مصر تبهر العالم بافتتاح أسطوري لـ "طريق الكباش" بالأقصر

مزاج الاثنين ٢٩/نوفمبر/٢٠٢١ ١٧:٣٨ م
مصر تبهر العالم بافتتاح أسطوري لـ "طريق الكباش" بالأقصر

مسقط -  خالد عرابي

شهدت جمهورية مصر العربية منذ العام 2013 نهضة حضارية شاملة، شملت البشر والحجر، فهي نهضة لم تركز على البناء والعمران فحسب بل كان محور اهتمامها الأساسي الإنسان قبل المكان، ولذا توجهت تلك النهضة بجنباتها إلى كل ما ينهض ويرتقي بالإنسان من توفير بنى أساسية وبيئة صحية توفر لها حياة أمنة نظيفة وعيش كريم، والأهم توفير كل ما يرتقي ويسمو به وبفكره من تعليم وثقافة وفنون واهتمام بأكبر بالصحة إيمانا بأن العقل السليم في الجسم السليم، وأن الارتقاء بالعقول يضمن الحفاظ على ما يمكن أن يقام من نهضة وتقدم وحضارة بل والبناء عليه والتحديث المستثمر والمتجدد له، وعلى سبيل النهضة الحضارية والمعمارية شهدت مصر ومنذ تولى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي نهضة شاملة ومتجددة ففي العمران والحضارة، وشهدنا منها إقامة العديد من المشاريع العملاقة في شتى المجالات وأبرزها بناء المدن الحضارية الحديثة بدءا من العاصمة الإدارية الجديدة التي تقام على مساحة 170 ألف فدان وتوفر أكثر من مليوني فرصة عمل والتي جاءت محطمة للعديد من الأرقام القياسية بدءا من المشاريع العملاقة والمباني الوزارية والدبلوماسية وأبرزها المبني الجديد لمجلس النواب المصري والذي يوصف بأنه يتفوق على مبني الكابيتول للكونجرس الأمريكي، والبرج الأيقوني الذي سيصبح عند اكتماله أعلى برج معماري في القارة الإفريقية وغيرها الكثير .

ومما يستحق الإشادة وينبغى لفت الأنظار إليه أن مصر شهدت ومنذ تولى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي توجها جديدا يحتفى ويهتم بكل ما يخدم ذلك من الاهتمام بالبنى الأساسية وإقامة المشاريع الوطنية العملاقة والعمل على تنويع مصادر الدخل واستعادة مصر لمكانتها التاريخية والسياسية والثقافية الإقليمية والعالمية بل واستعادة السياحة المصرية لمكانتها، يدعمها في ذلك ما تزخر به أرض الكنانة (مصر) من حضارات عريقة وآثار قديمة تقدر بأنها أكثر من ثلث أثار العالم، ولعل هذا ما جعلها محط أنظار المهتمين بدراسة الآثار وتاريخ الأمم السابقة، وقد عملت الحكومة المصرية الحديثة وفي ظل توجيهات واهتمام شخصي من الرئيس السيسي على تسخير كافة الإمكانيات والجهود للاهتمام بهذه الثروة القيمة، ومن ذلك توجه مصر ما بين فترة و أخرى إلى الكشف عن المشاريع السياحية العملاقة وتدشين الجديد ومنها ما تم في إبريل الماضي من إقامة عرض "موكب نقل المومياوات الملكية" من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط الذي أبهر العالم، وقبل أيام شهدت محافظة الأقصر الواقعة في صعيد مصر على بعد (510 كلم جنوب العاصمة القاهرة) حدث سياحي مصري عالمي أخر أبهر العالم، إنه الحفل الأسطورى لافتتاح "طريق الكباش"، والذي أقيم بحضور فخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى وقرينته السيدة انتصار وحضور رئيس الوزراء المصري وعدد من قادة مصر وسفراء دول العالم، وذلك بعد أن خضعت كل الآثار الموجودة بها إلى الترميم، وبعد ما تم من مشروعات تطوير البنية السياحية بالمحافظة، كالهوية البصرية، وتطوير الكورنيش، ورفع كفاءة المنشآت والمباني، وهو ما جعل محافظة الأقصر بجمالها وبكل مقوماتها السياحية والأثرية الفريدة أكبر متحف مفتوح في العالم لتبهر مصر بحق العالم ثانية ولعل خير دليل على ذلك وبحسب وكالة "رويترز" العالمية أنه خلال 24 ساعة من هذا العرض الأسطوري لافتتاح طريق الكباش تم إجراء 60 ألف حجز سياحي من حول العالم إلى الأقصر معظمها من إيطاليا، روسيا، ألمانيا، فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

