الاتحاد قوة.. الحكمة القديمة الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
الاتحاد قوة.. الحكمة القديمة الجديدة

احمد المرشد

بينما تعيش كل منطقة الشرق الأوسط أزمات متلاحقة منذ ما أسموه بـ»الربيع العربي» الفاشل، خرج علينا الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي عهد السعودية ووزير دفاعها، برؤية صائبة قد تنهي كل هذه الأزمات لو تحقق ما قاله وفطن جميع قادة المنطقة لأهمية هذه الرؤية. لقد تحدث -من وجهة نظري - عن 3 قضايا غاية في الأهمية، ويكمل كل منهم الآخر.

محمد بن سلمان في حواره مع موقع «فورين أفيرز» الأمريكي للشؤون السياسية والإستراتيجية. الحديث لم يكن طويلاً، ولكنه كان مؤثراً ومعبراً عن واقع يعيشه العرب - دول وشعوب- وهو واقع مؤلم لا يسر عدو ولا حبيب.

استبعد الرجل تماما التقارب مع إيران وذلك في إجابته لمحاوره في الموقع على سؤال حول مستقبل الصراع السعودي - الإيراني٬ وما إذا كانت الرياض تدرس فتح حوار مع طهران لنزع فتيل التوترات الإقليمية وإقامة أرضية مشتركة٬ فقال:»لا يوجد أي جدوى في التفاوض مع طهران». ويستكمل: «إذا لم تقم إيران بتغيير نهجها٬ فإن السعودية ستخسر كثيرا إذا أقدمت على التعاون معها».
الثانية: لم يترك الأمير محمد بن سلمان الأمور تمر هكذا ويشير فقط إلى المعوقات والعلل، ولكنه طرح الحل، ويتمثل ببساطة شديدة في قوة العرب لمواجهة كل ما هو قادم للمنطقة من خارجها، ولمواجهة أي قوة ترى نفسها ضمن القوى الإقليمية التي يحق لها التدخل في أمورها السيادية. والسؤال الآن، ما هي القوة التي أشار إليها وزير الدفاع السعودي؟. الرجل بحكم خبرته ومناصبه المتعددة في أقوى دولة عربية تقريباً، يحدد مكامن القوة في اتحاد السعودية ومصر والأردن وتركيا، نعم قوة العرب والمسلمين ممثلة في أربع قوى. ومن خلالها يمكن للعرب القضاء على التطرف والإرهاب في المنطقة تماما، هذا الإرهاب الذي يجسده تنظيما «القاعدة وداعش»، وهما مصدر القلق والتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، لأن أي تأخير في اتحاد هذه القوى الأربع من شأنه زيادة حدة الأزمات وتصعيدها، ولكن التبكير في توحيد جهود جيوش الدول الأربع فمن شأنه الإسراع في الإجهاز على تنظيمي «القاعدة وداعش»، اللذين يتمددان كالعشب في كل دول العالم تقريبا.. هذا بخلاف قدرة الدول الأربع مجتمعة على حسم أي مشكلة عسكرياً، عبر جيوشها المدربة علي أحدث الأسلحة والتدريبات العسكرية.
الثالثة: لم يدع الأمير محمد بن سلمان حواره مع الموقع الأمريكي الأشهر في العالم دون أن يعرج إلى مسألة غاية في الخطورة، ليس على السعودية فقط، وإنما ستطال كل دول المنطقة.. وما أقصده هو قانون «جاستا» الأمريكي، أو القانون المزعوم المسمي «قانون العدالة لمحاربة الإرهاب» والذي لم يقره سوى الكونجرس الأمريكي رغم رفضه من قبل الرئيس الأمريكي الذي أوشكت ولايته على الانتهاء، في حين يصر أعضاء الكونجرس على تطبيقه وينتظرون تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهام منصبه لتوقيعه، تحت زعم أنه سيعيد رسم استراتيجية التعاون مع منطقة الخليج. فلا يزال لدي السعودية وقيادتها الشابة أمل وثقة بقدرة المسؤولين والمشرعين الأمريكيين علي التوصل إلى حل بشأن قانون «جاستا»، والجديد الذي كشفه وزير الدفاع السعودي، أن ثمة تحركا في الكونجرس يقوده عضوا الكونجرس ليندسي جراهام وجون ماكين، لتعديل أو إلغاء القانون المثير للجدل.
