كيف نصنع عالما جميلا؟

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٤/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٤٤ م
كيف نصنع عالما جميلا؟

احمد المرشد

من أكثر ما يؤلم الكاتب أن يختار فكرة موضوعه القادم، وربما يتوارد علي ذهنه أفكار كثيرة في بعض المرات، في حين تشح الأفكار أحيانا، وبين هذا وذاك، تأتينا الفكرة من صديق، ولعلي اعترف هنا، أن تجربة الكتابة ليست حكرا علينا نحن معشر مهنة الإعلام والكتابة، فثمة أخرون يعيشون معنا وبين ظهرانينا كثيرا ما يمدونا بالأفكار، وعندما تكون الفكرة غير واضحة أحيانا، يسهب أصدقاؤنا في شرح أبعادها لنا لتكون عناصر نقوم نحن بصياغتها في قالب مقروء.. أتمني أن أكون نجحت في تفسير ما أعنيه الآن، فما سأتحدث عنه حقيقة هو نتاج حوار مع صديق وآلمني بما سأكتبه، لأنه وضعني في اختبار، هل سأنجح في تحقيق مراده؟ وعموما انتظر رده اليوم وإن كنت لا أحبذ تجربة الاختبارات أو انتظار النتائج، وما ذلك اعترف فرأيه يهمني.