"استوحيت فكرة حفل افتتاح طريق الكباش التي نظمتها وزارة السياحة المصرية مؤخرا من "عيد الأوبت" وهو أحد أقدم أعياد المصريين القدماء، والذى كان يقام سنويا أثناء موسم الحصاد بداية من عصر الدولة الحديثة خلال شهور سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، وهو من أهم أعياد التقويم في مصر القديمة، ويرمز إلى "تجديد شباب ملوك الفراعنة من وحى الطبيعة". وتضمن الحفل، فقرة غنائية للنجم محمد حماقي، ولارا إسكندر، كما شهد الحفل عرضا فنيا مستوحى من الاحتفالات الدينية لدى المصريين القدماء، وبدأ العرض بأوركسترا الفيلهارموني بقيادة المايسترو نادر عباسي، وعزف الموسيقى الفرعونية، ومن ثم أنشودة آمون، والتي يعاد إحياؤها بنفس الكلمات الفرعونية، وعرضت الاحتفالية فيلما تسجيليا عن مدينة الأقصر، وأبرز آثارها ومعالمها السياحية، وشارك في الفيلم التسجيلى الذى حمل عنوان "الأقصر السر" بعض الفنانين، كما غنى المطرب وائل الفشنى أغنية "الأقصر بلدنا"، بجانب شرح من جانب وزير السياحة والآثار خالد عنانى للرئيس عبدالفتاح السيسي عن تاريخ طريق الكباش، ومعبد الأقصر. كما عرضت احتفالية افتتاح طريق الكباش، فقرة استعراضية، استرجعت فيها للذكريات بالحناطير من أمام طريق الكباش ومعبد الأقصر، كما جسدت الفقرة الفنية أغنية فرقة رضا الأقصر بلدنا بلد سواح ، وفقرة غنائية فلكلورية.

وبحسب أمين عام المجلس الأعلي للآثار الدكتور مصطفي وزيري: "يعود طريق الاحتفالات إلى قبل أكثر من 5 آلاف عام، عندما شق ملوك مصر الفرعونية في طيبة "الأقصر حاليا" طريق الكباش لتسير فيه مواكبهم المقدسة خلال احتفالات أعياد الأوبت كل عام، وكان الملك يتقدم الموكب ويتبعه علية القوم، كالوزراء وكبار الكهنة ورجال الدولة، إضافة إلى الزوارق المقدسة المحملة بتماثيل رموز المعتقدات الدينية الفرعونية، فيما يصطف أبناء الشعب على جانبي الطريق، يرقصون ويهللون فى بهجة وسعادة، وبادر إلى شق هذا الطريق الملك أمنحوتب الثالث، تزامنًا مع انطلاق تشييد معبد الأقصر، لكن الفضل الأكبر في إنجاز "طريق الكباش" يعود إلى الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين الفرعونية «آخر أسر عصر الفراعنة " .

وقال وزيري: "بدأت أعمال الحفائر بالطريق في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين بواسطة الأثرى زكريا غنيم، حيث قام عام 1949 بالكشف عن 8 تماثيل لأبى الهول، كما قام الدكتور محمد عبدالقادر 1958م- 1960م، بالكشف عن 14 تمثالًا لأبى الهول، وقام الدكتور محمد عبدالرازق 1961م - 1964م بالكشف عن 64 تمثالًا لأبى الهول، وقام الدكتور محمد الصغير منتصف السبعينيات حتى 2002 م بالكشف عن الطريق الممتد من الصرح العاشر حتى معبد موت، والطريق المحاذي باتجاه النيل، كما قام منصور بريك عام 2006م بإعادة أعمال الحفر للكشف عن بقية الطريق بمناطق خالد بن الوليد وطريق المطار وشارع المطحن، بالإضافة إلى قيامة بصيانة الشواهد الأثرية المكتشفة، ورفعها معماريًا وتسجيل طبقات التربة لمعرفة تاريخ طريق المواكب الكبرى عبر العصور".

