خبايا الانتخابات الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٢٢:٤٧ م
خبايا الانتخابات الأمريكية

ماركوس فيلدينكيرشن

ينظر كثيرون الى الثقافة السياسية للولايات المتحدة كنموذج جدير بالأخذ به وتطبيقه وتصديره الى شتى أنحاء العالم، إلا أن ما نراه اليوم أن الدبلوماسية الأمريكية قد أضحت سخيفة عندما تظهر على أنها تقدم دروسا في الديمقراطية للآخين.
والكثير من اللوم يقع مباشرة على معسكر الجمهوريين، بعد أن تطور الأمر من مجرد إحراج حزب ابراهام لنكولن إلى حد أن أصبح وصمة عار على أمريكا بأكملها. فقبل فترة ليست بعيدة نشر أنصار المرشح الرئاسي تيد كروز صورة قديمة غير لائقة لميلانيا ترامب زوجة المرشح الجمهوري دونالد ترامب والتي كانت تعمل عارضة في السابق وصاحب ذلك عبارات تهكمية عن "السيدة الأولى القادمة"، وردا على ذلك نشر أنصار ترامب صورا لزوجة كروز مع عبارات سخرية من هيئتها.
ثم ظهرت مقالة في صحيفة ناشونال انكوايرر، ورئيس تحريرها صديق مقرب من ترامب، حيث زعم أن كروز له خمسة علاقات خارج إطار الزوجية، وما كان من كروز، الذي اشتبه أن فريق ترامب وراء القصة، إلا أن وصف ترامب أنه "فأر"، وتمادى التراشق بين المرشحين فوصف ترامب كروز أنه محتال ومجنون وكاذب عالمي، كما هب ترامب للدفاع عن مدير الحملة الانتخابية، الذي ألقي القبض عليه لإعتدائه بالقوة على مراسل بين حشد من الناس، ولم يبد ترامب اعتراضا على استخدام العنف بل عرض دفع الغرامات القانونية لمؤيديه الذين يقومون بضرب أي من المعارضين خلال المسيرات حال مقاضاة الضحايا لهم، بل وسخر ترامب من الإعاقة الجسدية لاحد الصحفيين في برنامج تلفزيوني مباشر.
والواضح أن الثقافة السياسية التي تبرز هنا لا تعدو كونها مزيجا من التصرفات الصبيانية وعصابات ألمافيا وصناعة الإباحية، فأميركا تشهد حاليا حالة بينة من الإفلاس ليس فقط في الجانب السياسي بل في الأخلاق أيضا. وربما أن الحيل القذرة ليست جديدة في الحملات الانتخابية الأمريكية، غير أن تلك المستويات المتدنية الجديدة التي وصل اليها المرشحون لم يسبق لها مثيل.
والأمر لا يقتصر وحسب على القاء اللوم على المتنافسين المتناطحين ، فصعودهما لم يكن ممكنا إلا بقدر مماثل في التراجع والتداعي لقيم مثل النزاهة والشرف والتسامح والعدالة - وهي العملية التي دفع بها ونافح عنها الحزب الجمهوري أكثر من أي جهة أخرى. فعلى مدى تاريخ طويل ظل الجمهوريون ينهجون سياسات مالية واقتصادية واجتماعية تخدم فقط الشركات والأغنياء، وهم الداعم المالي للحملات الانتخابية، وفي الوقت نفسه انزلق ملايين من الأمريكيين إلى حالة من التراجع الأخلاقي. وغالبا ما يكون التراجع الثقافي نتيجة التدهور الاقتصادي، والتمسك بأهداب الأخلاق والعض عليها بالنواجز ليس هو الشاغل الأساسي عند أولئك الذين يخافون الفواجع المالية أو المنهمكين في أعباء الحياة ويعيشون بلا أمل، ومن ثم يفسح الطريق لثقافة التطرف والتعامل الفظ، حاملين إعتقاد أن التدمير ربما يحمل معه شيئا أفضل.
وعلى مدى عقود بنى الجمهوريون بالمثل ثقافة ازدراء للسلع والخدمات العامة، وراحوا يدافعون عن السياسات التعليمية التي تستبعد الطبقات الأقل حظا، ويدفعون بهم نحو التسفيه والبربرية. فهم يسمحون لأصحاب البلايين مثل الأخوين كوتش بتوجيه سياسة الحزب وتعيين مرشحيه الرئيسيين. وأكثر من ذلك، فقد احتضن الجمهوريون قبل بضع سنوات حركة حزب الشاي المتشددة والمدمرة، وكان لك بمثابة تحول الحزب بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الاعتدال.
ويبدو أن الوقت قد فات لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، ومحاولات منع ترشيح ترامب في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في شهر يوليو لن تساعد أيضا، فترامب أصبح لديه بالفعل عدد كبير للغاية من الأصوات وسيشعر هؤلاء الملايين من الناخبين- وهم محقين في ذلك – بالخيانة. بل ان ترامب نفسه قد تنبأ بالفعل بأعمال شغب إذا حدث ذلك. ولم يبق لدى الجمهوريين خيار سوى أن يضعوا أنفسهم موضع السخرية باتمام اختيارهم ترامب كمرشح في الانتخابات العامة.
وعندها فقط، في مواجهة انفجار داخلي في أعقاب هزيمة انتخابية كبيرة متوقعة، سيكون الحزب قادرا على مراجعة الحال الذي آل اليه، وسيكون عليه اجراء تحقيق ومراجعة شاملة للأسباب التي أدت الى حالة التردي تلك، والتغيرات التي سيكون على الحزب القيام بها يجب أن تكون بعيدة المدى الى حد يرتقي الى إعادة التأسيس، لإرساء قاعدة حزب صادق متحضر يمد جسور علاقات وثيقة مع ناخبيه، ولا يتمنى أي مخلص لأمريكا أقل من ذلك.

كاتب عمود بصحيفة دير شبيجل الألمانية