يلتزم به الخليجيون.. «فوالة العيد» تقليد تراثي لم تمحه الرفاهية

مزاج الأحد ٢٣/أبريل/٢٠٢٣ ١٤:٣٨ م
يلتزم به الخليجيون.. «فوالة العيد» تقليد تراثي لم تمحه الرفاهية

وكالات - الشبيبة

لا تمحو الرفاهية التي باتت سمة نسبة كبيرة من العوائل الخليجية عادات تراثية قديمة كانت تميز شعوب هذه المنطقة منذ مئات السنين، ومنها عادات تعرف في العيدين.

وتبرز "الفوالة" بين هذه العادات التي أخذت مع مرور الزمن شكلاً أكبر وأكثر تميزاً مع حب الخليجيين لهذا التقليد وسعيهم للحفاظ عليه، لا سيما أنه يدل على الكرم وحب الضيف وتقديره، فضلاً عن تجسيده لاجتماع الأهل والمعارف في لقاء ينم عن الودّ والتقارب والتآلف في مناسبة هي أقرب على قلوب المسلمين بشكل عام، وهنا الحديث حول عيدي الفطر والأضحى.

والفوالة كلمة شعبية دارجة مأخوذة من "الفأل"، والقصد هنا "الفأل الحسن" الذي يعبر عن الحب والتآلف والتعاون والتقارب والاجتماع ونشر البهجة بلقاء الأشخاص وتبادل التهاني حيث يعتبر العيد مناسبة سعيدة، ومن الطبيعي أن يكون مصدر سعادة، وفق تقرير نشرته الخليج أونلاين.

أما الشيء الذي تطلق عليه الفوالة فهو كل ما لذ وطاب من فاكهة وحلويات ومكسرات ومعجنات وعصائر، إذ تعبر بطبيعة الحال عن السعادة والفرح، حيث تقدم في المناسبات السعيدة.

وتعمل النساء على تجهيز الفوالة وتقديمها للزائرين من الأهل والأقارب؛ وتحتوي "فوالة العيد" على الزبيب واللوز والفستق، والقرع، والكعك وغيرها من الحلويات والهدايا الصغيرة، وتقدم في أطباق مغطاة أُعدت خصوصاً للفوالة.

التزام بالتقاليد

جميع المؤشرات التي تطلقها مؤسسات عالمية متخصصة بالرخاء والسعادة تضع دول الخليج في مراتب متقدمة عالمية وإقليمياً، وليس بغريب في ذلك الأمر؛ فدول الخليج بشكل عام، وخاصة الإمارات وقطر، نجحت كثيراً في استغلال ثرواتها في المضي قدماً بصناعة اقتصاد قوي ومتين أنتج رفاهية عالية للمواطنين.

تصدرت الدول الخليجية قائمة الدول العربية في مؤشر الرخاء والازدهار العالمي لعام 2021 الصادر عن معهد "ليغاتوم" البريطاني.

وحلت الإمارات في المرتبة الأولى، وفي المركز الـ41 عالمياً، تلتها قطر في المركز الـ46 عالمياً، وكانت البحرين الـ56 عالمياً، والكويت الـ58 عالمياً، وسلطنة عُمان الـ67 عالمياً، والسعودية في المركز الـ75 عالمياً.

كل ذلك يؤكد المستوى المتطور من المعيشة التي تتوفر لمواطني الخليج، التي توفرها لهم بيئة العمل المتنوعة، في حين كان آباؤهم وأجدادهم يعتمدون على موارد محددة للمعيشة أغلبها في صيد الأسماك، وبعض الأعمال المحلية الشعبية في بيئة صحراوية تفتقر إلى عديد من العوامل التي تجعل منها بيئة صانعة للأعمال.

حينها كان للسكان عاداتهم الموروثة، ومنها طقوس العيد، تلك المناسبة الأقرب إلى قلوبهم، وفيها يظهرون أقصى ما لديهم من إمكانيات لإظهار الفرح والسعادة.

ولكونه فألاً حسناً، ففوالة العيد كانت تصنع مما يوجد بمنازل السكان وأسواقهم التي كانت بسيطة تقليدية.

الحلوى المصنوعة بالمنزل من التمر والسمسم والزيت كانت أكثر رواجاً، وأنواع أخرى من الحلوى التي تعتمد على السكر والسمن والطحين واللوز والجوز تبتكرها أيادي النساء الماهرات في صناعة ما تجود به مهارتهن، وتشتهر بينها العصيد.

واللقيمات تعتبر أكثر الحلويات انتشاراً بين دول الخليج، فهي سهلة التحضير ومكوناتها متوفرة؛ إذ تقتصر على الطحين والمطيبات أو ماء الورد، وتعمل بقطر السكر المغلي.

مسميات عديدة أخرى من الحلويات التراثية الخليجية؛ مثل حلويات "كعب الغزال"، و"الزليجة"، و"المحنشة"، والحلويات المصنوعة من اللوز والجوز، ويقدم البعض وجبات مثل فتة اللبن مع السمن، أو فتة العسل، إضافة إلى الخبيص والساجو والمنفوش وشعر البنات والبلاليط.

