الفنانة العُمانية سلاف البادرية.. حكاية فن تنقل العوالم الخيالية للأجمل وصولًا إلى جوهر الأشياء

مزاج الاثنين ٢١/مارس/٢٠٢٢ ١٥:٠٢ م
الفنانة العُمانية سلاف البادرية.. حكاية فن تنقل العوالم الخيالية للأجمل وصولًا إلى جوهر الأشياء

العمانية - الشبيبة

 المتتبع لأعمال الفنانة العُمانية سلاف بنت سعيد البادرية سيجد تلك التجربة الفنية الجامعة ما بين رؤى مختلفة من النادر الالتفات نحوها في الواقع، وما يتبعها من عوالم خيالية في نطاق اللون والسفر نحو بهجته.

هنا تطوف بنا سلاف في آفاق تجربتها الفنية في الفن التشكيلي، والمدراس التي تعمل على الاتكاء عليها لإخراج نتاجها الفني للمتلقي: كان الفن في حياتي هاجسا منذ الطفولة، ولكنه كان محصورا حول دائرة محددة كنت من خلالها أمارس هواية الرسم من أجل الوصول إلى المستوى الذي قال عنه الفنان العالمي بابلو بيكاسو: (إن التدريب المثالي يعتمد على النسخ المنضبط)، لذلك كنت أنسخ الأشكال والأشياء كون المجتمع حينها ولا زال يمجد القادرين على رسم الأشخاص وتصويرهم كما يبدون في الواقع، حتى كبرت وأصبح شغفي للفن لا يمكن أن أبقيه وفق الحدود التي قام المجتمع برسمها للأفراد.

وتضيف: تتلخص تجربتي الفنية الجامعة ما بين رؤى مختلفة في أسلوب قد يندر الالتفات إليها في الواقع وما ورائه من عوالم خيالية تنقلنا لعالم أجمل حيث الأحلام والأماني وصولا إلى جوهر الأشياء وما يحويه من مشاعر وأفكار تختبئ خلف جثث من الأجساد خلال رحلتها في الحياة.

استندت من خلالها على مجموعة من المدارس الفنية التشكيلية التياستقيت شيئًا من رحيقها لأخرج بأسلوبي الفني الخاص حيث نرى قوة التعبير تطغى عليها، ومنها المدرسة التعبيرية التي قامت على إخراج الأحاسيس والمعاني الذاتية الداخلية والتعبير عنها بأسلوب سلس وبسيط، ونرى أثره يتجلى على عناصر أعمالي الفنية حيث نرى التبسيط للمفردات والعناصر يتضح بها، ومن التعبيرية انتقالا للوحشية وهو اتجاه فني أشبه بالأشكال البدائية حيث تبدو الأشكال من خلالها مبسطة تكاد تخلو من التفاصيل مع تهميش دور الظل والنور والتركيز على الشدة اللونية، وهي أحد أهم الأمور المستفادة من هذه المدرسة، ولا أنسى كذلك دور المدرسة الانطباعية التي ساعدتني كثيرًا في إيصال تلك المشاعر على هيئة طبعات لونية تسلك اتجاهات عشوائية. كل تلك المدارس كان لها أثر في تشكيل أسلوبي الفني.

حيث تتبع مسار الحركة الفنية في سلطنة عمان وحضور الفنانة سلاف منها وعلاقتها بها أيضا والأقرب إلى ذاتها الفنية من الأسماء الفنية المتحققة في الحركة هنا تقول: إن المتأمل في تاريخ هذا الوطن العزيز يرى الفن حاضرًا في جميع تفاصيله الصغيرة يصطبغ بصبغة ذات أبعاد هندسية ميالة إلى التجريد منذ القدم ويتجلى ذلك بوضوح في البيئة المحيطة بنا. حيث نرى انعكاس هذا الأمر على الحركة الفنية التشكيلية المعاصرة والتي نراها اليوم تتطور حتى امتدت لتشمل معظم المجالات الفنية وتتقبل جميع الاختلافات الموجودة بها وتحترمها، كما وأننا نأمل أن يكون لنا دور حاضر وقوي مستقبلا بها.

وأحد أبرز رموز هذه الحركة الفنية التشكيلية العمانية ممن كان له وقع وأثر كبير على أسلوبي الفني الفنان العظيم أنور سونيا الذي اختزل معالم المجتمع العُماني في لوحاته تراه بها معبرًا عن البيئة العمانية ومعالجًا مختلف القضايا التي تطرح بها، وهذا ما أود أن أوصله للجمهور مع وجود اختلاف بسيط، حيث إن القضايا التي أطرحها في أعمالي تشمل آفاق أخرى أماكن لا يتم الالتفات لها كثيرًا في صيغ فنية هندسية مبسطة ومجردة أردت لفرشاتي أن تصل لتلك المناطق المظلمة حتى تنكشف، أن أعبر عما يوجد وراء تلك العناصر التي نراها في الطبيعة ذلك الجانب الذي يهاب العامة الاقتراب منه.

