التعليم التقني واحتياجات السوق

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
التعليم التقني واحتياجات السوق

محمد محمود عثمان

الدول العربية لم تنتبه في وقت مبكر إلى أهمية التعليم التقني القائم على بناء المهارات وتراكم الخبرات، التي يحتاجها سوق العمل في شتى القطاعات التي يشغلها العديد من الأيدي العاملة من الجنسيات الأجنبية والتي ستظل مسيطرة على السوق لفترات قد تمتد لعشرات السنين حتى نتمكن من تأهيل وإعداد المهارات المطلوبة، بعد التركيز على التعليم التقني ومراكز أو معاهد التدريب المهني، أو حتى إرسال بعثات من المتدربين إلى الخارج للوقوف على استخدام التكنولوجيا والتدريب على الحلول المبتكرة في ظل عالم المعرفة بما يساعد على انطلاق الجيل الجديد مسلحا بالمعارف والخبرات، ليس فقط لبناء الذات نحو المستقبل، بل لأن ذلك هو الأداة الحقيقية والجيدة التي نتمكن من خلالها بناء اقتصاد المعرفة وهو اقتصاد المستقبل، وهو الذي نراه عملياً في العديد من البلدان حتى في مرحلة ما بعد الطفرة التقنية والاقتصادية في اليابان باعتبار أن التعليم التقني وتنمية المهارات الأساسية هي المنطلق نحو إعداد الأجيال الجديدة للمشاركة الحقيقة في البناء والتنمية، خاصة أن مستوى مخرجات التعليم لا ترقى إلى المستوى الذي يؤهلها للانخراط في سوق العمل بقوة وبكفاءة مناسبة، ولكن الإشكالية الأخطر هي زيادة عدد الخريجين سنويا في الدول العربية من الحاصلين على التعليم العالي والمتوسط وحتى من حملة الدرجات العلمية من الماجستير والدكتوراه في تخصصات نظرية وعلوم إنسانية، الذين ينضمون إلى طابور المتعطلين والباحثين عن عمل وهم بدون خبرات عملية كافية، ومن ثم يلفظهم سوق العمل، وتتفاقم المشكلة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية التي تجعل من مؤسسات وشركات القطاع الخاص كيانات غير قادرة على استيعابهم أو العمل على إعادة إعدادهم وتدريبهم على المهن والوظائف التي يحتاجونها في شركاتهم، الغريب أن السوق المصري الذي يمثل أكبر كثافة سكانية بين الدول العربية يعاني من نقص الأيدي العاملة المدربة وارتفاع في معدل البطالة، حيث يشير تقرير الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة إلى أن معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15- 29 سنة) بلغ 27.3 % من إجمالي قوة العمل في نفس الفئة العمرية، منهم 21.0 % ذكور و 46.8 % إناث، من إجمالي قوة العمل في نفس الفئة العمرية، وهذا يبين بوضوح حجم المشكلة -ليس في مصر فقط بل في بلادنا العربية- في العجز عن إيجاد نظام معلومات ديناميكي لسوق العمل والمنظومة التدريبية، لتوفر بيانات ومعلومات دقيقة وحديثة عن جانبي العرض والطلب، وحصر الاحتياجات التي تساعد إدارات الموارد البشرية ومتخذ القرار وأصحاب الأعمال والأفراد في التعرف على الاحتياجات الحالية والمستقبلية من المهارات والتخصصات المختلفة، ورسم سياسات نظم التعليم والتدريب والتشغيل، باعتبار أن التعليم التقني المرتبط بالتكنولوجيا والمهارات هو السبيل نحو إيجاد جيل يستطيع أن يتماشى ثقافيا وعلميا مع متغيرات العصر بكل ما فيها من تقلبات وتغيرات، علاوة على مساعدة الأفراد في اختيار نوع التعليم والتدريب الملائم لقدراتهم ولاحتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية وكذلك مساعدة المستثمرين ورجال الأعمال للمساهمة والمشاركة في تخطيط سياسة التعليم الفني والتدريب المهني وسوق العمل العربي، لتلبية احتياجات السوق من الكوادر البشرية المتخصصة، والتغلب على العائق المادي في تطوير وتنمية مهارات وقدرات الشباب وتكريس وتشجيع ثقافة العمل الحر والتشغيل الذاتي، التي نفتقدها لدى الأجيال الحديثة، والأهم من كل ذلك هو المساهمة في عمل مسح شامل لسوق العمل العربي لتحديد احتياجاته الحالية والمستقبلية من الكوادر البشرية والعمالة الفنية المتخصصة في مختلف القطاعات لخمس أو عشر سنوات مقبلة، للتغلب على مشكلة ندرة الكوادر البشرية المتخصصة، والمساهمة في حل كبرى المشاكل التي تواجه المجتمعات العربية، وتمثل معادلة صعبة نظرا لمعدلات البطالة المرتفعة وفي ذات الوقت نقص الكوادر الفنية التي تتمتع بمهارات خاصة، يمكن أن تسهم بفاعلية في التنمية الاقتصادية التي نسعى إليها، مع تزايد أعداد الأيدي العاملة غير العربية.