حديث محمد بن سلمان عن الشراكة السعودية - الأمريكية كان بمثابة جرس إنذار للأمريكيين عموما وترامب خصوصا، فتلك الشراكة لا بديل عنها اللهم إذا رأت واشنطن عكس ذلك. وثمة نصيحة مغلفة في تحذير أيضا، وجههما الأمير محمد بن سلمان لواشنطن، وهي أن الولايات المتحدة ستخسر كثيراً جراء اعتزام تقليص دورها في المنطقة، فالعواقب لا حدود لها، وإذا لم تقدر واشنطن الأمور، فشخص آخر سيملأ هذا الفراغ وليس بالضرورة أن يكون قائداً جيداً.
ربما انتهت القضايا الثلاث الذي تحدث عنهم الأمير محمد بن سلمان في حواره السريع مع موقع «فورين آفيرز»..ولكن ثمة إشارة مهمة في الحوار وهي إلقائه اللوم على الولايات المتحدة في زيادة حدة الإرهاب بالمنطقة، حيث إن أمريكا هي سبب أزماتنا الحالية والناجمة عن احتلال العراق بحجة أنها تثأر لمواطنيها الذين راحوا ضحية هجمات 11 سبتمبر.. ولكن هذه «الأكذوبة» التي روجها الأمريكيون قد ثبت خطؤها تماماً، والذي يجب أن يقوم به العرب حالياً هو تقديم قيادة الولايات المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم بتهمة سرقة وقتل العرب ونشر الأوئبة في بلدانهم والإرهاب.
وإذا كانت أمريكا قد جاءت إلى المنطقة عبر العراق وعاثت فيها وفيه فساداً وقتلاً وتخريباً، فهي أصبحت عرضة لهذا الإرهاب في أراضيها، ومثلنا في هذا حادث مطار فلوريدا الأخير، وهو حادث فردي ليس وراءه جهة أعلنت مسؤوليتها عنه، مما يؤكد أن الإرهاب قد تولد في أمريكا أيضا. وقد جاء هذا الهجوم على مطار فورت لودرديل بولاية فلوريدا، ليعيد الأسئلة التي تلي كل حادث إرهابي.. لماذا وما هي الأهداف والدوافع؟ والأهم، لماذا الفشل الأمريكي في عدم القدرة حتى الآن على مواجهة مثل هذه الأحداث رغم الإجراءات الأمنية المتشددة في المطارات الأمريكية؟
الأجوبة كثيرة ومتعددة، فما صنعه الأمريكيون في المنطقة من إرهاب قد ارتد إليهم في نحورهم، ناهيك عن عدم رغبة الأمريكيين وغيرهم من الدول الأوروبية في التوصل مع العرب إلى رؤية موحدة لمواجهة الإرهاب والقضاء على كافة مسبباته. فالإرهاب ليس عبارة عن تعامل أمني فقط، وإنما تتطلب محاربته التوصل الى خطة دولية شاملة كي يتم استئصال الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه.
لم يكن تحذير الأمير محمد بن سلمان لواشنطن المتعلق بتراجع الولايات المتحدة عن أداء دورها في المنطقة هو الوحيد، فقد شاركته في نفس التحذير تقريبا سامنثا باور مندوبة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة، خاصة عندما حذرت من أن مصالح الولايات المتحدة بما فيها الأمن القومي سيلحق بها الضرر إذا تراجعت البلاد عن الدور البارز الذي تلعبه في الأمم المتحدة. تحذير الدبلوماسية الأمريكية لبلادها جاء عقب انتقادات بالغة وجهها أعضاء الكونجرس الأمريكي للمنظمة الدولية خاصة على خلفية استصدار قرار يدين بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية ويطالب بإنهاء مثل هذه الأعمال تماماً. كما انتقص الرئيس المنتخب دونالد ترامب أيضا من قدر المنظمة الدولية بعد القرار المشار إليه وشكك في قيمة الأمم المتحدة بينما هدد بعض المشرعين الجمهوريين بتقليص التمويل الأمريكي لها.
وقالت باور ما قاله الأمير محمد بن سلمان تقريباً: «الدول الأخرى ستسير وراءنا إذا واصلنا القيادة.. ومن دون قيادتنا سيكون الفـــراغ على الســـاحة الدولية مضرا للغاية للمصالح الأمريكية».
لقد تكالبت على منطقتنا الكثير من النكبات والأزمات، وتصاعد نذر تفكيك دولها إلى عدد من الدويلات، وهو ما دفع قائد شاب من قيادات المنطقة إلى الحديث عن مستقبل المنطقة الأفضل إذا توحدت جهود أربع دول، السعودية، مصر، تركيا، الأردن، فالاتحاد قوة، ومما لا شك فيه أن مصر قوة كامنة وظاهرة، ولو انضمت إلى مثل هذه التحالف سيتغير شكل المنطقة إلى الأحسن في أقرب وقت. لنرى الأيام ماذا ستفعل بنا!

كاتب ومحلل سياسي بحريني
amurshed2030@gmail.com