المتتبع لمشوار سلاف التشكيلي يلحظ اتجاهها إلى تسويق وإخراج أعمالها عن طريق عرض اللوحات إلكترونيًا، هنا تقربنا من هذا السياق وتفاعل المتلقي معها وتوضح: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الراهن جزءًا أساسيًا من حياة الكثيرين، وقد احتل تطبيق /انستقرام/، مكانة كبيرة في وقت قصير بين أوساط مختلف تلك الوسائل التي يستعملها الأفراد، ومن هنا أتت الفكرة في البداية لم يكن الأمر مخطط له كما يبدو لي الآن، أما عن القبول وعدم القبول، فهي مسألة تعود لاختلاف الذائقة الجمالية التي تتحكم بها الفوارق الشخصية والتي لربما قد تكون متأثرة بمدى ثقافتهم العامة بالفن وغيرها، لم أفكر كثيرًا في موضوع القبول وعدم القبول من قبل الجمهور قبل بثها لهم كل ما كان يهمني هو أنني كنت أمارس ما أقوم به بحب والحمد لله أرى أثر هذا الشعور أيضًا على الناس فأراهم يتقبلون ويعجبون بما أقوم به ويروه مميزًا مثل ما أراه أنا مميزا، فالشخص نفسه هو الذي يحدد الكيفية التي سيرى معظم الناس أعماله لو كنت أنت ذات نفسك تحب وتحترم وتفتخر بالشيء الذي تقوم به فالجمهور المتلقي كذلك سيبادلونك نفس الإحساس، عليك فقط برمجة ذاتك وروحك على هذا الأمر.

هناك ذوات مسكونة بالألم في لوحات البادرية مرورا بذوبان الإنسان في وجعه وحيرته في الوقت ذاته، وهنا تخبرنا عن مدى حضور ذات الفنان وتجليات روحه الحاضرة في اللوحات الفنية عموما وتفيد: إن الفن في أساسه وسيلة تعبيرية يلجأ إليها الأفراد للتعبير عما يجول في خواطرهم من مشاعر وأفكار أنه بمثابة لغة ذات مفاهيم معقدة جدًا لا يمكن للكتابة وحدها التعبير عنها بإخلاص، ولأن الكلمات وحدها قد لا تكون كافيه لذلك وجد الفن، إن الانتقال الشعوري الذي يحدث ما بين ذاتي كفنانة وما بين اللوحة ليس بالانتقال الهين حيث إنه يتطلب حالة خاصة استحضر من خلالها ما بي من شعور حتى أفرغه على سطح العمل، أما بالنسبة لرؤية الناظر فتختلف رؤية كل واحد منهم على حسب الاتصال الذي تجريه أعينهم وأرواحهم مع عناصر المشهد فالبعض منهم يرى العمل يعبر عن الحزن والكآبة، وبعضهم يرى الأمل حاضرًا في بعض من عناصر اللوحة.

ولكن ما كنت أرغب في تأكيده على الرغم من تنوع العناصر الموجودة في المشهد أن أترك الناظر في حيرة، فقد يبدو له العمل مباشرًا تارة ومعقدًا تارة أخرى أردته أن يشتمل على الغموض أن أترك ملايين من الأسئلة والأفكار المتضاربة تدورفي عقله دون الإجابة عليها.

وتفند البادرية ذلك التضاد الحاضر في بعض أعمالها وعلى سبيل المثال لا الحصر، الخير /الشر، القبح الجمال: بالنسبة للتضاد الحاضر في عناصر اللوحة لا يوجد توجه أو فلسفة معينة أقوم باتباعها هي مجرد اختلاف وجهات نظر، فكل عنصر من عناصر أعمالي الفنية له معنى قد يخالف المعنى الذي يستشعره المتلقي في العمل، على سبيل المثال أنت تنظر للوردة على أنها وردة ذات رائحة ومظهر جميلين أما أنا أرى ما هو خلف هذه الوردة هي فعلا جميلة ولكنها على الرغم من جمالها إلا أنها تعيش لفترة قصيرة جدًا أنت تراها ترمز للحياة والأمل وأنا أراها ترمز لشعور بالسعادة المؤقتة الذي على الرغم من حلاوته إلا أنه سرعان ما ينتهي ويتلاشى.

من نهاية التطواف تتحدث الفنانة البادرية عن وعي الفنان وثقافته وتتبع كل ما من شأنه الارتقاء بالوعاء الثقافي الفني الخاص به، ومدى إدخال ذلك في إطار الضرورة الفنية وتبيّن قولها: إن الإلمام بثقافة الفن ومقتضياته والاطلاع على التجديدات التي تجري به، كل ذلك يُسهم في النمو بشخصية الفنان والارتقاء به كما وأن أثرها يمتد لينعكس لاحقًا على تطور أسلوب الفنان وعدم بقائه في قالب فني واحد، فكل ما زاد وعي الفنان زادت خبراته وتصبح الخيرات المتاحة أمامه كثيرة مما يزيد من فرص إبداعه أكثر.