كلهم في «الهم» سواء.. أتحدث عن ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
كلهم في «الهم» سواء.. أتحدث عن ترامب

أحمد المرشد

لم نتغير نحن العرب، وأغلب ظني أننا لن نتغير لا في وقتنا الراهن ولا المستقبل، فنحن نسرف في الآمال مع قدوم كل رئيس أمريكي جديد، بغض النظر عن انتمائه لأي حزب، الجمهوري أم الديمقراطي، إنها عادة العرب التي لن يتخلوا عنها مطلقاً، وإذا كان العرب قالوا زمان: «آفتنا هي النسيان»، فحان الآن أن نحرفها نوعاً ما لنقول: «آفة العرب هي التعويل على أمريكا».

منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر الفائت، كتب العرب مئات، بل آلاف الموضوعات عن ترامب، ما بين أعمدة ومقالات وتقارير، تضع معظمها السيناريوهات التي سيعاملنا بها المدعو ترامب خلال عهدته الرئاسية. فيما عقدت المقارنات بينه وبين سلفه غير المأسوف عليه باراك أوباما، وهل يكون غيره؟، أم يسير على دربه!، أو يكون حالة وسط.. وشاركت فضائياتنا العربية في إرهاقنا وإزعاجنا بكم البرامج والحوارات والتحليلات التي أسهبت في شرح تفاصيل علاقة ترامب المستقبلية بالمنطقة العربية تحديدا، والخليجية خصوصا، وما بينهما بالطبع منطقة المشرق العربي، بأزماته المتصاعدة، من سوريا للعراق إلى لبنان، مرورا باليمن وليبيا بطبيعة الحال.
وبعيدا عما كتب وعما قيل وسيقال، أعجبني رسمين كاريكاتورين نشرتهما صحيفة «المصري اليوم» القاهرية في يوم واحد وهو الأحد الفائت عقب تنصيب ترامب مباشرة، الأول في الصفحة الثالثة والثاني بصفحة الرأي. ما أعجبني في الرسمين، هما تعبيرهما عن واقع آني ربما نعيشه جميعا مع ترامب، عربيا وخليجيا وأوروبيا وآسيويا، وحتى علاقات أمريكا مع دول أمريكا اللاتينية، والتي بدأها الرئيس الأمريكي الجديد بتحديد سياسته مع جارته الجنوبية المكسيك.
ماذا جاء في الرسمين، الأول صور دونالد ترامب يقفز بالكرة الأرضية من على حافة جبل، ويقول التعليق «ترامب يقود»..أي أن ترامب سيرمي العالم أجمع من على وجه الكرة الأرضية، لتبقى بلاده فقط تحيا فوقها. المعنى واضح كما هي الشمس، فالرئيس الأمريكي الجديد لم يتحدث سوى عن «أمريكا أولا» في خطاب تنصيبه، أو هكذا نستطيع أن نفهم من كلماته القليلة، ولكنها تحمل معاني كثيرة وخطيرة، فالإدارة الجمهورية الجديدة تنوي العمل على خدمة الولايات المتحدة فقط، وبالتالي ستكرس كافة طاقاتها وقدراتها لمصلحتها فقط بدون النظر إلى مصالح الآخرين، لا أوروبا القريبة ولا العرب الأبعد ولا حتى الشرق الأقصى، وقد رأينا كيف ألغى ترامب معاهدة التبادل التجاري الإستراتيجية مع 12 دولة آسيوية في أول قرار له بالبيت الأبيض يتعلق بالعلاقات الدولية. وينتظر في هذا الإطار، أن تجري إدارة ترامب تعديلات جوهرية على معاهدة «نافتا» التي تضم إلى جانب بلاده كندا والمكسيك، بما يعني تمرده على كل ما سبق توقيعه حتى من قبل الإدارات الجمهورية.
أما الرسم الثاني الذي أود الإشارة إليه، فقد صور ترامب وهو يضع قدمه -بحذائه- على الكرة الأرضية، في إشارة واضحة تماما على نيته بالسيطرة على العالم والكون، ليكرس شعاره في خطابه الانتخابي «أمريكا أولا». نخرج من الرسمين بخط واضح، فأمريكا الجديدة لن تتغير، ولن تقترب من مشكلاتنا لحلها، بل ربما تزيدها تعقيدا وتصعيدا واشتعالا، فكما أشعلها أوباما فلن يطفئها ترامب.
وثمة جديد في خطاب ترامب، وهو أنه جعلنا ألا نسرف في الأماني، وهو المطلوب منا نحن معشر العرب في الوقت الراهن، فهو تحدث بعاطفة جياشة عن بلاده واقتصادها وقوتها العسكرية ونظامها الداخلي، على أن يعيد لأمريكا قوتها المفقودة، وهو ما سأشير إليه لاحقا.
ويحضرني هنا ما ذكره ترامب في خطاب تنصيبه وهو يتحدث عن تنظيم «داعش» الذي يقول عنه إنه تأسس نتيجة حرب العراق التي عارضها في حينها، فقد قال: «عندما كنت صغيرا أتذكر أحد المدرسين يقول إن أمريكا لم تخسر حربا من قبل، ولكن على ما يبدو أن ذلك توقف ولم نعد نفوز بأي شيء». ما مغزى ما قاله ترامب؟، أولا هو يكذب في كلامه، لأن أمريكا تعرضت لموقعة بيرل هاربور عندما كان صغيرا، وكانت لطمة قوية على وجه الولايات المتحدة، حتى وإن كانت قررت بعدها التخلي عن عقيدتها الانعزالية وعدم المشاركة في الأحداث الدولية، الأمر الذي جعلها تضرب اليابان بالقنبلة الذرية. ثم نسي ترامب حربا أخرى، أو ربما تناساها ورغب في نسيانها، وهي حرب فيتنام، حيث كانت الهزيمة من نصيب بلاده، وشهدت أمريكا وقتها وبعدها أكثر المظاهرات عنفا ضد الحرب وضد مقتل وإصابة آلاف الأمريكيين، وشاهدنا كم فيلما هوليووديا صور مآسي تلك الحرب على الشعب الأمريكي الذي أصيب بانهيار نفسي ومعنوي من جراء خسائر الحرب البشرية والعسكرية والمالية، وهي الحرب التي نالت من سمعة أمريكا عالميا، وهي السمعة السيئة التي لم يقض عليها سوى الرئيس جورج بوش الأب في حرب العراق، فهو أعاد للأمريكيين قوتهم وسمعتهم الغائبة، في حرب كونية، أي شاركت فيها معظم جيوش المنطقة والعالم.
