ايران والقمة الخليجية الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
ايران والقمة الخليجية الأمريكية

أ.د. حسني نصر

للمرة الثانية خلال عامين تلجأ الولايات المتحدة ورئيسها الذي لم يتبق على بقائه في البيت الأبيض سوي اقل من تسعة أشهر إلى عقد اجتماع على مستوى القمة مع حلفائها الخليجيين. فبعد قمة كامب ديفيد التي أرادت إدارة الرئيس أوباما من خلالها طمأنة دول الخليج والحصول منها على الضوء الأخضر للمضي قدما في إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، يعود الرئيس أوباما إلى أجواء القمة الخليجية، ولكن هذه المرة في العاصمة السعودية الرياض، ولنفس السبب تقريبا مع اختلاف الظروف، وذلك لطمأنة قادة الخليج بان التقارب الأمريكي الإيراني لن يكون على حساب العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع دولهم، ودفعهم إلى الدخول في حوار مع طهران ينتهي بشكل من أشكال التوافق والسلام حتى وان كان سلاما باردا.

ورغم تعدد الملفات التي ناقشها الجانبان الخليجي والأمريكي فقد بدا للمراقبين إن كل توافق أو خلاف شهدته القمة كان يبدأ من إيران، ويدور حولها، وينتهي اليها، حتى وان كان بعيدا عنها، وبالتالي فان أية رؤية لمستقبل العلاقات الامريكية الخليجية، ومستقبل المنطقة ككل، بعد هذه القمة يجب أن تنطلق من حقيقة أن إيران جزء رئيس في المعادلة الإقليمية لا يمكن عزله او تجنبه او تجاهله في أية تسويات تستهدف إعادة الاستقرار ومحاربة الإرهاب وإنعاش الاقتصاد.

ويمكن القول إن قضية إيران كانت إحدى محركات عقد القمة ليس فقط باعتبارها إحدى أهم القضايا الملحة ذات الأثر المباشر على العلاقات الخليجية الامريكية، وعلى مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، ولكن أيضا لكونها القضية الأبرز التي جاء أوباما من أجلها، واحدي مسببات التراجع الواضح في العلاقات الامريكية الخليجية في الشهور الأخيرة. وتجدد الحضور الإيراني وبقوة في بقية الملفات التي بحثتها القمة، بما في ذلك ملف الصراعات الإقليمية المشتعلة في سوريا واليمن والعراق، باعتبارها إحدى نقاط التماس والتنافس الخليجي الإيراني الحاد، وملف انخفاض أسعار النفط وتداعياتها على الاقتصادات الخليجية، خاصة بعد فشل اجتماع المنتجين في الدوحة في الوصول إلى اتفاق لتخفيض الإنتاج، بعد أن اشترطت السعودية قيام إيران بخفض إنتاجها.

والواقع أن الطريقة التي تعامل بها طرفي القمة مع قضية إيران يمكن أن تكشف لنا عن خلاف واضح بينهما في الرؤية. صحيح أن البيان الختامي طمأن دول الخليج بشأن أنشطة إيران في المنطقة، وجدد التزام واشنطن بمساعدة الدول الخليجية في مواجهة تحركات طهران، خاصة التجارب الصاروخية وإرسال شحنات الأسلحة إلى حلفائها في سوريا واليمن، ولكن متى كانت البيانات الختامية التي يغلب عليها الطابع الخطابي البلاغي والاسترضائي دليل علي توافق الرؤي؟
لقد حاول أوباما خفض حدة القلق الخليجي بالحديث عن تعزيز العلاقات الأمنية القائمة بالفعل مع دول الخليج، وتحسين القدرات الدفاعية لها، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة معها، ومع ذلك يبقي الخلاف قائما في الرؤية والتوجه العام. فعلي حين تريد السعودية تحديدا عزل إيران وعدم دمجها في النظام الإقليمي، والتعامل معها مثلما كان الحال في فترة العقوبات الطويلة، فإن أوباما يرى إن الأوضاع قد تغيرت، وأن دمج طهران في النظامين الإقليمي والدولي يصب في صالح المنطقة والعالم، وبالتالي لا بديل عن إقامة حوار خليجي- إيراني ينتهى إلي سلام حتى وإن كان باردا. هذه الرؤية لم تخرج من القمة بالطبع ولم ترد صراحة في البيان الختامي البروتوكولي، ولكن أوباما طرحها وأكد عليها في حوار أجراه معه الصحافي جيفري غولدبيرغ ونشرته مجلة "أتلانتيك" الشهر قبل الفائت قال فيه إن السعوديين بحاجة لأن "يقتسموا" الشرق الأوسط مع الإيرانيين، وهذا يتطلب أن نقول لأصدقائنا، وفي الوقت نفسه للإيرانيين، إنهم بحاجة لإيجاد طريقة مجدية لاقتسام الجوار وإقامة نوع من السلام البارد. (عربي21، أوباما يكشف عن آرائه في الإسلام والشرق الأوسط والسعودية (2)، 15/3/2016)

من الرؤية السابقة يتضح لنا أن أوباما يشارك السعوديين والخليجيين القلق من دور إيران في المنطقة ولكنه لا يتفق معهم في مقاربة العزل التي يفضلونها في التعامل مع إيران، ويصر في هذا الصدد على إقامة حوار بين إيران والسعودية، وهو ما ترفضه الرياض ويعزز في نفس الوقت المخاوف لدي دول الخليج من تحول الموقف الأمريكي بعيدا عنهم في اتجاه إيران. السؤال الآن من الذي سيغير موقفه في المستقبل؟ السعودية ودول الخليج ام الرئيس القادم للولايات المتحدة.

لقد شهدت سنوات أوباما الثمانية في البيت الأبيض- حسب وصف صحيفة وول ستريت جورنال- تغيرات دراماتيكية في الشرق الأوسط من صعود لتنظيم داعش ، وتدهور أسعار النفط، والصراعات في العراق وسوريا واليمن، والربيع العربي، والتقارب مع إيران، وهي تغيرات جعلتنا أمام شرق أوسط مختلف تماما عن ذلك الذي تسلمه أوباما من جورج بوش الابن، فهل تشهد سنوات الرئيس القادم تغيرات مماثلة خاصة في العلاقة مع إيران، الحاضرة دوما، حتى وان غابت عن القمم؟

اكاديمي في جامعة السلطان قابوس