هل ينبغي لبريطانيا أن تهجر أوروبا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٢٢:٤٧ م
هل ينبغي لبريطانيا أن تهجر أوروبا

مايكل جيه. بوسكين

في عامنا هذا، الذي يصادف مرور أربعمائة عام منذ توفى شكسبير، تواجه المملكة المتحدة مسألة وجودية: أن تكون أو لا تكون "أوروبية". فعندما يدلي البريطانيون بأصواتهم في يونيو بشأن البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، سوف يتطلب التوصل إلى الاختيار الصحيح نبذ التضخيم والمغالاة على جانبي المناظرة والتفكير بعناية شديدة في التبعات الحقيقية التي قد تتحملها البلاد نتيجة لما يسمى بالخروج البريطاني.
الواقع أن القضايا الرئيسية التي ستشكل قرار الناخبين ترتبط بالعلاقات التجارية، والتنظيم، والميزانية؛ والسياسة الخارجية والأمن؛ والسياسات المحلية مثل الرعاية الاجتماعية والهجرة. ثم هناك تساؤلات حول الفوائد الحقيقية والمعنوية التي تصاحب عضوية الاتحاد الأوروبي، مع كل قواعده وقيوده التنظيمية، وبيروقراطييه. والاختيار هنا شديد الوضوح، ولكن التساؤلات المطروحة ليست جميعها بنفس القدر من الوضوح.
فالمملكة المتحدة ترتبط ببقية الاتحاد الأوروبي بعمق عن طريق التجارة، ويمثل الاتحاد الأوروبي الحصة الأكبر من إجمالي الصادرات والواردات البريطانية العالمية، وكل منها يبلغ نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني. وبالتالي فإن الخروج البريطاني من شأنه أن يخلف عواقب كبيرة على التدفقات التجارية ليس فقط بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل وأيضا في بقية العالم. وتتوقف طبيعة هذه العواقب على شروط وتوقيتات إبرام الاتفاقيات التجارية الجديدة.
عندما تأسس الكيان السابق للاتحاد الأوروبي، أو السوق الأوروبية المشتركة، في عام 1957، كان يربط ست دول فقط (بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ولوكسمبورج، وهولندا). ونظرا للتعريفات الجمركية المرتفعة في ذلك الوقت فقد جلبت السوق الأوروبية المشتركة مكاسب كبيرة. واليوم، ارتفع عدد أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى 28 دولة وبات يمثل أكبر سوق في العالم، ولكن الرسوم الجمركية أصبحت أقل كثيرا في عموم الأمر.
الحقيقة هي أنه من المستحيل في هذه المرحلة أن نعرف إلى أي حال قد تنتهي العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد الخروج البريطاني. فلا توجد لهذا سابقة ــ ولا يصلح خروج جرينلاند من السوق الأوروبية المشتركة كحالة مشابهة إلا بالكاد ــ وقد يستغرق التفاوض على تفاصيل الانسحاب وحدها عامين. وخلال تلك الفترة، سوف يكون الجنيه الإسترليني أكثر تقلبا، وربما تتحول تدفقات التجارة أو تتأخر، وسوف تتجمد بعض الاستثمارات في الصناعات البريطانية المرتبطة بالتجارة.
وقد تخرج بريطانيا من مثل هذه العملية في حالة أشبه بحالة النرويج: الدولة العضو في المنطقة الاقتصادية الأوروبية التي تتكبد أغلب تكاليف عضوية الاتحاد الأوروبي المعتادة لكي تحتفظ بأغلب الامتيازات التجارية ذاتها. أو ربما تكون أشبه بحالة سويسرا، التي تعتمد على الاتفاقيات التجارية الثنائية، في حين تدفع لكي تكون جزءا من السوق الموحدة في السلع ولكن ليس الخدمات. ويتلخص احتمال آخر في اضطرارها إلى تدبر أمرها وحدها في منظمة التجارة العالمية.أو ربما تخلق بريطانيا لنفسها نموذجا جديدا بالكامل. وفي كل الأحوال، سوف يكون إبرام الاتفاقيات التجارية الجديدة مع بلدان ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي أمرا حتميا لا مفر منه.
وسوف تولي المملكة المتحدة اهتماما خاصا أيضا بالحفاظ على الدور الذي تضطلع به مدينة لندن باعتبارها مركزاً ماليا عالمية ــ وهي المكانة التي قد تتقوض بفِعل ترتيبات على غرار تلك المعمول بها في حالة سويسرا، لأن تجارة المملكة المتحدة في الخدمات المالية مع السوق الموحدة ستسجل انخفاضا حادا. وقد يؤدي الدفع في مقابل الاحتفاظ بالامتيازات التجارية إلى تعريض بريطانيا للتغيرات الطارئة على سياسة الاتحاد الأوروبي في المستقبل. على سبيل المثال، إذا استخدم الاتحاد الأوروبي إعانات مالية في المستقبل لدعم الدول المثقلة بالديون الواقعة على محيطه الخارجي، فقد تتأثر ميزانية المملكة المتحدة أيضا. باختصار، في حالة خروج بريطانيا، ربما تواجه المملكة المتحدة ضرورة اتخاذ بعض القرارات البالغة الصعوبة بشأن التجارة.