إذن جورج بوش أعاد لبلاده هيمنتها عسكريا على العالم، ليكمل ما كان بدأه دونالد ريجان في القضاء على القوى العظمى البديلة وهي الاتحاد السوفيتي، لينهي مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. ويكتب لريجان أيضا أنه أعاد للأمريكيين قوتهم المفقودة بعد خسارتهم معركة الرهائن الأمريكيين في طهران، وهي الواقعة التي نالت من عزيمة الأمريكيين وأطاحت بالرئيس جيمي كارتر آنذاك، حتى أن الشعب الأمريكي أراد أن يلقن الديمقراطيين درسا لن ينسوه، حيث انتخبوا رئيسا غير معروف، وكل تاريخه أنه كان ممثلا وغير مشهور بالمرة.
ما يجري في أمريكا حاليا في ظل ولاية ترامب يؤكد لنا، أن الولايات المتحدة ستنكفئ على نفسها أكثر خلال المرحلة المقبلة، لإعادة ما يراه ترامب بأن سلفه باراك أوباما دمره وهدمه، ثم التفكير مليا في كيفية مواجهة العالم للنيل من الجميع، ولاستعادة ما يراه بأن «دولا أخرى أثرت -اغتنت- بسبب الدعم الأمريكي لها»، فهو يريد استعادة الأموال الأمريكية التي دفعها المواطن الأمريكي في حروب الخارج. ويتناسى ترامب هنا، أن بلاده هي التي أشعلت حروب الخارج، واستفادت وحصدت بلايين الدولارات من ورائها.
ربما أصاب ترامب في خطاب تنصيبه عندما تعهد بالقضاء على التطرف والإرهاب، رغم وصفه هذه التطرف خطأ بـ «الإسلامي»، ونحن ننتظر منه الوفاء بوعده بالقضاء على الإرهاب بصورة نهائية، ولا نريد تحديد فترة زمنية محددة، فنحن لن نلزمه بوقت أو مهلة، وإن كنا نلزمه فقط بتحقيق وعده.
وستكون «أمريكا أولا» في السياسة الخارجية، إذ تلتزم إدارة ترامب بحماية المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي من خلال السياسات الخارجية والدولية التي ستنتهجها إدارته في سبيل تحقيق ذلك. وحتى حينما يستخدم كلمة «السلام» تكون مقرونة بـ«السلام من خلال القوة» وهو شعار وجوهر السياسة الخارجية لترامب، إذ يعتقد أنه بهذا المبدأ، سيجعل العالم أكثر استقرار وسلاما بتقليل الصراعات. وننقل هنا عن بعض المحللين الأمريكيين قولهم إن السياسة الخارجية لترامب ستكون مبنية على المصالح الأمريكية، ولابد للعالم أن يعرف أن الولايات المتحدة لن تجوب العالم للبحث عن الأعداء، لكن يسعدها أن يتحول الأعداء القدامى إلى أصدقاء، والأصدقاء القدامى إلى حلفاء.
وعسكريا، يتعهد ترامب أيضا بأن تكون «أمريكا أولا» في هذا المجال، بتقوية المؤسسة العسكرية لتكون في حالة استعداد تام لدرء أي اعتداءات قد تمس الولايات المتحدة. ومن المقرر أن توقف إدارته ما قامت به إدارة أوباما من استقطاعات في الميزانية العسكرية الأمريكية لإعادة بناء الجيش الأمريكي، ووضع احتياجات مؤسسات الدفاع الأمريكية في الأولوية. كما سيعمل على تطوير نظام صواريخ دفاعي متطور للغاية للحماية ضد أي هجمات صاروخية من قبل دول مثل كوريا الشمالية وإيران، بالإضافة إلى تطوير أفضل نظم الدفاع الإلكترونية ضد الاختراقات والهجمات الإلكترونية التي قد تمس أجهزة الأمن القومي الأمريكي والبنية الأساسية.
وأخيرا، لن نتحدث كثيرا عن القضية الفلسطينية وتعهده لإسرائيل بنقل سفارة بلاده إلى القدس، لأننا هنا نسبق الأحداث كثيرا، وبخبراتنا في هذا المجال، تعهد معظم الرؤساء الأمريكيين بهذا من قبل للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولم ينفذوا ما تعهدوا به، وأغلب الظن أن هذه القضية تدخل فقط في إطار «العهود الانتخابية» لجذب أصوات اليهود، وعموما ما بين ترامب وإسرائيل أكثر كثيرا من مجرد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حتى وإن كان ترامب والمقربون منه رفضوا موقف إدارة أوباما بعدم الاعتراض على قرار مجلس الأمن الأخير بإدانة إقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية.
إجمالا.. علينا ألا نعول على الرئيس الجديد كثيرا، فكلهم في «الهم» سواء!

كاتب ومحلل سياسي بحريني