نماذج الدولة المرفوضة شعبياً

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
نماذج الدولة المرفوضة شعبياً

فريد أحمد حسن

المسألة هي أن من اختار طريق العنف والإرهاب ليفرض على الناس فهمه وتصوره للدولة لم يستوعبها بعد وصعب عليه استيعابها. فأي دولة قطعت شوطاً في التحضر وواكبت التطور ونمت حتى اقتربت من الالتحاق بقائمة الدول الأقرب إلى المتقدمة لا يمكن أن تقبل بأن تعود إلى الوراء أيا كانت الأسباب والظروف، فما وصلت إليه بذلت من أجله الكثير من الجهد وقدمت التضحيات على اختلافها، لهذا فإن الطبيعي هو أنها ستظل متمسكة بما حققته من إنجازات وتطور ومكانة بين دول العالم.

فيما يتعلق بدول الخليج العربي فإنه من غير المعقول أن تقبل بمثل هذه العودة التي تعني باختصار شطب كل ما عملت من أجل الوصول إليه في عدد غير قليل من العقود بجرة قلم، فما تعيشه دول الخليج العربي اليوم هو نتاج جهود تشارك في بذلها الجميع، حكاما ومحكومين، ونتاج حراك مجتمعي واقتصادي وثقافي لا يمكن لهذه الدول؛ قيادات وحكومات وشعوب، أن تقبل بتضييعها بالانتقال إلى نموذج حكم لا يمكن أن يساير العصر ويتكيف معه بل واضح أنه لا يتناسب ومعطيات العصر.
أي كان تصور الدولة التي يسعى البعض الذي اختار طريق التطرف إلى الوصول إليها وفرضها على الشعوب الخليجية عنوة فإن الأكيد هو أنه لن يتمكن من تحقيق ما يريد، ليس فقط لأن هذه الشعوب والحكومات ترفضه ولكن لأن منطق التطور لا يقبل به، فالأمر هنا يختلف عن أمر الانتقال من بيت إلى بيت أو من وظيفة إلى وظيفة أخرى أو هدم مبنى وإعادة بنائه أو تغيير اسم في السجلات الرسمية، والتجربة في مثل هذه الأمور غير ممكنة، فليس هناك وطن أو مجتمع يمكنه أن يترك ما هو فيه ووصل إليه ويجرب العيش في ظل فكر غريب عنه لا لشيء سوى أن بعض أفراده يرتأون ذلك. فالتقدم يكون للإمام والتطور يحدث مع الإلمام بأدوات العصر وثقافته، وجر المجتمعات الخليجية إلى الخلف عملية غير ممكنة بل مستحيلة.
من تعود على ركوب السيارة والقطار والطائرة لا يمكنك أن تمنعه عن ركوبها لو كان بديلك لها الجمل ليتنقل به والحمير والبغال، ومن تعود الحياة العصرية لا يمكنك انتزاعه منها وفرض حياة أخرى عليه لا يستسيغها بل لعله يشمئز حتى من القراءة عنها، وبالمثل فإن من تعود العيش في الأجواء الديمقراطية والمشاركة في اتخاذ القرار لا يمكنك أن تحرمه من هكذا أجواء وتفرض عليه رأيك وتوجهك وقرارك. والأكيد فإن رفض النماذج التي يسعى البعض إلى فرضها لا يعني رفض الدين، فكلنا مسلمون، وكلنا نعبد الله سبحانه وتعالى، وكلنا ملتزمون بأحكام الشريعة الإسلامية، ويكفي القول بأن الشريعة الإسلامية لا ترفض العيش في الحياة العصرية التي تحققت لشعوبنا الخليجية بعد مشوار طويل امتلأ بالتضحيات.
جولة سريعة في حال الشعوب التي تمكن البعض الساعي إلى التغيير السالب من فرض تصوره للدولة عليها تكفي للتدليل على أنه لا يصح إلا الصحيح، فما حدث في أفغانستان طوال السنوات الماضية ولا يزال هو بسبب هذا الأمر، وما يحدث حاليا في سوريا وفي العراق هو بسبب هذا الأمر، وهذا يعني أن الأوضاع في هذه الدول ستستمر على ما هي فيه إن لم يتم كسر شوكة أولئك الحالمين بالدولة البعيدة عن العصر والمرفوضة من الحكومات والشعوب.
دول الخليج العربي، وعمان مثالا، لم تصل إلى ما وصلت إليه من تطور ورقي إلا لأنها اختارت طريق العقل والتوازن والوقوف من كل فكر غريب وشاذ وسالب موقفا واضحا وحاسما، وهي مستمرة اليوم في التطور رغم الظروف المالية الصعبة الناتجة عن انخفاض سعر برميل النفط، لكنها ستتوقف عن كل نمو وكل تطور لو أنها سمحت لذلك الفكر الضيق بالتحرك وغضت الطرف عنه.
لهذا فإن الأسلم هو الحفاظ على ما وصلت إليه دولنا وعدم السماح للفكر الضيق الذي يريد أصحابه الإتيان بدولة لا تتماشى مع العصر وما وصلنا إليه من تقدم وتطور بالتحرك أو حتى بفتح باب المناقشة معهم، يكفي قراءة عناوين ما يعتزمون الإتيان به لنآزر دولنا في اتخاذ هذا الموقف منهم.
بالمناسبة، ليس في قرار كهذا ديكتاتورية، وهو لا ينتقص من الديمقراطية التي يسعى الجميع في دول الخليج العربي إلى تأصيلها، فالديمقراطية لا تعني فتح الباب للأذى كي يدخل، ولا تعني السماح للفكر السالب أو المتخلف أو الغريب أو الشاذ ليعيش بيننا، فمثل هذا الفكر معروفة نتائجه والجميع يتفق على أن أبسطها هدم كل بناء بذل من أجله الجميع جهدهم ووقتهم. إغلاق الباب في وجه هذا الفكر الضيق والسالب بداية السيطرة على تلك الأحلام التي لا يقبل عاقل في دول الخليج العربي أن يرى لها ترجمة على أرض الواقع.

كاتب بحريني