النوايا الفرنسية لصنع "سلام" فلسطيني إسرائيلي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
النوايا الفرنسية لصنع "سلام" فلسطيني إسرائيلي

داود كُتَّاب

تقوم الحكومة الفرنسية منذ بداية العام ببناء الدعم لمؤتمر دولي من أجل إعادة إطلاق مسيرة السلام الإسرائيلية- الفلسطينية . تستحق فرنسا التصفيق لجهودها الشجاعة من إجل إحياء عملية لم تصل إلى نتيجة معظم العشر سنوات الأخيرة ولكن النجاح سيتطلب أكثر من الشجاعة فإية محاولة دولية لتسوية مشكلة فلسطين تعتمد على ستة عوامل .
أولا الجدية . عندما أعلنت فرنسا لأول مرة عن خططها في يناير ، رفض الكثيرون تلك الفكرة وقالوا بإنها ليست أكثر من فرقعة إعلامية . لقد شكك المسؤولون الفلسطينيون في بادىء الأمر بالمبادرة وكان عندهم مخاوف بإنها ستعطي الإسرائيليين فرصة أخرى لإلتقاط الصور وبعد المصافحة ، يستمر الفلسطينيون في المعاناة تحت الإحتلال .
عندما إتضح بإن الجهود الفرنسية كانت جدية ومخلصة وتم تحديد تاريخ للمحادثات التحضيرية في 30 مايو ،شجعت الجداول الزمنية الواضحة المسؤولين الفلسطينيين على قبول تلك العملية ويجب أن يستمر حسن النية هذا بغض النظر عن ما قد ينشأ من عقبات.
إن العنصر الثاني الرئيسي هو التعدية .إن إسرائيل الطرف الأقوى في الصراع تفضل المحادثات الثنائية والتي تضعها في وضع أفضل لإملاء شروطها . إن الطرف الأضعف في تلك المحادثات لديه بالطبع بعض القوة وهي القدرة على أن يقول لا ولكن ممارسة هذه القوة عادة ما تنطوي على دفع الثمن غاليا.
لقد إستطاعت الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الإمن بالإضافة إلى ألمانيا العمل معا من أجل التوصل للإتفاق النووي الإيراني . إن من الممكن تحقيق مثل ذلك النجاح في الشرق الأوسط فقط في حالة تركيز جميع الإطراف على إيجاد حل وأن لا يترك الإسرائيليون الأقوياء يملون شروطهم على الفلسطينيين الضعفاء.
إن العامل الثالث الإساسي هو وجود جدول زمني واضح فبالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين فإن عقودا من المفاوضات المفتوحة لم تؤدي لنتيجة تذكر ولو أراد الفرنسيون إنجاح تلك العملية سيتوجب عليهم تحديد جداول زمنية واضحة وتاريخ يتوجب بحلوله أن تحصد تلك المحادثات النتائج علما إن حدود ما هو مطلوب لتحقيق تسوية مفهومة إلى حد كبير.ما هو مفقود هنا هو إرادة السلام وعندما يكون هناك موعد نهائي فإن المماطلة لن تصبح جزءا من تكتيكات التفاوض.
وعندما يتم تحديد جدول زمني فإن ثمن الفشل ينبغي أن يكون واضحا وهذا هو العامل الرابع الحاسم . إن أي مفاوض يعلم إن أطراف الصراع سوف يكونوا مترددين في التوصل لتسويات ما لم يكن هناك ثمن سيدفع لو فشلت المحادثات . عندما أعلن وزير الخارجية الفرنسية السابق لوران فابيوس المبادرة الفرنسية لأول مرة ذكر بإنه لو فشلت المحادثات فإن فرنسا سوف تعترف بفلسطين (لكن خليفته جان مارك ايرولت قد تراجع عن ذلك الموقف وقال بإن الإعتراف لن يكون تلقائيا ).
كعضو دائم في مجلس الأمن فإن الإعتراف الفرنسي بفلسطين سيكون حاسما فالضغط على إسرائيل يمكن أن يزداد لو إتضح بحلول نوفمبر أو ديسمبر أنها لا تفاوض بحسن نية . إن إدارة الرئيس الإمريكي باراك أوباما بحلول تلك النقطة وهي في أسابيعها الأخيرة يمكن أن تلعب عندئذ دورا حاسما في جعل ثمن التصلب والعناد واضحا لإسرائيل .
إن الشرط الخامس للنجاح هو إنه يتوجب إحقاق العدالة فحتى لو تم إقناع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين بالتوقيع على صفقة ما فإنها لن تصمد أمام إختبار الزمن ما لم يتم إعتبارها بشكل عام على إنها صفقة عادلة . إن الصفقات تتطلب التسويات ولكن لن تبقى أية صفقة لو كانت التسويات من طرف واحد تبدو كبيرة لدرجة أن ينظر للإتفاقية التي تمخضت عنها بإنها غير عادلة .
إن هناك إتفاق إقليمي ودولي كبير على ما يمكن إعتباره حلا عادلا : دولة فلسطين المستقلة على حدود سنة 1967 تقريبا وحل مشكلة اللاجئين وترتيبات لإقتسام القدس وبالإضافة إلى ذلك فإن من المستحيل أن ينظر للمفاوضات على إنها عادلة لو إحتفظت إسرائيل بإحتلاها الوحشي وإستمرت في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.
أخيرا فإن نجاح المفاوضات يتطلب دعم شعبي والذي يمكن الحصول عليه فقط لو أعطى القادة بحق فرصة للسلام . يجب أن يؤمن الفلسطيني العادي –والإسرائيلي كذلك – بإن السلام ممكن وهذا يعني تغييرات في السياسة العسكرية الإسرائيلية وقيود السفر والمواقف السياسية وإنهاء المزايدة من الطرفين .
لقد تم تكليف بيير فيمونت المبعوث الفرنسي الخاص من قبل حكومته بمهمة كبيرة للغاية وهي مهمة لا يستطيع تحقيقها لوحده فهو سيحتاج إلى جهود مخلصة متعددة الأطراف وجداول زمنية واضحة وإلتزام بالعدالة من جميع الأطراف وربما معجزة.

أستاذ سابق في جامعة برينستون ومؤسس ومدير سابق لمعهد الإعلام الحديث في جامعة القدس برام الله