العلاقة بين العام والخاص

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٨:٣٥ ص
العلاقة بين العام والخاص

محمد بن محفوظ العارضي

إن العلاقة بين القطاعين العام والخاص في أي بلد، يجب أن تتجاوز مجرد كونها علاقة تنسيق لتقسيم حصص السوق وللحفاظ على مركز قوة كل منهما، بل بات من الضروري أن نضع هذه العلاقة اليوم على قاعدة الشراكة التامة في تحقيق الأهداف الاقتصادية الإنمائية العامة للدولة، وهنا يجب الإشارة إلى أن قاعدة الشراكة هذه هي البرنامج الإنمائي للدولة الذي لن يتحقق بدون استيعاب كامل من قبل الطرفين لأهمية الالتزام بضرورات تنفيذه على أكمل وجه.
خلال السنوات السابقة هيمنت المحاصصة على طبيعة عمل القطاعين، وساهم في هذه المحاصصة الهامش الواسع الذي تتيحه سياسات السوق الليبرالية للقطاع الخاص، حتى بات في معظم البلدان قطاعاً ينتهج سياسات قد تتعارض في نتائجها مع المصلحة العامة للدولة، مما استدعى ضرورة إعادة مناقشة سياسات كلا القطاعين خاصةً بعد الأزمة المالية العالمية التي انفجرت عام 2008. ونلاحظ أن كبريات الدول أصبحت تمارس دوراً أكبر من التدخل في سياسات القطاع الخاص سواء من حيث توجيه السياسات، او الدفع باتجاه إعادة هيكلة المؤسسة الاقتصادية الخاصة وإخضاعها لقانون حوكمة الشركات، وأيضاً من خلال التدخل في توزيع الاستثمارات على مجمل النشاط الاقتصادي ممثلاً بقطاعاته المتعددة، من صناعة وإنتاج زراعي، وتجارة وخدمات الخ.
إن الهوة بين سياسات القطاعين تتمثل في اختلاف النظرة نحو الغاية من الاستثمار، فالقطاع العام ينتهج في معظم الاحيان سياسات بعيدة المدى، بطيئة في مردودها، لكنها سياسات مستدامة واستثمارات قليلة المخاطر، أما القطاع الخاص فتدفعه المنافسة الشرسة مع الشركات الأخرى نحو استهداف الربح السريع عالي المخاطر، والذي قد يؤثر أحياناً بل وغالباً على مسيرة التنمية الاجتماعية واستقرار البنية الاقتصادية.
ما تفرضه الضرورة اليوم هو إدراك أن الاستدامة في النمو حتى لو كان بطيئاً في بداياته يشكل مصلحة للجميع، وأن الاستثمارات المسؤولة الموجهة نحو تنمية الاقتصاد الحقيقي، تدّر أرباحاً أكبر على المدى البعيد من الصفقات سريعة الربح وعالية المخاطر. كما تفرض هذه الضرورة على الشركات والمؤسسات التحلي بالمسؤولية الاجتماعية تجاه محيطها الذي تتحرك ضمن إطاره، فهذا المحيط هو القوى المنتجة، وهو الطاقة التي تستهلك المنتجات، والحفاظ عليه يعني الحفاظ على قدرة عالية من التداول تتمثل في استدامة الوظائف والأجور وبالتالي القدرة الشرائية للناس.
وإذا كانت تجربة العديد من البلدان حيال التعاطي مع القطاع الخاص قد اقتصرت على سنّ القوانين والتشريعات الرسمية التي تحدد الإطار العام للنشاط الاقتصادي، أو التي تفرض رسوماً وضرائب على مداخيل الشركات، فإن رؤيتنا الخاصة في سلطنة عمان يجب أن تختلف من حيث المنهج. نحن نفضل أن نبدأ حواراً جاداً ومفتوحاً بين مختلف المكونات الاقتصادية من كلا القطاعين، ينتج عنه توافق شامل حول مستقبل التنمية في الاقتصاد العماني ومتطلباتها وبالتالي تحديد دور كل مؤسسة وشركة حسب القطاع الذي تنشط فيه.
إن سلطنة عمان ممثلة بقيادتها التاريخية وكافة المحافل الاقتصادية تثمّن بعمق الدور الهام للقطاع الخاص في تحقيق التنمية وتنفيذ الخطط والبرامج الإنمائية للسلطنة، ونحن كرواد اقتصاد ندرك أهمية مساهمة هذا القطاع في الخروج من تأثير تداعيات هبوط أسعار النفط ودخول مرحلة اقتصادية جديدة يشكل فيها التركيز على القطاعات غير النفطية من إنتاج صناعي وزراعي وسياحة وخدمات حجر أساس في مرحلة اقتصاد ما بعد النفط. صحيح أن مقررات الملتقى الاقتصادي العماني الخامس الذي انعقد يوم 23 مارس 2016، لم يتطرق بشكل واضح لمبادرات القطاع الخاص للاستثمار في المشاريع السيادية التي تعكف السلطنة على تطويرها، إلا أن خطة التنمية الخمسية الأولى (1976-1980) وإلى التاسعة (2016-2020) وآليات تنفيذها، تشير بوضوح إلى أن السلطنة، ومن خلال التشريعات التي تضمن للقطاع الخاص حرية الاستثمار في أي نشاط اقتصادي قادر على ملكيته وإدارته مالياً وتقنياً، حفظت للقطاع الخاص دوره ومكانته في الاقتصاد العماني.
ولكي تتحول الشراكة بين القطاعين إلى شكل أكثر عمقاً من التعاون يجب أن نضع برنامجاً للمرحلة القادمة يرتكز على ما يلي:
1. تشكيل هيئة عليا ممثلة من قبل القطاعين العام والخاص وبمشاركة شخصيات وشركات ومؤسسات اقتصادية اعتبارية لصياغة رؤية ملزمة لطبيعة النشاط الاقتصادي خلال المرحلة القادمة.
2. تشجيع الاستثمار الخاص في المشاريع السيادية التي تقوم بها السلطنة.
3. توجيه الاستثمارات الأجنبية والمحلية وفقاً لأولويات الخطط والبرامج التنموية التي تقرها السلطنة، مع فتح المجال للحوار بين مختلف مكونات المنظومة الاقتصادية حول هذه الخطط والبرامج.
4. تطوير آليات لحوكمة الشركات بناءً على هذا المقترح، يضمن للدولة سيادتها على مصادر دخلها الوطني، وكذلك يضمن تحقيق الممارسة المسؤولة من كافة الشركات والمؤسسات العاملة على أرض السلطنة.
لقد بات الحديث اليوم عن الشراكة بين القطاعين الاقتصاديين أكثر أهمية، فالأزمات الاقتصادية عامة وليست حكراً على بلدٍ بعينه أو ساحة دون أخرى، لذا فإن مهمة استنهاض الاقتصاد العالمي هي محصلة لاستنهاض كل اقتصاد وطني على حدة، بحيث ينشط الإنتاج والتبادل بين المراكز الاقتصادية المختلفة، وهي مهمة لا يجوز أن تبقى حكراً على القطاع العام أو هماً على السياسات الحكومية وحدها، بل يجب أن تتوزع المهام لإنجازها.
من هذه الزاوية ننظر لدور كل مكون في المنظومة الاقتصادية، من زاوية المسؤولية التاريخية تجاه مهمة بناء اقتصاد عالمي نشط ومستدام في نموه، منصف في توزيع الأدوار، وعادل في توزيع نتاج التنمية على الشعوب كافة.