كيف تساعد الهويَّة البصريَّة على جذب المستهلكين إلى تجربة تسوّقٍ حسيَّةٍ فريدة؟

مزاج الخميس ٢٠/أبريل/٢٠٢٣ ١٢:٤٦ م
كيف تساعد الهويَّة البصريَّة على جذب المستهلكين إلى تجربة تسوّقٍ حسيَّةٍ فريدة؟
الهويَّة البصريَّة تتجلَّى في المساعدة على خلق انطباعٍ إيجابيٍّ

• باسل الحربي: الإنسان بطبعه كائنٌ بصريٌّ، ومن هنا تكمن أهمية الهويَّة البصريَّة.

• سعد الثرياء: الهويَّة البصريَّة هي انعكاسٌ جزئيٌّ أو كلّيٌّ لقيم ورؤية العلامة التجاريَّة.

• سارة المخينية: المشاعر هي قاعدةٌ لصناعة الهويَّة البصريَّة.

تحقيق - وائل الوائلي

مع تزايد أهمية التَّسويق في الأعمال التجاريَّة، أصبح من الضروري الاهتمام بكيفية جذب انتباه المستهلكين، وتوجيه سلوكهم نحو المنتجاتِ والخدماتِ التي تقدُّمها الشَّركات، ومن الأدوات الحديثة في هذا المجال هو التَّسويقُ الحسّيُّ الذي يستخدم الألوان والأشكال والروائح والأصوات، وغيرها من المؤثرات الحسّية لجذب المستهلكين، وتوجيه سلوكهم. وتتأثّر الهويَّة البصريَّة للشركات بشكلٍ كبيرٍ بالتَّسويق الحسّي؛ حيث تؤدي الألوان والخطوط والشِّعارات دوراً كبيراً في تكوين صورة العلامة التجاريَّة في ذهن المستهلك. 

إنَّ التَّسويق الحسّي والهويَّة البصريَّة أصبحا من العوامل الأساسية في جذب العملاء، وتحويلهم إلى مستهلكين دائمين للمنتجات والخدمات؛ فقد أصبحت الشَّركاتُ تتنافس بشكلٍ شديدٍ لصناعة صورةٍ مميزةٍ لعلامتها التجاريَّة من خلال تصميم علب المنتجات، وشعارات الشَّركات، والإعلانات التجاريَّة، والتَّصاميم الدَّاخلية والخارجية للمتاجر والمنافذ التجاريَّة، ولكن ما هو تأثير هذه العوامل الحسّية والبصريَّة على توجيه سلوك المستهلك وتحديد قراراتهم الشرائية؟ وهل تساعد الشَّركات في تحقيق أهدافها التجاريَّة وزيادة مبيعاتها؟ وما الأساليب والتقنيات المستخدَمة في هذا المجال؟

مجموعة عناصر تصميميَّة

بحسب كتاب تصميم الهويَّة البصريَّة للكاتبة والمصممة الأمريكيّة ألينا ويلر، فإنَّ الهويَّة البصريَّة هي مجموعة من العناصر التَّصميمية التي تعرّف شركة أو منظمة أو منتجًا ما بطريقةٍ فريدةٍ ومميزةٍ، وتتضمَّن هذه العناصر الشّعار والألوان والخطوط والصُّور والرموز والأشكال والنمط العام للتصميم، وتستخدم الهويَّة البصريَّة لإنشاء صورةٍ موحَّدةٍ وقويةٍ للعلامة التجاريَّة، بغية التعرُّف عليها، وتعزيزها في أذهان الجمهور المستهدَف.

 ومن جانبه قال الأستاذ باسل الحربي، المصممُ السُّعوديّ ومطوّرُ علاماتٍ تجاريَّةٍ: إنَّ "الإنسان بطبعه بصريٌّ، وتكاد تكون حاسة البصر هي أكثر الحواس استجابةً، وأسرعها، وبالتالي من هذا المنطلق تكمن أهمية الهويَّة البصريَّة؛ فمن خلالها يتمُّ توجيه سلوك المستهلك، وتُبنى عليها الانطباع والحكم الأول تجاه علامة تجاريَّة، حتى قبل تجربتها وقياس جودتها، أو غيرها من المقاييس والمعايير".