من الجدير بالذكر، أن طريق الكباش الفرعونى يعتبر من أقدم المسارات المصرية القديمة وحول العالم، وهو سحر مميز من تاريخ الحضارة الفرعونية المتواجد في قلب مدينة الأقصر حتى يومنا هذا منذ آلاف السنين؛ فهو عبارة عن طريق احتفالات تاريخي يضم تماثيل أبوالهول أو الكباش بطول 2750 مترا من معبد الأقصر لمعبد الكرنك، وكان في العصور الفرعونية عدد الكباش في الصفين 1300 كبش، ما بين كل كبش وكبش 4 أمتار، وطول الكبش الواحد حوالي 2.50 متر، والموجود حالياً من كافة تلك الكباش الـ1300 لا يزيد عن 300 كبش فقط من الكباش الأصلية، وباقي الكباش عبارة عن بقايا وتدمرت في العصور التى أعقبت العصور الفرعونية، كما كان يزين الطريق بين كل كبش وآخر دائرة مزروع بها زهور ومربوطة بقنوات مياه لري الزهور، وكان في العصور الفرعونية "طريق الكباش الفرعوني" عبارة عن طريق مواكب كبرى لملوك الفراعنة، وكانت تحيا داخله أعياد مختلفة، منها: "عيد الأوبت، وعيد تتويج الملك، ومختلف الأعياد القومية تخرج منه"، وكان يوجد به قديما سد حجري ضخم كان يحمي الطريق من الجهة الغربية من مدينة الأقصر، العاصمة السياسية في الدولة الحديثة (الأسرة الـ 18)، والعاصمة الدينية حتى العصور الرومانية.

وبدأ العمل على إنشاء طريق الكباش في عهد الملك أمنحتب الثالث، تاسع ملوك الأسرة الـ18، الذي أسهم في بناء العديد من المعابد في الكرنك؛ خاصة معبد الإله "مونتو"، ومعبد آخر للإلهة موت، قبل أن يبدأ في تشييد معبد الأقصر، ثم جاء الملك رمسيس الثاني ورممه وأضاف اسمه على الكثير من الكباش.. استمر العمل في طريق الكباش طيلة 1000 عام؛ حتى حظي الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين "آخر الأسرات المصرية القديمة" بشرف الانتهاء منه، بالإضافة إلى الكثير من الملحقات لطريق الكباش، مثل: الاستراحات المخصصة للزوارق، ومقياس للنيل، ومنطقة تصنيع الفخار، كما تم إنشاء مجموعة من الحمامات وأحواض الاغتسال.

كما تجدر الإشارة إلى أن الجدير بالذكر أن افتتاح طريق الكباش الجديد - الذي يبلغ طوله نحو 2700 متر- سيربط بين معبد الكرنك شمالا ومعبد الأقصر جنوبا ومعبد موت وأطلال مدينة طيبة القديمة . ويقع على جانبي الطريق 1059 من التماثيل "الكباش"، وتماثيل أثرية لـ "أبو الهول" برأس كبش ، وكانت هذه التماثيل تنحت من كتلة واحدة من الحجر الرملي وتقام على هيئتين: الأولى تتخذ شكل جسم أسد ورأس إنسان (أبوالهول)، والثانية تتخذ شكل جسم الكبش ورأس كبش كرمز من رموز الإله آمون رع. وسمي طريق الكباش بهذا الاسم قديما؛ كونه كان يعمل على حماية المعبد وطرد الأرواح الشريرة عند دخول المعبد، ومن ناحية أخرى رمزا للإله آمون لحماية بيته . وتعود جاءت فكرة اختيار تاريخ الاحتفاء بافتتاح طريق الكباش لذكرى زواج "أمون" من "أمونت"، ويخرج الموكب من معابد الكرنك بالزوارق المقدسة الخاصة التي تضم التماثيل الخاصة بالمعبودات، في اتجاه معبد الأقصر محمولة على أكتاف الكهنة.