لماذا تبني إيران دفاعاتها

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٢٥ ص
لماذا تبني إيران دفاعاتها

محمد جواد ظريف

منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، دعا الرئيس الإيراني المنتخب حديثا إلى مشاركة بناءة في مهمة تاريخية: حل الأزمة النووية التي هي سبب الخصومة بين إيران والغرب. وقد تم جني ثمرة 22 شهرا من الدبلوماسية غير المسبوقة – خطة العمل الشاملة المشتركة التاريخية – في يناير الفائت. ولكن على الرغم من هذا الإنجاز المهم، فإن الواقع المثير للقلق هو أننا نواجه الآن تحديا أكبر بكثير.
إن من كانوا في يوم من الأيام يختبؤون خلف ستار الأزمة المصطنعة بسبب برنامج بلادي النووي السلمي قد صعدّوا من مغامراتهم المدمرة. فانطلاقا من اليأس، لجأ هؤلاء إلى تدابير سيكون علينا جميعا أن نتعايش معها على مدى السنوات وربما العقود المقبلة. دعوني أوضح الأمر.
إن بعض من هاجوا ضد خطة العمل الشاملة المشتركة كانت جهودهم سافرة لجر المنطقة إلى حرب أخرى كارثية. لقد بذل هؤلاء – ومازالوا يبذلون – قصارى جهودهم لإقناع حلفائهم الغربيين بالعودة إلى التابو الذي تم كسره ضد التعامل مع إيران. لقد لجأوا مرارا وتكرارا وبشكل معلن إلى إثارة شبح الهجوم العسكري – بل وحتى النووي – على بلادي، في تجاهل صارخ للقانون الدولي.
وكان آخرون أقل سفورا. ففي وسط جهودهم خلف الكواليس لإفشال المشاركة البناءة بين إيران والقوى العالمية الستة، لجأوا إلى مراكمة سريعة لمعداتهم العسكرية الكثيرة أصلا. ومن المثير للقلق أن البعض أيضا عززوا من دعمهم للتطرف، لاعتقادهم أن ذلك يمكن أن يكون بمثابة أداة لتحقيق أهداف سياسية قصيرة الأجل. والنتائج الكارثية لتلك الجهود واضحة يراها الجميع.
وبعد أن أنفقوا قدرا مذهلا من عائدات نفط شعوبهم على شراء الأسلحة، أصبحت هذه الجهات الآن تشهد انخفاض ثرواتها المالية والسياسية جنبا إلى جنب مع انخفاض أسعار النفط. وفي الوقت نفسه، لم يعد المتطرفون الذين دعمتهم وعززتهم تلك الجهات يرهبون الآخرين فقط في المنطقة والعالم الأكبر بل إنهم أصبحوا يعضّون نفس الأيدي التي كانت تغذيهم وتطعمهم.
ولدواعي الارتباك والتشوش، وفي خضم هذه التطورات المقلقة – والتي من بينها المآسي التي حدثت مؤخرا في كل من باريس وبروكسل – لا يبدو أن الغرب يركز على التكاتف من أجل القضاء على التطرف. كما أنه لا يوجد كثير من النقاش حول كيف أصبحت دولة مثل المملكة العربية السعودية ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، متجاوزة روسيا. وبدلا من التركيز على كيف أن اليمن تعرض لقصف حوله إلى أنقاض على مدى 12 شهرا شرسة متواصلة – وبالتالي تحول إلى برميل بارود من المجاعة والفقر وأرضا خصبة لتنظيم القاعدة – عاد التخويف على قدم وساق من إيران وقدراتها الدفاعية.
خلال المفاوضات المكثفة حول القضايا المعقدة التي تحيط ببرنامج إيران النووي، أصرت إيران في كل منعطف على أن دفاعاتنا ليست مطروحة على الطاولة. ولكن طرحنا لم يتركز على السيادة ولا على حقيقة أن جيوش كثير من جيراننا المتحالفين مع الغرب تفوق في إنفاقها جيشنا إلى حد كبير. نحن أشرنا ببساطة إلى الماضي القريب فقط.