 أمَّا الأستاذ سعد الثرياء، مصممُ شعاراتٍ حاصل على بكالوريوس في التَّصميم الجرافيكي فيرى أنَّ الهويَّة البصريَّة هي انعكاسٌ جزئيٌّ أو كليٌّ لقيم ورؤية وشخصية العلامة التجاريَّة نفسها، ولها صفاتٌ بصريَّةٌ يستطيع النّاس مشاهدتها.

وأوضح قائلًا: "عندما تكون العلامة التجاريَّة رسميةً، فلا بدَّ من أنْ تكون الهويَّة البصريَّة رسميةً، بينما إذا كانت العلامة التجاريَّة ذات أسلوبٍ مرحٍ، فينبغي أن ينعكس ذلك على الهويَّة البصريَّة".

ثقة العلامة التجاريَّة

 تعمل الهويَّة البصريَّة على توجيه سلوك المستهلك بحسب مشاري العيسى، خريج جامعة ميامي للفنون والمتخصِّص في صناعة الهويات البصريَّة؛ إذ يقول: "عند وصول المؤسَّسة لنقطة كسب ثقة العميل، تستطيع المؤسسة توجيه سلوك المستهلك بالطريقة المناسبة لها، مع الحذر عند إرسال الرسائل بعدم زعزعة هذه الثقة، فبذلك تكون عملت المؤسَّسة على توجيه سلوك المستهلك بحسب أهدافها".

 وتقول سارة بنت هلال المخينية فنَّانةٌ ومصمّمةُ هوياتٍ بصريَّةٍ: "إنَّ من قواعد صناعة الهويَّة البصريَّة هي المشاعر، وهي من أبرز معطيات الهويَّة الناجحة، فلكلِّ هويَّةٍ مشاعرُ أو رسالةٌ معينةٌ تقدِّمُها للمستهلك".

وتضيف: "إنَّ مشاعر الولاء والوفاء لمنتجٍ معينٍ من قِبل المستهلك، تضفي أرباحًا متتاليةً للعلامة التجاريَّة، وتجعل من المستهلك مسوقًا للهويَّة التجاريَّة، والعكس صحيحٌ، حيث إنَّ المشاعر السلبية التي ممكن أنْ تعكسها العلامة على المستهلك من الممكن أنْ تتسبَّبَ في خسائرَ كبيرةٍ للعلامة، وربّما متراكمة لمدى أبعد، ولعددٍ أكبر من المستهلكين".

 ومن جهةٍ أخرى يرى الأستاذ سعيد بن عبد الله النحوي، الرئيس التنفيذي لمؤسّسة الثلث للتصميم والتَّسويق أنَّ أهمية الهويَّة البصريَّة تكمن في تعزيز الثقة والولاء للعلامة التجاريَّة، وذلك عندما يتعرَّف المستهلك على الهويَّة البصريَّة للعلامة التجاريَّة، ويشعر بالثقة والراحة ويميلُ إلى البقاء مع هذه العلامة التجاريَّة وشرائها بشكلٍ متكررٍ. كما يمكن للهويَّة البصريَّة أنْ تساعد على خلق انطباعٍ إيجابيٍّ لدى المستهلك حول العلامة التجاريَّة، وبالتالي تحفيزه على الشِّراء.

الهويَّة وتوجيه السُّلوك

وجدت دراسةٌ نُشرت في مجلة "Journal of Business Research" عام 2017 أنَّ الهويَّة البصريَّة تؤثِّر على توجيه سلوك المستهلكين بشكلٍ ملحوظٍ، حيث يعزِّز التميُّزُ والتميُّزُ الوظيفيُّ (functional distinctiveness) قدرةَ العلامة التجاريَّة على جذب المستهلكين والحفاظ عليهم.

