محمد محمود عثمان يكتب: صندوق النقد والبنوك والتنمية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣١/يناير/٢٠٢٤ ٢٢:٣٥ م
محمد محمود عثمان يكتب: صندوق النقد والبنوك والتنمية
محمد محمود عثمان

صندوق النقد الدولي من أكبر مؤسسات التمويل الدولية تأثيرا على الاقتصاديات النامية ، لذلك أصبح مثارا للجدل والنقد بعد أن تسببت أهدافه وتطبيقاته إلى زيادة معاناة الدول التي تلتزم بطلباته وشروطه التعجيزية ، لأن من أهداف الصندوق المعلنة هو مكافحة الفقر ومساعدة الدول في بناء القدرات وتكوين الشركات في القطاعين العام والخاص .

ولكن سياسات صندوق النقد الدولي في أغلب دول العالم النامية كان لها نتائج عكسية بل و كارثية، بعد أن يترك الدول أكثر فقرا مما كانت عليه، مع ارتفاع الديون، وتعاظم الفوائد، وزيادة حجم البطالة والتضخم، وهذا ما حدث في كثير من الدول النامية التي اقترضت من الصندوق، لأنه في الواقع العملي أن الصندوق وإن كانت طبيعة عمله اقتصادية إلا أنه يعد أداة لفرض نفوذ وسيطرة الدول الكبرى ، حتى أطلق عليه البعض صندوق النكد الدولي .

حيث أن معظم الدول التي حصلت على قروض من الصندوق كانت بوابة لمزيد من الانهيار الاقتصادي والتعثر المالي، بل وزيادة معدلات البطالة في تلك الدول، التي وجهها البنك إلى تخفيض أو إزالة التعريفة الجمركية على الواردات، وفرض سياسات تقشفية حادة، والتي يتحمل عبئها المواطن في نهاية الأمر . 

  لأن القروض لم توجه لمعالجة المشاكل الحقيقية التي تواجه الاقتصاد ، وقد أدى ذلك إلى نقص الموارد و تدمير الصناعات المحلية تحت شعار الإصلاحات الاقتصادية ، التي أدت لإضعاف العملات المحلية ونقص احتياطات البنوك المركزية، بعد الانفتاح الاقتصادي غير المدروس ، وتحرير الأسواق، التي أدت إلى إهمال فئات الشعب الفقيرة أو التي ترزح تحت خط الفقر.

لأن الدول التي تقترض تضطر إلى فرض ضرائب جديدة ورفع الأسعار وإغفال عمليات التنمية الاقتصادية الحقيقية، وكلها من المدخلات الرئيسية إلى زيادة الانكماش الاقتصادي. 

ومن هنا تأتي مسؤولية الدول بأن لا تستسلم لشروط صندوق النقد وتفكر في بدائل وحلول من خارج الصندوق ، لتحريك الاقتصاد عبر حلول غير تقليدية وتتجه إلى التمويل المحلي من قطاع البنوك التي تملك فوائض وأرباح ومدخرات وودائع لإطلاق المشاريع والاستثمارات التي تدفع عجلة الاقتصاد لتحقيق النمو المستدام.

و الأمر يتطلب سياسات نقدية تساعد البنوك وشركات التمويل والتأمين لأداء دورها بتخفيض نسبة الاحتياطي القانوني لزيادة حجم القروض المقدمة للقطاع الخاص الصناعي، والتجاري، والزراعي مع تخفيض تكلفة القروض بكل أنواعها.

 مع التركيز على دعم وتشجيع القطاع الخاص ، لأنه هو عماد الاقتصاد والمحور الأهم للتنمية، والقادر على مواكبة المتغيرات العالمية المتسارعة، والتحديات المستقبلية، التي هي أخف وأفضل كثيرا من الانصياع لسياسات الصندوق التي تترك الدول أكثر فقرا مما كانت عليه، بالإضافة إلى ارتفاع الديون، وتراكم الفوائد وخدمة الدين ، وتفاقم معدلات البطالة والتضخم المستورد في ظل زيادة الواردات .

خاصة أن الدول التي تقترض يتبعها فرض ضرائب جديدة مع ارتفاع عشوائي في الأسعار، للمواد الغذائية ومدخلات الإنتاج وأسعار الخدمات، التي تُلهب بنارها جيوب المواطنين بكل فئاتهم وكذلك المُصنعين بكل مستوياتهم ، و تضخم معدلات التضخم مع انخفاض القوة الشرائية للعملات المحلية ،في الوقت الذي لم تتحرك فيه مستويات الأجور والمرتبات ، للتغلب على الأضرار التي تلحق بالمستهلكين ، وتتسبب الخلل في السلام المجتمعي ، التي تصاحبها زيادة الجرائم وعدم استقرار المجتمعات. 

ومع ذلك فإن الاستفادة من قروض البنك الدولي قد تكون مفيدة عندما توجه 

 القروض إلى المشروعات الصناعية، التي تسهم في توفير فرص العمل الحقيقية ، وزيادة الدخل وتوفير العملات الصعبة، مما يمكنها من تسديد ديون الصندوق بسهولة وبدون تعثر، بل إن بعض الدول التي نجحت في الاستفادة القصوى من قروض البنك الدولي ، وتعظيم استثمارها ، أصبحت قادرة على إقراض الآخرين ، وتحولت من الاقتصاد الهش والضعيف إلى قوة اقتصادية وماليزيا خير مثال على ذلك .