عزيزة راشد .. شغوفة بالعلم والمعرفة .. تروي رحلتها الحياتية كنموذج للعمانية

مزاج الثلاثاء ١٨/أكتوبر/٢٠٢٢ ١٧:٥٠ م
عزيزة راشد .. شغوفة بالعلم والمعرفة .. تروي رحلتها الحياتية كنموذج للعمانية

مسقط - خالد عرابي

عزيزة راشد ، الأسم الذي تسمعه وتبتسم، أسمها مفخخ بالفرح وملبد بالموسيقى ، كوانها شغوفة بالعلم والمعرفة ، نهارها كالفراشات الملونة التي تعبر الحقول السعيدة ، ليلها الباذخ بالجمال كشرفة جميلة على منحدر ملهم ، دائما أجدها تبتسم وكأنها لم تعش الحزن يوما ، أسئلتها لمن تحاورهم أسئلة عميقة ومقفلة نادرا ما يستطيع المتحاور أن يجد مفاتيح الإجابة عليها ، تقف على المنصة لتقول دررا لم أسمعها من قبل وكأن حالة أخرى تتلبس بها ولا أعرفها ، هل هي تلك التي أبتسمت قبل قليل ، الجلوس معها كالسباحة في محيط لا تود مغادرته ، عميقة للحد الذي تصل معها لسدرة المنتهى دون أن تصل، ملهمة للحد الذي لا تستطيع الصحو، الأيام في حضرتها لا تمضي ، وحديثها يشبه مقاعد المسرح الذي لا يخلو من الجماهير ، سكوتها يولد فكرة شرارها قد يصل لحدود الشمس ، وصمتها رضا هانئ ، ببساطة أنها المرأة المذهلة.

بدايات المعرفة

كانت طفولتي مختلفة عما يعيشه الأطفال عادة ، إذ لم تكن لدينا المراجيح وألعاب الأطفال المعروفة ، كانت مرجوحة السدر وهي قطعة من الخشب تربط بحبل بين شجرتي السدر هي أقصى درجات الفرح لدينا عندما كنا صغارا ، تفتح الوعي لدي عند دخولي للمدرسة فعشقت عالم الكتب وكنت أقضي الفسحة وهي الأستراحة بين الحصص الدراسية في المكتبة ، كنت أقرا بنهم كبير وعندما أعود للبيت أتناول غدائي وأكتب واجباتي المدرسية ثم أهرول إلى مكتبة أبي رحمه الله ، أتذكر أني قرأت كتاب محمد حسنين هيكل وكان بعنوان : عناقيد الغضب وكتاب البداية والنهاية لأبن كثير وكتاب الطب النبوي لابن قيم الجوزية وكتاب السيرة النبوية لابن هشام وكتابي الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وكتب أخرى عديدة ، هذا ما أتذكره من كتب الطفولة ، كانت مكتبة أبي الصغيرة تغريني بالبقاء فيها أكثر أوقاتي ومنها عرفت العالم ، لذلك من المهم أن يكون في كل بيت مكتبة فهي من سيشكل وعي الأطفال ويرسم طريق حياتهم في المستقبل .. "عمانيات" حاورتها لتحدثنا عن رحلتها الحياتية كنموذج للمرأة العمانية .

المدرسة

كانت المدرسة عالمي الذي عشقته ، وكنت أحزن عندما أغادرها بعد انتهاء اليوم الدراسي ، كنت اترأس جماعة المرشدات وجماعة الرحلات وجماعة المسرح وجماعة الموسيقى في المدرسة ، وكنا نذهب في رحلات عديدة لأماكن علمية كثيرة في البلد ، وكذلك عالم المرشدات خلقت لدي الوعي بأهمية الأعتماد على النفس وأن أكون قائد يعتمد عليه ، فكانت المدرسة والمكتبة والأنضباط المدرسي والمرشدات دور كبير في تشكيل شخصيتي .

الجامعة

ألتحقت بالجامعة فكانت عالم آخر ، عالم جميل وعلمني الأعتماد على النفس وأن أكون قائد نفسي أرسم طريقي الحياتي بدء من نومي ومذاكرتي لدروسي ومقرراتي الجامعية .

كانت رغبتي هي الدخول في كلية العلوم السياسية لكن أهلي رفضوا وأصروا أن أدخل كلية التربية وأتخرج معلمة وفق العرف الأجتماعي السائد في تلك الفترة ، بأن البنت يجب أن تكون معلمة فدخلت كلية التربية ودرست طرق تدريس وتخرجت معلمة تاريخ ، كان كل وقتي بعد المحاضرات أقضيه في المكتبة ، كانت عالمي المفضل كنت انتهي من آخر محاضرة وأذهب للمكتبة وأختار أكثر من 18 كتاب واقرأ لغاية موعد إقفال المكتبة الساعة 8 مساء ، وهكذا كل يوم طوال 4 سنوات دراستي للبكالوريوس ، تخرجت من الجامعة وبدأت أولى خطواتي في التدريس فبدأت بالصف الثالث الثانوي وبعدها المرحلة الإعدادية تليها المرحلة الابتدائية ، وتقلبت في التعليم في أكثر من 5 مدارس ، وأحمد الله أني تركت ذكرى جميلة في نفوس طالباتي اللواتي أفتخر بهن الآن وقد أصبحن مديرات وموظفات ومسؤولات وقائدات ومعلمات وكلما تواصلن معي أشعر بالفخر والإعتزاز .