وفي هذا السياق تقول سارة المخينية: " الهويَّة البصريَّة هي أهمُّ واجهةٍ للعلامة التجاريَّة، فهي التي تلتقي بأعين المستهلك، وتلفت انتباههم، فتخلق له المشاعر وبعض الذكريات؛ فحياتنا اليوم مليئةٌ بلقطات التوثيق اليومية بين المستهلكين؛ ممّا تعطي انتشارًا واسعًا لأهمية الاهتمام بالهويَّة البصريَّة للعلامة، حيث إنَّ التَّصميم الناجح للهويَّة، يخلقُ انطباعًا مميزًا لدى المستهلك، فيجعله يتذكَّر زيارته للمكان، أو استخدامه للخدمة، أو شرائه للمنتج، كما أنَّ الهويَّة المميزة، تضيف التفرُّد للخدمة أو المنتج، ولها تأثيرٌ طويلُ المدى للعلامة".

ويتفقُ سعيد النحوي مع هذا الرأي؛ إذ يقول: "استخدام هويَّةٍ بصريَّةٍ قويةٍ وجذابةٍ يمكن أنْ يجذبَ المستهلكين، ويساعد في بناء الثقة والولاء تجاه العلامة التجاريَّة. كما أنَّ الهويَّة البصريَّة المميزة يمكن أنْ تجعل المستهلكين يتذكّرون العلامة التجاريَّة بشكلٍ أفضل، وتزيد من فرص الشِّراء المستقبلية".

الاستعانة بالحواس الخمس

تعرّف جمعية التَّسويق الأمريكية (AMA) التَّسويق الحسّي بأنّه: "فنُّ تطوير الاستراتيجيات والتكتيكات التَّسويقية التي تستهدف إثارة استجاباتٍ حسيَّةٍ، وإحساسٍ بالمتعة والإثارة والراحة والاسترخاء والأمان عند المستهلكين، وذلك لتحقيق أهداف التَّسويق وزيادة فرص النجاح في إيصال رسالة الماركة وزيادة المبيعات".

ويهدف التَّسويق الحسّي من وجهة نظر سعيد النحويّ إلى تحفيز المستهلك لشراء المنتجات والخدمات، فيقول: "من أبسط الأمثلة عليه في السُّوق العطور والمنتجات الغذائية التي ممكن يتاحُ لك فرصة تجربتها بشكلٍ مجانيٍّ؛ فهذا النوع من التجربة باستخدام إحدى الحواس يساعدُ على التَّسويق للمنتجات بشكلٍ أكبر، ويصل للدماغ بشكلٍ مكثَّفٍ؛ ممّا يساهم في اتخاذ المستهلك لقرارات بناءً على التجربة الحسّية للمنتجات".

ويعدُّ التَّسويق الحسّي أحدَ أهمِّ الأساليب التي تستخدمها الشَّركات لجذب وتوجيه سلوك المستهلكين؛ إذ يتضمَّن التَّسويق الحسّي استخدام جميع الحواس الخمس، وهي البصر، والسمع، واللمس، والشم، والتَّذوق، لخلق تجربةٍ شاملةٍ ومحفِّزةٍ للمستهلكين.

وتتمثل أهمية التَّسويق الحسّي في توجيه سلوك المستهلك من خلال جذب العملاء والحصول على انتباههم بسهولةٍ من خلال استخدام الحواس الخمس، كما يتذكر المستهلكون الإعلانات والمنتجات التي يتعرّضون لها بشكلٍ أفضل عندما يتمُّ توجيهها لهم من خلال تجارب حسيّةٍ محفزةٍ، ويمكن لتجربةٍ حسيّةٍ مريحةٍ وممتعةٍ مع المنتجات والعلامات التجاريَّة أنْ تؤدي إلى تعزيز الولاء لدى المستهلكين بحيث يميلون إلى العودة للشراء مرَّةً أخرى.

