لماذا يحتفل العالم وسلطنة عمان بيوم 18 ديسمبر من كل عام باللغة العربية؟

بلادنا الأحد ١٨/ديسمبر/٢٠٢٢ ٠٩:٥٤ ص
لماذا يحتفل العالم وسلطنة عمان بيوم 18 ديسمبر من كل عام باللغة العربية؟

خاص - الشبيبة

تُعد اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان الكرة الأرضية.

وفي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي قرارا عشية الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم بالاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. وبناء عليه، تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190 (د-28) المؤرخ 18 ديسمبر 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

ورصدت "الشبيبة" ووفق موقع أخبار الأمم المتحدة، الغرض من الاحتفال بهذا اليوم الذي يعد إذكاء للوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.

وتشارك ‏سلطنة عُمان دول العالم اليوم الأحد، الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف الـ 18 من ديسمبر سنويًّا تحت شعار "الإسهام الحضاري والثقافي للغة العربية".

لغة مقدسة

ويتوزع متحدثو العربية بين المنطقة العربية و عديد المناطق الأخرى المجاورة كتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا، حيث أن للعربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها.

كما أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية.

وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء. 

تأثير اللغة العربية في العالم

وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

وفضلا عن ذلك، مثلت حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة.

كما أتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

سلطنة عمان واللغة العربية

وفي هذا السياق، أولت سلطنة عُمان اللغة العربية اهتمامًا بالغًا على المستويين المحلي والعالمي حيث أسهمت في التقريب بين الثقافات العربية وغير العربية، ودعم التواصل الثقافي بين مختلف الشعوب من خلال نشر المعرفة عبر مشروعات علمية من بينها كلية السُّلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها والمعاهد الخاصة في عدد من المحافظات التي تقدم خدمات تعليم اللغة العربية بالإضافة إلى كرسي السُّلطان قابوس للغة العربية بجامعة جورج تاون الأمريكية (1993م)، وكرسي السُّلطان قابوس للدراسات العربية المعاصرة بجامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة (2005م)، وكرسي السُّلطان قابوس لدراسات اللغة العربية بجامعة بكين بجمهورية الصين الشعبية (2007م).

وتمكّنت سلطنة عُمان في عام 2005 م من إدراج عالم اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي كأول شخصية عُمانية يتم إدراجها ضمنَ برنامج اليونسكو لذكرى الأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالميًّا حيث إن هذه الشخصية العُمانية أول من ابتكر التأليف المعجمي، وحصر فيه لغة العرب وألفاظها، ووضع أساس علم النحو باستخراج مسائله وتعليلاته، وحصر كل أشعار العرب في بحور علم العروض الذي اكتشفه.

كما دأبت سلطنة عُمان في إطار اهتمامها بلغة الضاد على تنظيم فعاليات مختلفة لتعميق أهمية اللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص حول العالم مثل تنظيم ندوات في معرض مسقط الدولي للكتاب ومؤسسات التعليم العالي والمجتمع المدني والفرق الثقافية تبرز فيها العناية باللغة العربية، وتوظيفها في بناء شخصية الناشئة ودورها في التواصل الحضاري.

دور اللغة العربية في حياة شعوبها

وقال الدكتور حميد بن سيف النوفلي مدير دائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إن اللغة تقوم بأدوارٍ مهمّةٍ في حياةِ الشعوب لتعزيز التفاهم والتواصل فيما بينها، ونقل المعرفة من جيلٍ إلى آخر من ناحية ومن شعب إلى شعب من الناحية المكانية، كما تقوم اللغة بدور مهم في مدّ جسور التقارب والسلام بين الحضارات، مما يؤدي إلى تنمية العلاقات الدولية وازدهارها.