لكن الحال اليوم اختلف كثيراً في بلدان الخليج التي تعد شعوبها اليوم من بين الأكثر سعادة ورفاهية بين شعوب البلدان الأخرى، فـ"الفوالة" تشترى من أرقى المحال التجارية المتخصصة، وتشمل مئات الأنواع من الحلوى والمكسرات المستوردة أو المصنعة محلياً.

أنواع مختلفة من الشوكولاتة والملبس والحلويات المستوردة من أرقى المناشئ العالمية تغزو أسواق الخليج، لتكون حاضرة في تشكيلة فوالة العيد؛ ذلك كله بالتأكيد نتاج واضح للتطور الذي تعيشه بلدان الخليج وتنوع بضائع أسواقها، الذي زاد من أنواع تقليد "الفوالة" دون أن يطمس هويتها.

بين الماضي والحاضر

الباحث في التراث الشعبي القطري خليفة السيد يتحدث، في تقرير لصحيفة "الشرق" القطرية عن "الفوالة" بالنسبة للمجتمع القطري، مؤكداً أنها "عادة اجتماعية متأصلة".

يقول "السيد": إن "من ركائز الضيافة في البيت القطري هو القهوة العربية والتمر، إلى جانب الخبيص، وقرص العقيلي، والخنفروش، واللقيمات، وصب القفشة الأشبه بالخنفروش".

وأوضح: "تختلف فوالة العيد في الصيف عنها في الشتاء، حيث في الشتاء لا بد من وجود الخبيص والعصيدة؛ بسبب أنها أصناف غنية بالزيوت أو ما يعرف بالدهن القطري الذي يمنح الجسم الطاقة والدفء، وكذلك الهريس المصنوع من حبوب القمح".

وتابع: "يتم الإكثار من طبخ الأكلات الحارة التي يدخل في طهيها الزنجبيل، والفلفل الأسود والأحمر؛ مثل المرقوقة التي تطبخ من مرقة اللحم بالخضار مع إضافة الخبز العربي والبهارات".

وزاد: "أما في فصل الصيف فيفضل تقديم أم بريد، وهو نوع من اليقط البارد المصنوع من لبن الأبقار، ويؤكل مع التمر".

ويعتقد السيد أن "الضيافة القطرية اختلفت؛ فبالرغم من البساطة التي كانت تميز الفوالة في أي بيت قطري بات هناك تنافس في نوعية وكمية ما يقدمه الضيف لضيوفه بأسعار مبالغ بها، قد تنم عن الكرم والجود، ولكن من المهم المحافظة على التراث حتى لا تنساه الأجيال الجديدة".

وعلى الرغم من أن حديث السيد كان عن الفوالة في قطر، لكن هذه العادة تنتشر في مختلف بلدان الخليج.

وبلدان الخليج بدورها، ومع حرية وسهولة التواصل بينها في مجال التجارة والنقل، فسحت مجالاً للحلوى العُمانية التي تعتبر الأشهر خليجياً لتغزو أسواقها، فتكون من بين موجودات "الفوالة".

وتشتهر سلطنة عُمان بصناعة الحلوى التي اشتهرت باسمها "الحلوى العُمانية"، والاسم يطلق على الحلويات ذات الأصل العماني.

وفي العادة تمتلك الحلوى العمانية خصائص العسل، حيث يمكن الاحتفاظ بها لمدة تزيد على 3 شهور بدون الحاجة لمواد حافظة، وسواء في فصل الصيف أو الشتاء، فمكونات الحلوى تساعد على الاحتفاظ بها لأقصى مدة ممكنة.

التأثر بالثقافات

السكان غير الخليجيين أصبحوا يلتزمون بتقليد "فوالة العيد"، حيث يرونها عادة شعبية محببة، خاصة أن الأسواق التجارية قبل مجيئ العيد تروج عبر عروض مختلفة لأنواع عديدة من الحلوى والمكسرات، واضعة اسم "فوالة العيد" في عارضات، خاصة لإعلان المنتجات الخاصة بالعيد؛ فيقبل على شرائها حتى الوافدين من المقيمين في هذه البلدان، وفق ما يقول بلال العاني، وهو مهندس حاسبات عراقي يقيم في الإمارات منذ سبعة أعوام.

يقول العاني لـ"الخليج أونلاين" إن تسمية "الفوالة" أو "فوالة العيد" ليست معروفة في بلده الأم بهذه التسمية أو طريقة التقديم، لكنه أخذ يلتزم بشراء "الفوالة" ليستقبل بها ضيوفه في العيد.

العاني يشير إلى أن زملاء له من بلدان أجنبية وبعضهم غير مسلمين يقيمون في دبي يلتزمون بهذه العادة، مبيناً "أنهم يعتبرونها طقساً محبباً، وأيضاً هم يلتزمون بالعديد من الطقوس الخليجية أحياناً حتى الأزياء حيث يرتدون أحياناً الدشداشة العربية".