وعن هذه الفكرة أوضحت سارة المخينية قائلةً: "في علم التَّسويق، لدى المصمم ١٠ ثوانٍ، ليشدَّ انتباه المستهلك لتصميم هويَّةٍ بصريَّةٍ ملفتةٍ للانتباه للمنتج، بين بقية المنتجات التي على الرفوف في السُّوق، لذلك إنَّ العوامل الحسّية تسهمُ في لفت انتباه المستهلك إلى المنتج واستقطاب مبيعاتٍ أكبر، حيث إنَّ التَّصميم يجب أنْ يعطي مشاعر الثقة والجودة والاعتماد للمستهلك، وأنْ يثبتَ أنَّ تلك الصناعة هي الأفضل لك بين جميع تلك المنتجات الموجودة على الرف. مثال آخر: إنْ كانت المنتجات عن بعض أنواع الطعام، فإنَّ المشاعر التي تقدُّمها للمستهلك أنَّ محتوى هذا المنتج لذيذٌ جداً، يجب أنْ ينعكس في طريقة تصميم قوالب هذه المنتجات، حتى تنعكس على مشاعر المستهلك بطريقةٍ إيجابيةٍ".

ووفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن شركة التَّسويق والاستشارات "Smell & Taste Treatment and Research Foundation"، فإنَّ استخدام العطور المناسبة في المتاجر والمطاعم يمكن أنْ يؤدي إلى زيادة المبيعات بنسبةٍ تتراوح بين 20% و30%.

حاسَّةٌ سادسةٌ أم تسويق؟

نخلصُ إلى ترابط الهويَّة البصريَّة والتَّسوّق الحسّي بشكلٍ وثيقٍ؛ حيث تؤدي الهويَّة البصريَّة دورًا حاسمًا في تصميم تجربة التَّسوّق الحسّي، وتوجيه سلوك المستهلكين نحو المنتجات والخدمات المقدَّمة؛ إذ تجتمع الهويَّة البصريَّة والتَّسوّق الحسّي في تصميم واجهة المستخدم الذي يجمع بين العناصر المرئية والتجربة الحسّية، ويساعد المستهلكين على تصور وتجربة المنتجات والخدمات بشكلٍ أفضل، ويمكن استخدام العناصر المرئية المختلفة لتحفيز المستهلكين، وإثارة اهتمامهم بالمنتجات والخدمات، وتوجيههم نحو العلامة التجاريَّة بشكلٍ فعَّالٍ، وتساعد على تعزيز الانطباع الإيجابي لدى المستهلكين، وتحقيق الاستجابة المرغوبة، وتؤدي إلى زيادة المبيعات وتعزيز الولاء.

وهذا يعني أنَّ الهويَّة البصريَّة يجب أنْ تكون متناسبةً مع التجربة الحسّية المقدَّمة للمستهلكين، ويجب أنْ تتوافق مع رؤية العلامة التجاريَّة وقيمها، وبالإضافة إلى ذلك، يجب أنْ تكون الهويَّة البصريَّة قابلةً للتطبيق والتعديل وفقًا لاحتياجات العلامة التجاريَّة، ومتطلبات التَّسويق.

ومن أجل تحقيق التّوافق بين الهويَّة البصريَّة والتَّسوّق الحسّي، يجب أنْ يكون تصميم التجربة الحسّية متناغمًا مع الهويَّة البصريَّة، ويجب أنٍ يستخدم الألوان والأشكال والرموز بشكلٍ متَّسقٍ ومنسجمٍ مع العلامة التجاريَّة، كما يجب أنْ يتمَّ تصميم الأنظمة والأجهزة والمعدَّات المستخدَمة في التجربة الحسّية بطريقةٍ تعكسُ الهويَّة البصريَّة وتتماشى معها.