تعذر "بديل فاقد"

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/يناير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
تعذر "بديل فاقد"

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

عندما يترجل فارس عن صهوة جواده نشعر أن موتا رهيبا عبرنا ونحن في زمن أحوج ما نكون فيه للفرسان..
فرسان في مجالات شتى تظهر أراضيها اليباب عاما بعد آخر، كأنما نتمسك بما حملته أيام الزمن الجميل إلينا، حتى إذا مرت عليه سنّة الحياة/ فرض الموت شعرنا بالغصّة، كأنما لا بديل هناك تلده هذه الأرض.
ربما لأن السنديانات العملاقة تحتاج إلى سنوات طوال لتشمخ هكذا، والكبار بيننا قلّة في زمن يعلو فيه صوت الصغار، بما أوتوا من قوة "دفع" استهلاكية جعلت من الأقزام عمالقة، ومن يجيد تسويق نفسه هو الأقدر على اكتساح الساحة، بما يدفع الكبار للتواري، هكذا فعل "مبدعون" آثروا الصمت في عصر الثرثرة.
كانوا أيقونات راسخة، لها ما تتركه بعدها من ثراء، يوسف الشاروني ترك مجدا قصصيا كآخر الراحلين الكبار، الأديب الذي عرف عمان وعرفته سنوات إقامته فيها، وكذلك المرحلة اللاحقة التي كتب فيها عن الأدب العماني، مفتونا بالأرض التي أحبها، والناس الذين عاش بينهم.
بعده رحل سيد حجاب الذي شكل مع الراحل الآخر عمار الشريعي ثنائيا فنيا على المستوى الدرامي بحيث تحولت مقدمات المسلسلات إلى مقطوعة فنية مدهشة، من ينسى "ليالي الحلمية" و"أرابيسك".. على سبيل المثال؟!
وفي ثنائيته مع الموسيقار بليغ حمدي غنّى لهما علي الحجار وسميرة سعيد وعفاف راضي، كما كتب فوازير الفنانة شيريهان في عز ألقها الفني، فكانت كلماته سلاسة إبداعية تجمع السهل الممتنع مع مبدعين يعرفون كيف يدوزنون لغته على السلم الموسيقى بعذوبة تستحق أن يسمى ذلك بزمن الفن الجميل.
لماذا نثق بالراحلين أكثر من جيل يعيش (العصر) محاولا أن يضع لغته الخاصة به، أو أنها الثقة "القلقة" في أي شيء بيننا كون أن الزمن الذي نحياه يعبر فوق أرواحنا بقلق موجع، يضعف ثقتنا في أنفسنا، وقدراتنا، فكيف بالآخرين، من كتّاب وفنانين، على تعدد المسميات تحت الكلمتين؟!
بعد رحيل نزار قباني لا نجد من يكتب لنا قصيدة تليق بمزاجنا العاطفي كما فعل نزار، ولا بعد وفاة محمود درويش حركت مزاجنا الثوري قصيدة كما تفعل الجدارية مثلا في ثورتها في مخاطبة الموت، ولا "الحصان الذي يعود وحيدا" أبقى لمن بقوا تلك اللغة المتفجرة قوة..
هكذا كان وداع عمالقة كثر، وفي الإبداعين الكتابي والفني تبدو الصورة أكثر كونهما على علاقة أقرب مع الجمهور، الذائقة، المزاج الشعبي، هكذا كان رحيل الموسيقار ملحم بركات والفنانين محمود عبدالعزيز وكريمة مختار.. وغيرهم، كأبرز الراحلين مؤخرا.
إنما.. هل ألمنا في رحيل الكبار مردّة إلى تعذر وجود "بدل فاقد" بذات الحضور والوهج الذي صنعه الراحلون؟!.. ربما.