«الإمبراطورية العُمانية في شرق إفريقيا».. كتاب يروي صفحاتٍ حضارية مشرقة في تاريخ العرب

مزاج الاثنين ٢٨/مارس/٢٠٢٢ ١٥:١٢ م
«الإمبراطورية العُمانية في شرق إفريقيا».. كتاب يروي صفحاتٍ حضارية مشرقة في تاريخ العرب

العمانية - الشبيبة

صدر عن دار "رؤى فكرية" بمسقط كتابٌ بعنوان "الإمبراطورية العُمانية في شرق إفريقيا.. شرق وغرب" للباحث المصري د. صالح محروس محمد، ما يُشكّل هذا واحداً من ثمرات الصالون الثقافي أحمد بن ماجد الذي انطلق العام الماضي من القاهرة.

ويقول مؤلف الكتاب لوكالة الأنباء العمانية، إنّ هذا الإصدار "يتناول قصّة دولة مترامية الأطراف ذات حضارة يُعدُّ تاريخُها فخراً لكلِّ عربيٍّ ومسلم، وصفحات مضيئة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، بدأت بظهور إمبراطورية عربية إسلامية آسيوية إفريقية، في ظاهرة تاريخيّة غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، استمرّت ما يزيد عن ثلاثة قرون، منذ وجود اليعاربة في شرق إفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي حتى السقوط السياسي ونهاية الحكم العربي في الثاني عشر من يناير 1964م.

وتسردُ هذه الدراسة الموسوعية بإسهاب قصّة الوجود العُماني في شرق إفريقيا، من بدايته حتى يومنا هذا، وهي في خمسة أبواب تحتوي على أربعة عشر فصلا؛ تناول الباحثُ في الباب الأول الوجود العُماني في شرق إفريقيا وتأسيس الإمبراطورية، حيث وضّح بدايات الوجود العُماني في شرق إفريقيا ثم الدور العُماني التاريخي في طرد البرتغاليين من شرق إفريقيا، وتأسيس الإمبراطورية العُمانية المترامية الأطراف التي كانت تشملُ الساحل الإفريقي الشرقي؛ من سواحل الصومال حتى حدود موزمبيق، وداخليّاً حتى منطقة البحيرات العظمى.

وشرح الباب الثاني، بشكل مفصّل، مظاهر التأثيرات الحضارية العُمانية في شرق إفريقيا، في المجالات السياسيّة، والإدارية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية، والاجتماعية، والعمرانية، والتي ما تزال شاهدة على هذا الوجود.

أما الباب الثالث، فتناول أوروبا وإرهاصات غروب الإمبراطورية العُمانية، حيث تناول التكالب الاستعماري الأوروبي، وتقطيع أوصال هذه الإمبراطورية، ثم السياسات الاستعمارية البريطانية.

أما الباب الرابع، فقد وضّح فيه الباحث المتخصّص في تاريخ إفريقيا وتاريخ عُمان الحديث والمعاصر، أنّ العُمانيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام السياسات البريطانية، فقادوا المقاومة ضد هذه السياسات في الصحف، مثل صحيفة "الفلق" و"المرشد" وغيرهما. وظهر بوضوح دور الشيخ علي محسن البرواني المقاوم البارز لهذه السياسات، والتي دفع ضريبتها حكما بالسجن عشر سنوات.

وتناول الباب الخامس قصّة أُفول هذه الإمبراطورية في المؤامرة الدولية التي اشترك فيها جوليوس نيريري وبريطانيا وإسرائيل، انتهت بضمّ زنجبار إلى تنجانيقا تحت اسم تنزانيا، ثم تناول العلاقات العُمانية التنزانية بعد الاتحاد بين زنجبار وتنجانيقا، وكيف استمرّت بشكل حضاريٍّ قويٍّ حتى الزمن الحاضر.

ويقول المؤلف إنّ الإمبراطورية العُمانية التي استمرّت في شرق إفريقيا، لمدة ثلاثة قرون، وكذلك الحضارة التي أقامها العُمانيون في شرق إفريقيا "ترجعُ في مُجملها لشخصية العماني؛ فلقد تميّز العٌماني بصفاتٍ جعلت منه رائدا ونموذجا يُحتذى به؛ فهو حَسن الخُلُق، ومتسامحٌ، ومحبٌّ للعلم، ومتواضعٌ، وصبورٌ، ولديه رغبةٌ في تحقيق النجاح والتأثير في الآخرين، وصفةُ التسامح غالبةٌ عليه؛ فهو لا يحملُ الضغينةَ في قلبه لأنّه على وعي بأنّ الضغينة ثقلٌ على القلبِ، فإن ثَقُلَ أبطأ الخُطى في نهضته".

ويُشير المؤلف إلى أنّ الوجود العُماني في شرق إفريقيا يمتدُّ إلى آلاف السّنين قبل الميلاد، وبدأ رسميّاً منذ وجود اليعاربة في شرق إفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي، واستمرّ حتى 12 من يناير 1964م، وكانت التجارةُ عاملا مهمّا في ربط هذه الإمبراطورية الشاسعة، ويوضح أن العمانيين تركوا آثارا حضارية في النواحي الاقتصادية؛ حيث أدخلوا شجرة القرنفل، وشجّعوا التجارة من الساحل إلى الداخل، وكانت لهم جهودٌ في نشر الإسلام ودعم اللُّغة السواحيلية، وأيضا في العمارة التي ما تزال آثارُها موجودة حتى الآن، وكذلك الآثار الاجتماعية الحضارية للوجود العُماني في شرق إفريقيا، مثل نشر الكثير من العادات في المأكل، والمشرب، والملبس، ومظاهر الاحتفالات المختلفة.

ويستعرض المؤلف دور أوروبا في تفتيت الإمبراطورية العُمانية في شرق إفريقيا، حيث تكالبت إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا على اقتسام هذه الإمبراطورية، في نهاية القرن التاسع عشر، واحتلّت بريطانيا زنجبار حوالي ثلاثة وسبعين عاماً، استخدمت خلالها كلّ الأساليب التي كان أهمُّها اللّعبُ على الطائفية التي تُدمّر أيّ مجتمع، فأوجدت عداواتٍ بين الإفريقي والعربي، وصلت إلى صراع مسلح في نهاية الاحتلال البريطاني لها، ويؤكد أن العرب قاوموا هذه السياسة، وقاوموا الاحتلالَ البريطاني، حتى حصلت زنجبار على استقلالها في ديسمبر 1963، ثم جاء الاحتلال التنجانيقي لزنجبار في عام 1964، وعلى الرغم من كلّ ذلك ما تزال شرق إفريقيا، خاصّة زنجبار، "لها في قلب كلّ عُماني مكانة خاصّة؛ فيذهب عددٌ كبيرٌ منهم سنويّا لزيارتها".

وتُوصي الدراسةُ أن يستفيد العربُ من هذا الرصيد الحضاري العربي عند الأفارقة في شرق إفريقيا لإعادة بناء علاقات عربية إفريقية قوية تعودُ بالنفع على العرب والأفارقة، في شكل مشاريع اقتصادية في النواحي الزراعيّة، والصناعيّة، ومصادر الطاقة.

يُشار إلى أنّ د.صالح محروس محمد لهُ أكثرُ من 25 كتابا منشورا، وأكثر من 50 بحثا منشورا، درّس التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة بني سويف، كما اشتغل أستاذا مساعدا بالجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا الأمريكية، ورئيسا لقسم التاريخ بفرع الهند.