن لن نتحرك من هنا. إن ما يبدو في قادم الأيام هو صراع طويل عنيد.

كاتب عمود في الشؤون الخارجية في صحيفة واشنطن بوست