لقد أعجتني الفكرة وسيطرت علي ذهني ربما لأهميتها، وربما لجديتها – من الجديد – وربما لأننا لو تمسكنا بمضمونها جميعا لبلغنا العلي وكنا من أوائل الدول تقدما وتحضرا. وإذا كان لكل فكرة هدف، فما سنتحدث عنه هو متي يكتشف الإنسان هدفه في الحياة وما الذي يجب أن يتمسك به في حياته من بصمات حتي يكون شخصا نافعا ، ولتكون تلك البصمات التي كتبت باسمه مثل بصمات أصابعه ولكنها في هذه الحالة ياحبذا لو تنامت وكثرت وانتشرت ولا تعد حكرا علي صاحبها، فنريد تنامي هذه البصمات لتكون سمة مجتمع، ووطن، وبلد، وإقليم، وأمة عربية وإسلامية. وكان أول من تحدث عن بصمات الحياة هو الكاتب الأمريكي مارك توين المعروف باسم "أبو الكتاب الأمريكيين" واترك للقراء مهمة البحث عنه في جوجل، فحياته تستحق أن تعرف، ولكننا هنا نكتفي بما رأه هذه المبدع حيث اجتهد كثيرا في الكتابة عن الإنسان وهدفه في الحياة وضرورة تجديد أهدافه في هذه الحياة، ثم ماذا عليه أن يقدم لنفسه ومجتمعه. وكان لمارك توين مقولة شهيرة وهي :"إن أهم يومين في حياتك هما: يوم مولدك ويوم أن تكتشف سبب ولادتك"، بمعني ما هو هدفك في الحياة أو هدف وجودك فيها.
كان من أهم قناعات مارك توين أن يعيد صنع العالم علي ورقة، ولهذا اهتم بعالم الكتابة وعمل بالصحافة وبرع في فن القصص، حيث تملكت منه فكرة أن الأديب سيد حياته، ومن لديه الكثير من القصص ليحكيها امتلك هذا الكون ومن حقه صنع هذا العالم علي ورقة. واعتقد أن ما تحدث عنه مارك توين حقيقي، فمؤلف القصص يحرك شخوصه وأحداثهم ويتحكم في أقدارهم، ويضع لهم نهاياتهم، فالكتابة لديه هي فن خلق واقع أكثر ملاءمة لنا وتغيير الأحداث والتطورات وتبديلها.
قرأت طويلا عن مارك توين لكي أفهمه واستوعب أراءه، ومنها علي سبيل المثال :"الحياة قصيرة، اكسر القوانين، سامح بسرعة ، أحب بصدق، اضحك بلا قيود، ولا تندم على شيء جعلك تبتسم في يوم ما". ومن أعماله الجيدة أن أقام ما يسمي بـ"حفلات القراءة الجماعية" فكان الناس يشترون التذاكر لحضورها ويجلسون في مسرح كبير ليصغوا الي توين وهو يتلو عليهم ما كتبه من قصص، وهو ذكرني هنا بقصة "راوية الأفلام" وتسرد قصة فتاة صغيرة كانت ترسلها أسرتها الي سينما المدينة المجاورة لقريتهم بالمكسيك لكي تشاهد الأفلام المعروضة ثم تعود لتقصها علي سكان قريتها مع تمثيل بعض مشاهدها وكأنها علي المسرح، وكان لهذه الفتاة الفضل في انقاذ أسرتها من الفقر بسبب موهبة سرد الأفلام بدقة شديدة وشد انتباه جمهورها رقيق الحال.
استكمالا لبصمة الحياة، أو للجزء الثاني من مقولة مارك توين " ويوم أن تكتشف سبب ولادتك".. ففي اعتقادي أنه من الأفضل أن نضع نحن بأنفسنا بصمات لحياتنا من ديننا الحنيف، بصمات لنا وللأقربين منا، لأسرنا ، لأصدقائنا، ولعلنا نبدأ بالابتسامة وهي أسهل ما يكون ، فحقا الابتسامة الصادقة الصادرة من القلب تصل للقلوب مباشرة، وأجملها وأعذبها الابتسامة الدائمة، لأننا سنصف صاحبها بـ"صاحب الابتسامة الدائمة"، فهي لا تفارقه وتكون إحدي سمات شخصيته. وديننا أيضا يحثنا بضرورة الإحساس بمعاناة الآخرين وأحزانهم، وأن نجتهد بمسح هذه المعاناة عن قلوبهم بكلمة طيبة علي الأقل، فمعروف أن للكلمة الطيبة أثرها الطيب في نفوس الآخرين، فالكلمة الطيبة أيضا من بصمات حياتنا وهي صفة تلاصقنا مدي الحياة.
ولن نذهب بعيدا إذا تحدثنا عن بصمة رائعة في حياة كل مسلم بل وكل إنسان علي وجه الأرض، وهي فضيلة حثت عليها كل الأديان، وهي الصدقة ، التي قد تسد جوع فقير سواء طفلا أو كهلا غير قادر علي العمل، ويكفينا الابتسامة التي تعلو وجه هذا الطفل أو غيره .ففك الكرب عن مكروب مهموم بالصدقة ، يبدل حياته من نقيض لنقيض، من حزن الي سعادة، ناهيك عن رفع معنوياته وإعادة دمجه في المجتمع لما شعر به من تعاطف من الذين حوله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "داووا مرضاكم بالصدقة " ،فكم من مريض كانت الصدقة سببا بأمر الله في شفائه، وكم من مبتلى عافاه الله ، وكثيرون كانت الصدقة سببا في نماء مالهم أو سببا في حفظهم من الشرور بل وفي البركة في أهلهم وأولادهم .
ولنا أيضا أن نبصم حياتنا بالعمل المثابر حتي يكون ذالك العمل مخلصا لله عز وجل، وحبذا لو كللنا هذا بالصدق في حياتنا، وتصرفاتنا وسلوكياتنا، فكل هذه الصفات أو لنصفها بـ"بصمات الحياة" ستشيع فينا الأمل والتفاؤل، ولن يغيب عنا هذا الشعور الصادق المحبب الي كل نفس بشرية، فكم من نفس عاشت سعيدة بتفاؤلها، وكم من إنسان تعرض لأزمات تلو الأخري بسبب يأسه أو شعور المزمن بالإحباط، فلنجعل في حياتنا بصمة الأمل والتفاؤل، وربما يقودنا هذا الي الإبداع في عملنا وحياتنا كلها، فأيا كانت مهنتنا ووظيفتا فبالأمل والتفاؤل سنبدع في عملنا ومنتجنا علي مستويين، الأول لنا شخصيا، والثاني للذين يتعاملون معنا، فالسلعة المتقنة التي أخرجناها ستعجب مستعملها ومستهلكها مما يجعله يرتبط بنا ولا يفرط في إنتاجنا.
ومن بصمات الحياة أيضا التي أراها ضرورية علي مر السنين ، أن تتصف حياتنا بالصراحة والابتعاد عن المبالغة في الحديث، كما أن للأمانة دورها في رفعة المجتمع وتقدمه، ونحن في حل من التذكير مما قاله الأخرون إنهم رأوا مسلمين في أوروبا بلا إسلام بعكس ما نراه في بلداننا من إسلام بلا مسلمين، وهي مقولة بالمناسبة ارتبطت باسم الشيخ محمد عبده أحد العلامات المضيئة في تحديث الفكر الإسلامي بمصر. وبمناسبة ذكرنا الأمانة، فعكسها طبعا وهو الخيانة من الكبائر في الدين، ومن خاننا ليس منا، وهنا يستلزم علي الجميع التمسك بميزة الإخلاص قولا وعملا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبعد عنه في كل أفعاله وتصرفاته.
ولا يفوتنا أن تكون من بصماتنا في حياتنا وغيرنا أيضا البعد كل البعد عن الحقد و الحسد، ليس تجنبا فقط لأن نكون من بين أشر خلق الله وأخبثهم، ولكن الحاقد والحاسد لن تطأ قدماه الجنة لعدم إيمانه بما قسمه الله لنا ولغيرنا، فمن يطلب زوال النعمة من غيره لا يستحق الحياة وكذلك يحرم الجنة.
وثمة بصمة سهلة للغاية ولن ترهقنا بل ستضاف لحسناتنا، ونتذكر هنا معا الحديث النبوي: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ).فقد أراد رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - أن يعطي تصورا مجملا عن الإيمان، وأنه متعدد الأركان والشرائع، فكان التوحيد أعلى مراتبه ، وأدناها ما لا يقيم له الناس وزنا من الأعمال الصالحة كإماطة الأذى عن الطريق، فيما جاء ذكر "الحياء" للدلالة على ما بينهما من أعمال صالحة يصدق على جميعها مسمى الإيمان، وهذا أيضا من بصمات الإنسان، والتي يجب أن يتحلي بها، وهو خلق يححب الإنسان عن فعل الرذائل وارتكاب القبائح. فهل لنا في بصمة أسهل من هذا، فما أسهل وأيسر هذا حتي علي أصغر طفل، وهو ما يجب أن نعلمه لأطفالنا، فهذا الفعل الطيب من بصمات الحياة.
وأخيرا، لنعد الي بدايتنا، فالبصمة الطيبة مثل الجوهرة تزيد قيمتها مع الزمن حتي وإن علاها الغبار، فما علينا هنا سوي إزالة هذا الغبار لنمتع أعيننا بأصل الجوهرة، فهكذا هي بصماتنا، لا تزول، وتدوم، وتظل ملازمة لنا في حياتنا وحتي تحيا بها ذكرانا. ولنتذكر أن الدين المعاملة، وبالتالي نحقق أهدافنا، أو الجزء الثاني من مقولة مارك توين "إن أهم يومين في حياتك هما: يوم مولدك.. ويوم أن تكتشف سبب ولادتك"، هذا بعكس شاعر المهجر اللبناني إيليا أبو ماضي الذي ظل حائرا وليس داريا لماذا جاء للدنيا وماذا سيجني منها! والأهم من كل هذا أنه بامكاننا صنع عالمنا الجميل..نعم نستطيع

كاتب ومحلل سياسي بحريني