وأكد على أن اللغة العربية من اللغات المهمة منذ نشأتها حتى وقتنا الحاضر، لاسيما وأن الله سبحانه وتعالى اختارها لتكون الوعاء الحاوي لدستوره الخالد القرآن الكريم، وتتصف أيضًا بأن لها القدرة على استيعاب الكثير من العلوم والمعارف؛ إذ تشير الدراسات إلى أن اللغة العربية تحتوي على أكثر من اثني عشر مليون مفردة، وهذا بحدّ ذاته عددٌ كبيرٌ جدًّا مقارنةً مع غيرها من اللغات المستعملة اليوم؛ الأمر الذي يجعل اللغة العربية في الصدارة تتصف بالشمولية والتنوع.

تجدد اللغة العربية

وأوضح أن اللغة العربية لغةٌ مستدامةٌ بقوتها وحضورها الباذخ منذ قرونٍ طويلة جدّا، وهي تتجدّد باستمرار وتواكب كلّ جديد، وتصلح لكل زمان ومكان؛ وبالتالي فهي لغة حية؛ بل ومن أقوى اللغات الحيّة، كما تشير الدراسات إلى أن المستقبل سوف يمكّن اللغة العربية من النواحي العلمية، ويجعلها في مقدمة اللغات التي تخدم البحث العلمي مثل ما كانت في عصور غابرة.

وذكر الدكتور حميد بن سيف النوفلي أن أبناء العربية أدركوا القيمة الحضارية للغتهم فاهتموا بها وأولوها العناية اللازمة، وتعدى ذلك الاهتمام إلى إخوانهم المسلمين من غير العرب؛ نظرًا لكونها لغة القرآن الكريم، وأن أغلب العبادات التي يؤديها المسلم يستخدم فيها اللغة العربية مثل ألفاظِ الصلاة وغيرها.

وأشار إلى أن الأمة العربية والإسلامية على مختلف مستوياتها الرسمية والشعبية ضربت أروع الأمثلة في تمكين اللغة العربية والتمسك بها ونشرها، وتطويرها، واستدامتها، واستخدامها لأغراض البحث العلمي، والتواصل وغير ذلك من الأغراض الأخرى.

وقال إن الكثير من تلك الدول سعت إلى إيجاد جهود مؤسسية للنهوض باللغة العربية، وإيلائها الأدوار الحضارية المناسبة لها وإقامة المراكز الخاصة للعناية بها، وإنشاء المراكز والمعاهد المتخصصة في مجالِ تعريب المصطلحات الأجنبية، وترجمة مختلفِ العلوم من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، ناهيك عن تأسيس مراكز لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وهذا طبعًا يصب في نشر هذه اللغة وضمان استدامتها.

وأضاف أن للمنظمات العربيةِ والدَّولية إسهامات كبيرة في التعريفِ باللغةِ العربيةِ، من ضمنها: المنظمة العربية للتربية والثقافة العلوم (الألكسو) ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وكذلك منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي اعتمدت في عام 1973م اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الست لتكون ضمن اللغات الحاضرة في المؤتمرات العامة للمنظمة، وخصصت في عام 2013م يوما أسمته "اليوم العالمي للغة العربية" ليكون في تاريخ 18 ديسمبر من كل عام.

إسهامات اللغة العربية

وتركّز منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /اليونسكو/ على الإسهامات الغزيرة للغة العربية في إثراء التنوع الثقافي واللغوي للإنسانية، وإنتاج المعارف، كما تجمع اللغة العربية أناسًا من خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة، بوصفها إحدى الركائز التي تقوم عليها القيم الإنسانية المشتركة.

الجدير بالذكر أن اليونسكو احتفلت للمرة الأولى باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر عام 2012، وكرَّست هذا التاريخ السنوي لإبراز إرث اللغة العربية وإسهامها العظيم في الحضارة الإنسانية.

وتنظِّم اليونسكو بمناسبة الاحتفال الخاص لهذا العام سلسلة من الحلقات النقاشية والفعاليات الثقافية في مقرها في باريس، حيث يجتمع الأكاديميون والباحثون والخبراء والشباب لمناقشة التنوع الثقافي والقيم الإنسانية المشتركة والإمكانات التي تتيحها التكنولوجيات الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة، إلى جانب وضع تصوُّر للتماسك والإدماج الاجتماعي من خلال التعددية اللغوية.