الصحافة والاعلام

بدأت علاقتي بعالم الصحافة والأعلام منذ مرحلة الإعدادية العامة وأول مقال لي تم نشره في جريدة الوطن العمانية ، تليه مقالات أخرى ، وكتبت أكثر من 500 قصيدة ولكني خبأتهم عن النشر لأن أعراف القبيلة تمنع ذلك ، ولغاية الآن لم أقم بنشرهن ولم أكتب لقب شاعرة على أسمي ، رغم أني أكتب الشعر واحتفظ به ، ثم كانت المسيرة الأعمق في الكتابة الصحفية فكانت مقالاتي تنشر في جريدة الشرق وجريدة الراية القطرية ، ثم كتبت في جريدة الهدهد في السويد وبعض الصحف المصرية ، وأصبح لي عمود صحفي في جريدة عمان وجريدة الشبيبة وجريدة الرؤية ، وأصبحت كتاباتي تتداول بشكل كبير وتنشر بشكل واسع وكانت مقالاتي تتسم بالجرأة والصراحة والقوة ، ودخلت عالم تويتر وكانت أيضا كتاباتي فيه متنوعة ، ألفت كتابي الأول بعنوان عطش السواقي والآن أقوم بتأليف كتابي الثاني ، وأخذت عهد على نفسي أن اؤلف في كل سنه كتاب وأودع الكسل الكتابي .

العمل الاجتماعي

أنخرطت في العمل الأجتماعي فكانت لي مشاركات أجتماعية كثيرة عبر جمعيات المرأة العمانية بالإضافة لجمعيات الصحفيين والكتاب والأدباء والسينما ، وكانت لي مشاركاتي في تقديم الندوات والمحاضرات والمشاركة بالأوراق البحثية في الندوات المتخصصة وكذلك لي مشاركاتي في عالم التدريب وأقدم دورات تدريبية متخصصة في شتى المجلات وخاصة المجالات الإعلامية والصحفية واشتركت مع عدة فرق تطوعية في العمل التطوعي لخدمة المجتمع .

العمل التربوي

العمل التربوي يشعرني بالأعتزاز والفخر خاصة أنك القدوة للأجيال ومربي فاضل لذلك كان ميدان التربية والتعليم الذي تخصصت فيه عالم من الشغف وتبادل المهارات وأكتساب الخبرات ، فكان التدريس مرحلة مهمة في حياة كل تربوي حيث الأحتكاك المباشر بالطلبة والطالبات يوسع لديك الآفاق العامة ويخلق لك مسارات عديدة فالمعلم هو من يرسم خارطة الطريق المستقبل للطالب والطالب ، يتشكل وعيه ونضجه الفكري من خلال ما يغرسه معلمه فيه من معلومات ومهارات واسعة ، إطلاع وطرق التفكير وتنمية الذكاء وخلق شخصية قيادية ، لذلك كان العمل التربوي بمثابة أمانة ومسؤولية أضاف لشخصيتي الأنضباط والحرص على أكساب الآخرين معلومة يستفيدوا منها في المستقبل ، وصناعة وعي إدراكي في عقلية الطالب فكانت مرحلة مهمة بالنسبة لي وأضافت لي الشي الكبير .

الدراسات العليا

الطموح ليس له حدود ومن حبي للعلم قررت أسلك طريق الدراسات العليا فكانت البداية في لبنان ودرست الماجستير هناك ، إلا أن حرب تموز 2006 أوقف الدراسة ، كنت أقيم في عمارة مكونة من 13 دور ، وعندما كانت تمر الطائرات الإسرائيلية فوق العمارة تتصدى لها المضادات الأرضية فكانت العمارة تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال من قوة أختراق الطائرات الإسرائيلية لخط الصوت ، كانت أيام عصيبة المحلات مغلقة الناس خائفة الطيران الإسرائيلي يحلق في سماء لبنان على علو منخفض صورة تعيد للأذهان الحروب التي خاضها العرب مع إسرائيل ، قررت الخروج من الجحيم ولم يكن الخروج سهلا إذ من المخاطرة أن تخرج من البيت وتتوجه للمطار تحت ظلال الطائرات الإسرائيلية التي كانت تشن غارات على بيروت ولا تفرق بين هدف عسكري أو هدف مدني ، كان قرارا شجاعا بالنسبة لي الخروج وبالفعل خرجت مخاطرة بحياتي متوجه للمطار وأنا لا أعلم هل سأصل ام لا ، وصلت مطار بيروت وكان الطيران الإسرائيلي يقوم بالقصف العشوائي كل ما كان يتحرك على الأرض ، لكن وجدت المطار مغلق وقررت عدم الرجوع للشقة وأكملت طريقي إلى شتورة على الحدود اللبنانية السورية ، ومن سوريا وعبر مطار دمشق كانت العودة للوطن ، الحمدلله الذي وهبنا أوطان آمنه نعيش فيها بسلام .