بيد أن التجارة مجرد البداية. ذلك أن الاستفتاء على خروج بريطانيا سوف يخلف أيضا تداعيات سياسية، وخاصة إذا انقسم حزب المحافظين بشأن هذه القضية ــ وهو احتمال قائم بصرف النظر عن النتائج. ولكن ماذا قد يعني هذا بالنسبة لمستقبل السياسة الاقتصادية في المملكة المتحدة في المستقبل؟ وكيف قد يؤثر على قوة اقتصاد المملكة المتحدة أو ميزانية الدفاع البريطانية؟
وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمنية والخارجية، فإن الاتحاد الأوروبي الأخرق لم يعرقل البريطانيين كثيرا. ففي حين فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات على سوريا، صوت البرلمان في المملكة المتحدة ضد أي تورط عسكري هناك. وكانت هيئة الاستخبارات البريطانية سابقة بكل المقاييس لأغلب نظيراتها في الاتحاد الأوروبي، وهي تعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. وفي سيناريو الخروج البريطاني، ربما تصبح العلاقات الاستخباراتية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة أكثر قوة، بصرف النظر عن أي قيود جديدة تُفرَض على قدرتها على الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية من قِبَل بعض البلدان الاعضاء في الاتحاد الأوروبي.
والمنطقة الوحيدة حيث لا يتسم الموقف بهذا القدر من التشابك والتعقيد، على الأقل من المنظور البريطاني، هي اليورو، والذي لم تنضم إليه المملكة المتحدة قط. (نَصَحت رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر بعد الانضمام إلى سلف منطقة اليورو، الاتحاد الاقتصادي والنقدي). وكان ذلك هو القرار السليم، حيث تمكنت المملكة المتحدة بفضله من الحفاظ على السلطة الكاملة على السياسة النقدية، وبالتالي احتفظت بالقدرة على استخدام أسعار الصرف لامتصاص الصدمات عندما لا تتفق دورات الرواج والكساد المحلية مع تلك في بقية أوروبا.
من منظور الاتحاد الأوروبي، قد تشكل خسارة المملكة المتحدة ضربة شديدة الخطورة، إذ أنها قد تضطر الاتحاد إلى تقديم أقل من المعتاد لأعضائه وبتكاليف أعلى. ومن خلال تيسير إصرار دول أخرى على استثناءات خاصة بها ــ على سبيل المثال، في ما يتصل بالعجز و"متطلبات" الدين التي حددتها معاهدة ماستريخت ــ قد يتسبب الخروج البريطاني في تعريض تطور الاتحاد الأوروبي في المستقبل لمشاكل خطيرة. وبالفعل بدأت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ــ وخاصة بلدان منطقة اليورو ــ تتجنب اتخاذ تدابير ملموسة لحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمصرفية وأزمات الدين والعملة المترابطة.
في حين يغالي أنصار ومعارضو الخروج البريطاني في عرض حججهم، تشير المراجعة الدقيقة للحقائق إلى أن رفض الخروج البريطاني سيكون الخيار الأفضل للمملكة المتحدة أيضا. وإذا لم تكن راضية عن الكيفية التي يتطور بها الاتحاد الأوروبي ــ والمفوضية الأوروبية ــ فبوسعها أن تحاول إعادة التفاوض على شروط عضويتها، كما فعل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في فبراير ، أو ربما يمكنها الخروج.
ولكن إذا خرجت المملكة المتحدة الآن، فسوف تصبح الخيارات المتاحة لها محدودة للغاية. وسوف تجد صعوبة كبيرة بشكل خاص في التفاوض على التغيرات التي قد تطرأ في المستقبل على علاقتها بالاتحاد الأوروبي، وخاصة العودة إلى الالتحاق بعضويته في المستقبل إذا كان ذلك مرغوبا (وربما بشكل خاص في ضوء رغبة الزعماء الأوروبيين في ردع دول أعضاء أخرى من السير على خطى المملكة المتحدة). بل وقد يترتب على ذلك مواجهة شروط أسوأ من تلك التي نجح كاميرون في تأمينها لبلاده إذا ظلت في الاتحاد الأوروبي.

أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء مؤسسة هووفر