في عام 1980، في أعقاب الثورة الإسلامية، شن الرئيس العراقي صدام حسين حربا على إيران، بدعم مالي وعسكري كامل من جميع جيراننا العرب تقريبا ومعهم الغرب. ولعجزه عن تحقيق نصر سريع، استخدم صدام حسين أسلحة كيماوية ضد جنودنا ومدنيينا. ولم يكتف الغرب بالصمت إزاء ذلك، بل إنه قام أيضا بتسليح صدام حسين بأسلحة متطورة، في حين منع إيران بشكل فعال من الحصول على الضرورات الدفاعية البدائية. وخلال السنوات الثماني الطويلة التي استمرت فيها تلك الحرب، لم يصدر مجلس الأمن الدولي إدانة واحدة لذلك العدوان أو الاستهداف المتعمد للمدنيين أو استخدام الأسلحة الكيماوية.
ربما يكون قد نسي ذلك معظم الناس في الغرب، ولكن شعبنا لم ينساه. إن شعبنا يتذكر الصواريخ التي كانت تمطر أرضه والصور المروعة لقتل الرجال والأطفال والنساء بالأسلحة الكيماوية، وقبل كل ذلك، عدم وجود وسائل حديثة للدفاع.
وفوق كل ذلك، وعلى الرغم من استماع شعبنا لشعار الولايات المتحدة الذي عفا عليه الزمن الذي يقول إن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة" لمدة 37 عاما، فإن شعبنا يفهم جيدا أننا بحاجة إلى أن نكون على استعداد لمنع هذا التهديد السخيف غير الشرعي من أن يصبح واقعا حيا.
هذه الخلفية هي التي تدعونا إلى تطوير واختبار قدراتنا الدفاعية الأصلية. نحن ليس لدينا خيار آخر ونحن لا نزال نواجه عقبات كبيرة في تلبية احتياجاتنا من المعدات العسكرية من الخارج، في الوقت الذي يقوم فيه جيراننا بشراء تلك المعدات بكميات محيرة للعقل. في الحقيقة إن ميزانيتنا العسكرية، أمام كل هذا القلق الذي يثار من الغرب كلما قمنا باختبار نظام جديد، هي جزء صغير جدا مما ينفقه جيراننا الذين لا تمثل أراضيهم ولا شعوبهم الذين يريدون الدفاع عنهم سوى نسبة صغيرة من أرضنا وشعبنا.
إن إيران بلد مباركة. ففي الوقت الذي تسقط فيه القنابل في الأماكن العامة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط والحرب تشتعل على أعتابنا، نتمتع نحن ببيئة مستقة وآمنة وصحية لمواطنينا ولزوارنا ومن يقومون بأعمال تجارية معنا. ويرجع هذا إلى يقظة حكومتنا وإلى شخصية شعبنا. إننا نفخر باستخدام مواردنا من أجل رعاية صحية عالمية وتعليم وعلوم وتكنولوجيا متقدمة وليس للإسراف في الإنفاق العسكري. إن شعبنا لا يريد شيئا أكثر من السلام والتعاون مع جيراننا والعالم بأسره. نحن لم نشن حربا واحدة على مدى أكثر من قرنين من الزمان، ونحن مستمرون في التزامنا الصارم بعدم بدء مثل تلك الحماقات. ونحن نتحدى جميع من يحطّون من قدرنا – الكبير منهم والصغير – أن يلتزموا بمثل هذا الالتزام.
إنني أحث نظرائي في جميع أنحاء العالم للتفكر في ما تم تحقيقه من خلال الدبلوماسية بدلا من التهديدات والعقوبات والشيطنة. إن إيران اليوم، التي ظلت على مدى آلاف السنين جسرا حيويا يربط بين الشرق والغرب، لا تزال هي المحطة الأكثر استقرارا وأمنا على طول امتداد طريق الحرير. ومازالت حكومتي ملتزمة بالمشاركة البناءة وبمبادرتي لمنتدى حوار إقليمي. لقد تم فتح نافذة، ونأمل أن يقتنص نظرائنا الفرصة التي تتيحها هذه النافذة لنتمكن جميعا من العودة إلى التركيز على الأهداف والتحديات المشتركة.

* وزير الخارجية الإيراني