تكملة طريق العلم

كانت الوجهة هذه المرة لجمهورية مصر العربية والتي سجلت فيه لدراسة الماجستير مرة أخرى ولله الحمد كانت مصر من أروع البلدان التي زرتها في حياتي شعبها الودود الطيب وحسن التعامل وطيب الإقامة والتنوع الذي تتميز فيه مصر من طيبة شعب وجغرافيا وثقافات جعلها بالفعل ام الدنيا وتجعل كل زائر لها لا يتوقف عن زيارتها أبدا ، ولازلت أدرس فيها الدكتوراه بعد أن أنهيت منها دراسة الماجستير .

محطات مفصلية في حياتي

زيارة فلسطين

في عام 2013م تلقيت أتصال من سعادة السفير الفلسطيني الدكتور لؤي عيسى لزيارة السفارة الفلسطينية ، لم تكن زيارة عادية فقد أخبرني سعادته أن وفدا من جمعية الصحفيين العمانية سوف يتوجه لزيارة فلسطين المحتلة ، والدعوة موجه لي من السفارة لمرافقة الصحفيين ، لم أصدق نفسي ، فلسطين الأسم الثمين الغالي على قلوبنا والمسجد الأقصى المقدس وتراب فلسطين ، تزاحمت الأفكار في عقلي وأنا أعود للبيت ، حزمت الحقائب وغادرت إلى فلسطين ، دخلنا عبر بوابة فاطمة إلى الضفة الغربية ، جو روحاني عجيب هدوء الأرض الأسيرة والحكمة الفلسطينية ، أخذتنا السيارة للفندق ، كنت أفتح النافذة لأرى الأرض التي تمنى أجدادي رؤيتها ومات أبي وهو يبكي حزنا عليها ، فلسطين مترسخة في العقل الباطن ايقونة مقدسة ، خرجنا لجدول حافل من الزيارات أبرزها زيارة فخامة الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس وكان رجلا دمث الأخلاق ومتواضع ويتحدث بألم عن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني على أرضه ، كنت أنظر إليه وأمامي شريط يمرعن قصة صمود وكفاح ، نبيل أو ردينه ونبيل عمرو ومجدي الخالدي وهشام واصف وقيادات فلسطينية عالية المستوى كانت تحضر اللقاء ، تذكرت المرحوم فخامة الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله ، ألتقينا بعدة شخصيات في فلسطين منها السيد الدكتور صائب عريقات رحمه الله ومعالي وزير الزراعة الفلسطيني وكانت زيارة رائعة لمزرعة الزيتون ومتابعة مراحل قطفه وعصره وتناول وجبة المسخن الفلسطينية الشهيرة ، وأعظم لحظة فرح رصدتها في حياتي كانت لفرحة ام فلسطينية تم الأفراج عن أبنها الأسير بعد 30 عاما من السجن ، جلسنا معها لغاية الساعة الثالثة فجرا ، خرج أبنها الأسير وأحتضنته بالدموع لم أرى فرحة أعظم من فرحة أم الأسير الفلسطيني ، ولعل اخطر مشهد واجهنا في زيارتنا لفلسطين كانت المواجهة مع الجيش الأسرائيلي ، إذ أننا كنا نهم بدخول جامعة أبو ديس في القدس المحتلة وتزامن وقت دخولنا للجامعة مع مظاهرة لشباب فلسطينين وأضطررنا دخول الجامعة ونحن نخترق صفوف المتظاهرين ، لم نشعر بالوقت ولا المكان إذ سرعان ما أنطلقت الرصاصات الإسرائيلية تجاهنا ، كنت في وسط المتظاهرين ورأيتهم يسقطون من حولي والرصاص المتطاير في كل مكان ، سقطت على الجدار ، كان سعادة المستشار البطل الأستاذ هشام واصف هو من أنقذني وسحبني لآخر السور ، ولولاه لكنت ميته الآن ، إنني أدين له بحياتي ، أضطررنا بعدها للالتفاف حول سور الجامعة والدخول من البوابة الأمامية ، كنت أحدق في وجوه الجنود الإسرائيليين ، كانت وجوه غريبة مليئة بالحقد والغضب ، دخلنا الجامعة وكان اللقاء مع الأخوة والأخوات أعضاء الجامعة الكرام .

الحياة مليئة بالتجارب والشغف ، وأن بقينا في مكان واحد فلن نرى العالم وبالتالي لن نكتسب الخبرات والمهارات ولن نتعرف على الأفكار الجديدة والأماكن التي تضيف لك فكرة أو ألهام أو خبرة .